اعتقالات أمنية في تونس تثير مخاوف من تزايد القمع
( أ ف ب)
تشن السلطات الأمنية التونسية منذ أيّام حملة اعتقالات طالت سياسيين معارضين ورجل أعمال وإعلاميًا من دون تهم واضحة، ما ينذر بتزايد القمع في بلد يواجه أزمة اقتصادية وسياسية منذ قرار الرئيس قيس سعيّد احتكار السلطات في العام 2021.
سبقت عمليات الاعتقال تلميحات واضحة من الرئيس خلال لقاء بوزيرة العدل ليلى جفال الأسبوع الفائت، جاء فيها “من غير المعقول أن يبقى خارج دائرة المحاسبة من له ملف ينطق بإدانته قبل نطق المحاكم، فالأدلة ثابتة وليست مجرّد قرائن”.
بدأت حملة الاعتقالات نهاية الأسبوع الفائت بتوقيف رجل الأعمال كمال اللطيف، صاحب النفوذ الكبير في الأوساط السياسية والذي بقي لفترة طويلة مقربا جدا من الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، اضافة الى ناشطَين سياسيَّين وقاضيين معزولين.
وتواصلت الاعتقالات إلى الاثنين ليلا وطالت المدير العام في المحطة الاذاعية الخاصة “موزييك اف ام” نور الدين بوطار والقيادي في “حزب النهضة” ذي المرجعية الاسلامية نور الدين البحيري والوزير السابق والمحامي لزهر العكرمي.
تتزامن حملة الاعتقالات وسعي الرئيس قيس سعيّد إلى وضع حجر الأساس لنظامه الرئاسي والذي تميز بمقاطعة كبيرة من قبل الناخبين لا سيما اثر مقاطعة نحو تسعين في المئة من الناخبين دورتي الانتخابات النيابية الفائتة.
وفي أول رد فعل دولي، دان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك الثلاثاء “تفاقم القمع” في تونس، اثر الاعتقالات.
وقال المتحدث الرسمي باسمه جيريمي لورانس، خلال إيجاز صحافي في جنيف، إن تورك أعرب عن “قلقه من تفاقم القمع ضد أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم معارضون سياسيون ومنتمون إلى المجتمع المدني في تونس، ولا سيما من خلال الإجراءات التي اتخذتها السلطات في مواصلة لتقويض استقلالية القضاء”.
وفي تعليقه على الحملة الواسعة للاعتقالات، بيّن سعيّد في مقطع فيديو نشرته الرئاسة بعد لقائه وزيرة التجارة كلثوم بن رجب الثلاثاء، أن “عددا من الموقوفين والمجرمين والمورطين في التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي وبالاثباتات، هم الذين يقفون وراء هذه الأزمات المتصلة بتوزيع السلع وبالترفيع في الاسعار”.
وكان الهدف من ذلك “تأجيج الأوضاع الاجتماعية”، بحسب سعيّد.
– “ترهيب وتخويف” –
ومنذ قرار الرئيس سعيّد احتكار السلطات في البلاد، والذي اعتبر الكثير من السياسيين أنه وضع حدا للمسار الديموقراطي الذي انطلق منذ ثورة العام 2011، تعرّض العديد من الناشطين السياسيين لملاحقات قضائية نددت بها المعارضة واعتبرتها تصفية لحسابات سياسية.
ورأى المحامي والوزير السابق غازي الشواشي أن ما تقوم به السلطة وعلى رأسها سعيّد قرارات “اعتباطية” و”عبث دائم”.
وكتب الشواشي على صفحته الرسمية عبر فيسبوك أن ملفات ادانة الموقوفين “خاوية” والهدف من ورائها “إلهاء الرأي العام و ترهيب وتخويف المعارضين”.
ويرى أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة التونسية عبد اللطيف الحنّاشي “الكثير من الغموض “الذي يلف حملة الاعتقالات.
ويرجح في تصريح لوكالة فرانس برس أن تكون “هناك اجتماعات بين المعارضين للرئيس ويبدو أن هناك محاولة للتخطيط لعزل رئيس الجمهورية”.
ويؤكد “أصبح للرئيس هاجس أمني والمشهد السياسي يزداد ضبابية”.
نددت محطة “موزييك اف ام” في بيان الثلاثاء “بشدة عملية الترويع والإيقاف العشوائي” لبوطار.
كذلك، أكدت إدانتها “لعملية الترهيب الهادفة لضرب استقلالية الإذاعة وحرية العمل الصحافي” وشددت على “تمسّكها باستقلالية خطها التحريري”.
بدورها، قالت منظمة مراسلون بلا حدود إن توقيف بوطار “بدون مذكرة توقيف أو سبب رسمي واستجوابه الذي تمحور حول اختياراته التحريرية، مرفوض بقدر ما هو مؤشّر على القمع الذي تتعرض له الصحافة في تونس”.
طالت الاعتقالات كذلك قيادات من الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يشكل أهم منظمة نقابية وله ثقل سياسي يكاد يكون الأبرز في البلاد.
والأسبوع الفائت، نددت أكثر من 65 منظمة غير حكومية بتوقيف قيادي في الاتحاد وإحالته على التحقيق إثر اضراب عام في قطاع الطرقات السيارة، اعتبر قيس سعيّد ان لديه “مآرب سياسية”.