السيد أزريع المغربي
السيد أزريع المغربي
عادل الزبيري
بلغني خبر اعتبرته موجعا، ولكن الأقدار الربانية لها تدبيرها، انتظرت قليلا، إلى أن أتأكد من صحة الخبر، لأن ما تحمله مواقع التواصل الاجتماعي في حياتنا، أصبح أولا كذبا، قبل التأكد من صحته، الأخبار الكاذبة في زمن الصداقات الكاذبة.
فما أصعب الفقد مع شخصيات استثنائية، تتقن فن التخفي مع الاشتغال من دون توقف، ومن دون أي ضجيج، مع أثر إنساني جميل.
هذا أبلغ توصيف في تقديري لهذه الشخصية المغربية، التي كتبت حياتها تضحيات واشتغالا، من أجل عدم تكرار سنوات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ذلك الأثر الإنساني، الشبيه بمسح الدموع بقطع من القطن، من دون انتظار مقابل، فلا يعرف قيمته لعمري، إلا قلة من الأصدقاء، من الذين ابتعدوا عن مواقع التواصل الاجتماعي، في تسطير عبارات العزاء التقليدية، لأن صاحبهم السيد أزريع أفجعهم برحيله، وهو أكبر من تعازي مواقع التواصل الاجتماعي، فالتواصل الاجتماعي كما يسمى أردى التواصل الإنساني الحقيقي قتيلا.
السيد أزريع ترك وراءه جميل أثر، يشبه ما تتركه الفراشة من جمال، خصوصا مع رفاق الأمس، من الذين صعب عليهم إيجاد بداية طريق جديدة، جراء غياب الخبرة أو غياب الوصفة الناجحة أو غياب شهية في الحياة الجديدة.
لا يحب السيد أزريع الحديث عن نفسه، يعرف قيمته أصدقاءه، في طاولات الغذاء، يكثر من تكرار عبارات كرم الضيافة، فيشجع الجميع على المشاركة في قليل أو في كثير من طعام، لأن الأصل الطيب يظهر في طاولات الطعام كرما.
فالسيد أزريع، كما يعلم أصدقاءه المقربون؛ قرر بشكل اختياري، أن ينتقل إلى مكان آخر، ليرتاح من أشواك القيل والقال، ومسامير صغيرة وموجعة، زرعها له رفاق من الأمس على الدرب الجديد للحياة، لأنهم يريدون مناصب، ويتخوفون من منافس ميداني قوي، اسمه السيد أزريع.
ولكن السيد أزريع ترك محبين صامتين وعلى قلتهم في الغالب، يعرفون قيمة الرجل إنسانيا وحقوقيا، معترفين بأياديه البيضاء، يبكونه في خلواتهم، لا يقفون أمام الكاميرات للتحدث عنه، ولكنهم وضعوا السيد أزريع في غرفة آمنة في مكان آمن في قلوبهم.
ففي كل نشاط حقوقي ذي وزن، في العاصمة المغربية الرباط، يحضر عبد القادر أزريع، يحمل حقيبة جلدية، إذا لم تكن سوداء، فهي رمادية اللون، مع ربطة عنق أنيقة، في الغالب بألوان متعددة، تعكس وجها مقبلا على الحياة.
يحضر السيد أزريع، يختلط بالناس، يسلم ببشاشة على الجميع، يمتلك فن توزيع الابتسامات، كأنه يحمل معه ملائكة في حقيبته، لتزرع السكينة في المكان، فالرجل يتقن الابتعاد عن منصات الخطابة، ليجلس وسط الحضور، ومن الصعوبة الحصول على تصريح تلفزيوني مصور إلا إذا أجمع القوم على ضرورة تحدثه، فلا يجد من الأمر مهربا.
فالصادقون لا يرحلون، ولكنهم أمام تصاعد الرداءات يغادروننا، يختارون مكانا آخر أفضل، بعيدا عن الضجيج البشري، الذي أمسى من أكثر مصادر التلوث.
فهذا السيد أزريع، من الوجوه السياسية والحقوقية المغربية، التي شاركت في وضع معادلات هندسة، بصمت من تواضع الكبار، لتجربة مغربية فريدة من نوعها، عربيا وإفريقيا، اسمها المصالحة والإنصاف، بتواجده في حياكة التفاصيل.
يمتلك السيد أزريع، مثل آخرين من القلة، إتقان فن التواري، ومحاربة أعراض التعالي، والانغماس في التفاني، وتجنب تقبل رسائل التهاني، ويرفض بكل صراحة التواني، فهذا المغرب وفق تقديره، يستحق كل التضحيات الجسام، ولكن في صمت.