سؤال الكفاءة والحكامة في تدبير منظومة التعليم و البحث
الدكتور بلاوشو عبد الكبير – كلية العلوم – الرباط
تسارعت في السنوات الأخيرة مجموعة من المتغيرات حملت معها الكثير من الفــــرص والتهديدات، أسهمت -ولا تزال- في إعادة صياغة المنظومات بأنساقها وسياقاتها والإنتقال بها إلى أوضاع مغايرة تماماً لما كانت عليه، هذا ما يقع في شتى مجالات الحياة حيث كل شيء في تحول دائم والمجتمع في حركة مستمرة وتطور سريع سواء إلى الأحسن أو الأسوأ، و تطلعات الأفراد والجماعات تتصاعد للبحث عن مستويات أفضل للحياة.
من هنا يأتي الإرتباط الوثيق بين تركيبات منظومة التعليم والبحث ومكونات مشاريع ونماذج التنمية الشاملة.
فالتعليم والتنمية نظامان متلازمان، مخرجات أحدهما هي مدخلات للآخر… حيث أن النتائج المحققة لخطط التنمية في مجالات الإنتاج والخدمات والأعمال تبقى مرتبطة بمدى جودة مدخلات هذه المخططات (وأهمها العنصر البشري الذي يعد أحد أهم مخرجات النظام التعليمي).
كما أن جودة الأداء في منظومة التعليم والبحث من العوامل الأساسية في مسلسل الإرتقاء بالإنسان وبالمؤسسات إلى مستوى تحقيق الرضا الوظيفي. رضا لا يتحقق إلا بتقديم خدمة متميزة تلبي إحتياجات الآخر في لحظة صدق كتعبير عن عشق مهني و أخلاقي يفضي إلى الشعور بحجم المسؤولية و الإلتزام بها.
هكذا نجد أنفسنا أمام مجموع سلوكيات وإجراءات وعمليات محورها الإنسان والتي ينبغي أن تكون محاطة بضمانات وبشروط وأخلاقيات من أجل الدفع بالأداء المؤسساتي و بالخدمات الوظيفية إلى ما هو أفضل وأرقى بعيدا عن الإستقطابات الإيديولوجية والإسقاطات الشخصية للمسؤولين والفاعلين في المجال.
من هنا أضحى لزاما علينا تعبئة مؤسسات التعليم والبحث من خلال إيجاد أجوبة لأسئلة تفعيل القدرات وإطلاق الممكنات و اجتراح الأدوات والإمكانيات في إطار استراتيجية التمكين وليس في سياق ما يشهد عليه الواقع من سياسات التنميط و التدجين.
فالإدارة السليمة اليوم لمؤسسات التعليم ينبغي أن تجمع بين الفعالية والفاعلية لأنها أمام تحديات من قبيل تحدي الجاذبية والجرأة و الأجرأة وهذا يفترض :
• الإتجاه إلى تصميم تنظيمات إدارية مرنة لها القدرة على التكيف مع الظروف و المتغيرات
• الإهتمام المتزايد بالكوادر البشرية من خلال التأهيل والتدريب لتنمية قدراتها ومهاراتها والرفع من كفاءتها
• الإلتزام بتطبيق مفاهيم التخطيط الاستراتيجي والجودة الشاملة والتميز الأكاديمي
• بناء مشاريع وتشبيك علاقات منتجة مع مؤسسات المجتمع المدني
إنها استراتيجية صناعة الكفاءة و تحقيق الحكامة في تدبير المنظومة من خلال التوقيع على الفعل المؤسساتي عبر :
1. نتائج دقيقة و وجيهة يمكن قياسها و مراقبتها بمؤشرات متفق عليها.
2. موارد ملائمة للتوصل إلى النتائج المستهدفة والمرغوب فيها.
3. إجراءات تضمن تناغم الصلاحيات و المسؤوليات مع النتائج و الموارد المتوفرة.
4. حوار تواصلي وتدبير تشاركي بين كل الفاعلين تحقيقا للأهداف المسطرة.
5. تصميم العمليات وتنسيقها بين عناصر المؤسسة الداخلية، وتنمية علاقاتها مع العناصر الخارجية ذات التأثير المحلي و الجهوي.
6. بلورة مناهج التخطيط و تفعيل آليات المراقبة و التواصل و البحث مما يساعد المؤسسة على تحويل مواردها إلى نتائج ملموسة.
7. الإسهام في الإعمال والقبول بالمحاسبة والمساءلة تفاديا للتدبير المزاجي للمسؤولين.
8. إدارة التنوع في مجالات الأنشطة التي تمارسها المؤسسة، وفي نظم و إجراءات العمليات المختلفة.
9. تأكيد المناخ الديمقراطي داخل المؤسسة واحترام حريـة التعبير والإبداع والعطاء مع الإعتراف الضمني بالأطر المنتجة للعمل الجماعي والفعل التراكمي.
10. المشاركة الفاعلة في تنمية وتطوير الرصيد المعرفي للمجتمع من خلال مباشرة البحث العلمي المنظم و التوظيف المخطط والتنمية المستمرة للقدرات والموارد العلمية والبحثية والإدارية.
11. تطوير المناهج الدراسية وتحديثها في ضوء الاتجاهات العالمية المعاصرة وإخضاعها للتقويم الدوري وفقا للمعايير العالمية مع مراعاة الظروف المحلية و إدماج مفهوم الجودة الشاملة والإبداع المحلي والتحسين المستمر في نسيج المنظومة التعليمية والبحثية.