بقلم حميد وضاح
عاش دوار “الفقرة الفحلين” بجماعة بير الطالب ، بإقليم سيدي قاسم، خميسا أسودا جراء غرق أحد فتيانه في حفرة امتلأت بمياه الأمطار التي عرفتها المنطقة في الآونة الأخيرة، هذا الفتى ، حسب رواية مصدر “سياسي” ، لجأ إلى هذه البركة المائية عشية يوم الخميس الماضي لينعم بلحظات سباحة و يخفف عن جسده درجة الحرارة التي كانت مرتفعة ذاك اليوم ، إلا أنه فوجئ بأن مستقر ، هذه البركة ، أكثر أعمقا مما كان يظنه ،و هو الوافد الغريب على لعبة السباحة ،هذا و لم تمر إلا لحظات حتى اختفى، ولم يعد يظهر له أثر على سطع الماء. وحسب رواية نفس المصدر ، فإن مجموعة من شباب الدوار هرعوا إلى عين المكان ،ما أن داع خبر غرقه، و تمكنوا من انتشال جثته وإخراجها من البركة إلا أن الفتى ، الذي أفنى جل عمره في حفظ القرآن الكريم، كان قد فارق الحياة ،قبل أن تعمل سيارة إسعاف تابعة للوقاية المدنية على نقله صوب مستودع الأموات بحضور كل من عناصر الدرك الملكي بسيدي سيدي قاسم و قائد جماعة بير الطالب.
يمكن أن نسلم بأمر الغرق في نهر ما،كما يمكن أن نسلم بأمر الغرق في بحر ما،لكن يصبح هذا التسليم مستعصيا عن الاقتناع عندما يتعلق الأمر بغرق في بركة ماء وتفارق الحياة فيها ،وهذه البركة ليست من صنع الطبيعة كما البحار و الأنهار وإنما من صنع الإهمال و التواطؤ والجشع.
ما كان لهذا الفتى أن يفارق الحياة بهذه السهولة و هذه السرعة في بركة يتعدى عمقها سبعة أمتار حسب رواية الأب المكلوم بهذا الفقد المجاني، لو كان سماسرة المقالع من كافة المتدخلين تهمهم حياة البشر وعمدوا الى إرجاع الحالة الى ما كانت عليها سابقا او تم اعتماد حارس يمنع من الاقتراب الى هذه الحفرة كما ينص دفتر التحملات التي تفرضه الوزارة الوصية في مشاريع استغلال المقالع.
إن هذا المشهد ، القتل هذا ، الموغل في الدراماتيكية، يخبرنا ان جماعة الطالب لم تحظ بأي فرصة تنموية حقيقية منذ مطلع الستينيات من القرن الماضي ،كما لا تتميز بأي ميزةـ اجتماعية او اقتصادية او رياضية …، غير مقالع الحجارة والحصى ” tout venant ” التي لم تنعكس أموالها الضخمة لا على واقع الجماعة و لا على حياة ساكنتها، في المقابل كانت تبيض ذهبا في أعشاش المقاولين والأوصياء عليه من المسؤولين.
لقد فارق هذا الفتى اليافع الحياة قتلا في فخ هذه الحفرة ،وقد يفقد شباب آخرون حياتهم في نفس هذه الحفرة المصيدة مستقبلا , فهل سيفتح تحقيق نزيه ومسؤول لتحديد المسؤوليات وتوجيه الاتهمام الى المقاول و رئيس جماعة بير الطالب وكافة المسؤولين الذين كانت له صلة بهذا المقلع، ام ان موته هذا سيذهب سدى كما ذهبت حياة العديد مثله من أبناء الفقراء البسطاء؟