القضية الوطنية ورهان التنمية
القضية الوطنية ورهان التنمية
عبد السلام المساوي
1-الصحراء المغربية بوابة التنمية المغربية المستدامة
في اللحظة التي تدق فيها الجزائر طبول الحرب وتبحث بشق الأنفس عن أسباب مفتعلة ، ويصر الانفصال حركة ودولة على المضي قدما في نهج المغالطات وتزوير الحقائق واتباع سياسة تضليلية مكشوفة ومفضوحة ، فإن المغرب ماض في نهجه التنموي الثابت ، ولن توقف مسيرته تلك الاستفزازات والتحرشات والحركات البهلوانية لنظام فقد كل فرامله وأصبح يخبط خبط عشواء .
لا مجال ولا وقت لدينا لنهدره على نظام غير متزن همه الوحيد ومبتغاه الفريد هو إيقاف قطار التنمية ببلادنا بأي طريقة خشنة ، فنحن دولة أفعال لا دولة بهلوانيات .
ان خيار التنمية والمزيد من التنمية يظل هو الحل الحاسم في ما يجري على الأرض ، ثم بعد ذلك تأتي القوة الدبلوماسية والعسكرية لضمان الدفاع عن ما تحقق في انتظار المزيد …
لقد كانت الصحراء المغربية العنوان الأبرز للتنمية في بلادنا ، وكان من الواضح أن التعبئة من أجل خدمة الساكنة ، خطة تأمين الوحدة عبر الانسان لقيت ترحيبا دوليا ، وأعطت للمغرب فرصة لا تتاح للدول في كل حين ، لاعادة النظر في نموذجه التنموي ، واعادة النظر في الطبيعة الترابية الجديدة للدولة من خلال خدمة الجهوية المتقدمة ، ويجدر بنا أن نحيي أبناءنا في الأقاليم الصحراوية على غيرتهم الوحدوية ، وانخراطهم الواسع في التعبئة السياسية لانجاح هذه الجهوية في أفق الحكم الذاتي…
سبعة و أربعون سنة لم تكن ضائعة ولا متهاونة وللذي قد يشكك في بعض هذا الكلام ما عليه سوى زيارة العيون أو الداخلة أو السمارة ليقف على ما تحقق من منجزات .
إن المملكة المغربية اشتغلت وتشتغل على الأرض بكل الجد المطلوب .
إن الأقاليم الجنوبية اليوم تشهد بالقائم من الإنجازات على مستوى التنمية البشرية والمجالية ، طرق مشيدة او في طريق التشييد ، بنيات تحتية بمواصفات عالية ، تنظيم إداري ومؤسساتي ، حياة سياسية ومدنية نشطة ربما أكثر مما يوجد في بعض الأقاليم المغربية الأخرى . حياة واضحة للعيان من الأمن والاستقرار . منجزات متواصلة في كل المجالات . هذه هي الأقاليم الجنوبية اليوم .
على الصعيد الدبلوماسي أصبحت الأقاليم الجنوبية تحتضن قنصليات إفريقية وعربية. أصبحت أيضا وجهة مفضلة لمنتديات دولية ووجهة سياحية ورياضية . كل هذا يأتي بتضحيات المغاربة إدارة وشعبا وبتضحيات أبناء الأقاليم الجنوبية بالتحديد .
المسيرة متواصلة ….قضية صحرائنا المغربية قضية وجود …الدفاع عن الوحدة الترابية الوطنية أولوية الأولويات بالنسبة لحزب وطني كالاتحاد الاشتراكي ، وادريس لشكر اليوم يجذر نهج الوطنيين المقاومين ، نهج الاتحاديين الذين ناضلوا من أجل التحرير والديمقراطية…
نحن هنا صحراويون مغاربة محبون ومتشبثون بالوطن …بالمغرب …ومحبون ومتشبثون بجلالة الملك محمد السادس رمز الوحدة والسيادة ، ملك البلاد وأمير المؤمنين …
ان روح المسيرة الخضراء ، التي أطلقها الراحل الحسن الثاني ،ستبقى مستمرة ومتواصلة الى اليوم وباقي الأيام القادمة والأبدية ، وهذا نهج مغربي يصبو نحو الحداثة والحكامة والتنمية المستدامة . وبروح المسيرة الخضراء ستظل الصحراء مغربية بشرعيتها وبنمائها وبازدهارها…
تكتسي حاضرة العيون لدى المغاربة أجمعهم ، من كل المدن والمناطق والجهات ، أهمية خاصة ،لكرم أهاليها التميز كله ؛ لملامح سكانها عنوان الوطن كله . ولبهجة الانتماء لذلك المكان القديم قدم الوجود شيء ما يستعصي على الوصف وإن كان الواصف عالم كلام . لعله السبب الذي جعل كل المغاربة يحبون العيون ومستعدون للتضحية حبا للصحراء المغربية
للعيون في القلب المكان كله …ولها في الوجدان رحابة انتمائنا لها وشساعة انتمائها لنا …
لأقاليمنا الجنوبية كل دعوات السير في طريق النمو والتنمية التي تعني كل الحياة ….
وللوطنية حضور موشوم في مسار الاتحاد الاشتراكي الأستاذ إدريس لشكر …من هنا عزمنا على عقد اجتماع المكتب السياسي بالعيون العزيزة ….
الاتحاد الاشتراكي في النشأة والتأسيس ، في السير والمسار …حزب وطني …رقم أساسي في ثورة الملك والشعب ، ثورة التلاحم العضوي المتين بين الملك والشعب …ثورة ثابتة من حيث المبدأ ومتغيرة من حيث المهام بتغير الشروط التاريخية ، التحولات المجتمعية والأسئلة الكونية…
الاتحاد الاشتراكي اليوم ، كما بالأمس والغد وغد الغد ، يضع المصالح الحزبية بين قوسين مغلقين ، ويتفرغ للمهمة الوجودية والمعركة المصيرية : الدفاع عن الوطن …الدفاع عن المواطن …الدفاع عن الانسان …الدفاع عن الحق في الوجود والحياة …هكذا تكلم جلالة الملك …تناغم حزب وطني مع ملك وطني ، رمز السيادة والوجود ….من محمد الخامس والحسن الثاني الى محمد السادس ؛ الاتحاد الاشتراكي منخرط وفاعل في ثورة الملك والشعب ؛ انه حزب وطني وليس كائنا انتخابيا…
نحن أوفياء للمبدأ والتاريخ …
الوطن أولا ….الوطن أولا ….الوطن أولا….وطن بمواطن واعي ومسؤول …سليم ومعافى …والبقية تفاصيل .نبني البلد مع ملك البلاد ، ومع الحقيقيين الذين يؤمنون بالبلد …ان الانتماء الأول والأخير هو للوطن..
نقولها بالصوت المغربي الواحد …لنا نحن هذا الوطن الواحد والوحيد ، وهاته البلاد التي ولدتنا وصنعتنا وصنعت كل ملمح من ملامحنا ، والتي تجري فيها دماء أجدادنا وابائنا وأمهاتنا ، والتي تجري دماؤها في مسامنا وفي العروق .
نفخر بهذا الأمر أيما افتخار ، ونكتفي أننا لا ندين بالولاء الا للمغرب . وهذه لوحدها تكفينا ، اليوم ، وغدا في باقي الأيام ، إلى أن تنتهي كل الأيام ….
لا بد من الانطلاق من كون الأمر يتعلق بوطن . والوطن هنا ليس مجرد رقعة جغرافية لتجمع سكني ، بقدر ما يعني انتماء لهوية ولحضارة ولتاريخ…
منذ قديم القديم نقولها : هذا البلد سيعبر الى الأمان في كل الميادين بالصادقين من محبيه وأبنائه الأصليين والأصيلين ، لا بمن يغيرون كتف البندقية في اليوم الواحد الاف المرات ، والذين يكون المغرب جميلا حين يستفيدون ويصبح قبيحا حين لا ينالهم من الفتات شيء…
خمسة دروس
أولا ، الوحدة بين الملكية والحركة الوطنية والشعب، وهي العامل الجوهري الذي كلما توفر، في مسعى من المساعي، كلما كان القاعدة الصلبة لمقاومة مناورات ومؤامرات الخصوم والأعداء.
وقد كان لتوفره الدور الأساسي في مختلف المراحل التي عرفها نضال الشعب المغربي من أجل الإستقلال واستكمال وحدته الترابية وحمايتها من أطماع قوى الهيمنة والتوسع في مختلف تعبيراتها وآخرها نزعة الانفصال في أقاليمنا الجنوبية التي تغذيها تلك القوى بكل الوسائل.
ثانيا ، التحرك على أرضية توافقية واضحة المعالم والأهداف والوسائل خاصة خلال المراحل المحورية من عملنا الوطني والديمقراطي، حيث تشكل هذه الأرضية خلفية ممارسة مختلف القوى الفاعلة على الساحة الوطنية، بغض النظر عن الخلافات الممكنة بين تلك القوى، على مستوى فكرها النظري أو تقديرها السياسي الخاص لمصالحها الفئوية والحزبية.
وهو ما يتم ترجمته على مستوى التصور السياسي بضرورة مراعاة المصالح العليا للبلاد، على اعتبار أن تحقيق تلك المصالح هو الضمانة الحقيقية لتحقيق المصالح الخاصة لكل تلك القوى وليس العكس.
ثالثا ، تجزئة المشاكل وترتيب التناقضات للتمييز فيها بين ما هو ثانوي وما هو أساسي. وهذا مبدأ حيوي في كل تصور عصري للممارسة السياسية، لأن الخلط عندما يسود خريطة المشاكل والتناقضات يؤدي، حتما، إلى ارتباك في الممارسة يمنع تحقيق أي هدف حقيقي مهما كان بسيطًا. وهذا ما تمت معاينته في مختلف مراحل الحياة السياسية والوطنية حيث ساعد وضوح الرؤية إلى مشكلات المرحلة وتناقضاتها على ربح رهاناتها، انطلاقا من تركيز الجهود على معالجة التناقضات الرئيسية وعدم الانزلاق إلى قلب الأولويات.
وإذا كانت معركة الاستقلال قد قدمت نموذجًا لهذا الوضوح، من خلال إعطاء الأولوية لحسم التناقض الرئيسي مع المستعمر، فإن معركة الوحدة الترابية في قضية الصحراء المغربية كانت استئنافا مبدعا لذلك الوضوح، خاصة أن قوى التوسع والهيمنة الإقليمية كانت قد تدخلت من أجل تعتيم الرؤية وتحويل الأنظار عن طبيعة قضية الوحدة الوطنية والترابية للشعب المغربي من خلال التلويح بأطروحة الانفصال التي ليست غير أطروحة المستعمر الإسباني لإنشاء كيان قزمي في المنطقة على حساب الشعب المغربي ونضالاته التي لم تتوقف يوما وبأشكال مختلفة من أجل استعادة استقلاله ووحدته الترابية والوطنية
رابعا ، استحضار مجمل معطيات الواقع الملموس الذي تجري فيه الممارسة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
وليس هناك من شك أن هذا الاستحضار هو الذي مكن مختلف مكونات الحركة الوطنية المغربية من توجيه بوصلة النضال الوطني نحو تحقيق الاستقلال منذ مطلع أربعينيات القرن الماضي، حيث تمت الاستفادة من التغيرات المرافقة للحرب العالمية الثانية وبداية مراحل التحرر الوطني من ربقة الاستعمار المباشر في مختلف قارات العالم.
وقد تحكم هذا التصور كذلك في توقيت رفع وتيرة العمل الوطني من أجل استكمال الوحدة الترابية حيث تم اعتبار مرحلة نهاية حكم فرانكو في اسبانيا المرحلة الملائمة لرفع وتيرة نضالنا الوطني وتنظيم المسيرة الخضراء لاستعادة الأقاليم الجنوبية بعد صدور الرأي الاستشاري لمحكمة لاهاي حول طبيعة العلاقات التي كانت تربط بين تلك الأقاليم وبين سلاطين المغرب، قبل وإبان احتلال اسبانيا لتلك المناطق.
وليس يغير من هذا الواقع استمرار افتعال نزاع إقليمي حول أقاليمنا الجنوبية من قبل قيادات الجزائر التي تبنت أطروحة الانفصال وغذتها بكل الوسائل في مختلف المراحل، ذلك أن تطورات هذا الملف، على المستوى الإقليمي والدولي، قد أكدت، بما لا يدع مجالا للشك، أن مآل الانفصال هو الاندحار النهائي خاصة بعد تبني مجلس الأمن الدولي لفكرة الحل السياسي المتفاوض عليه وتقديم المغرب لمبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة الوطنية وتنامي عدد الدول والأنظمة التي طلقت أطروحة الإنفصال لفائدة مبادرة الحكم الذاتي أو للتأكيد الصريح والواضح على وحدة التراب الوطني المغرب خامسا، طول النفس النضالي وقوة الإرادة السياسية في مواجهة تقلبات المواقف ورفع التحديات.
وبطبيعة الحال، فإن طول نفس هذا النضال، الذي يعود الفضل فيه إلى مختلف العوامل السابقة، هو الذي أمن قدرة المغرب على تكييف سياساته في مواجهة الاستعمار المزدوج الذي خضعت له أراضيه في الشمال والجنوب علاوة على الوضع الدولي لطنجة والوصول إلى إعلان استقلاله السياسي على مراحل، بفعل تعقيدات تلك المواجهة. وهو الذي مكن البلاد أيضا من مواجهة شروط توقيع اتفاقية مدريد بين اسبانيا والمغرب وموريتانيا في خضم المسيرة الخضراء، من جهة، ومواجهة تطورات الموقف في موريتانيا بشكل حاسم باسترجاع إقليم وادي الذهب بعد ذلك من جهة أخرى.
ويبدو أن اعتماد تلك الدروس في معارك بناء مجتمع الحداثة والديمقراطية ودولة الحق والعدالة الإجتماعية هو السبيل الكفيل بتحقيق أهداف المرحلة الراهنة بما يخدم مصالح مغرب المستقبل الديمقراطي المتقدم .