الجار الجزائر …و الحكم الجائر …والجرح الغائر
الجار الجزائر …و الحكم الجائر …والجرح الغائر :
بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،اكادير، فبراير ،2024
مقال(14)2024.
على مر العصور و الحضارات تواجهت اقوام و تحاربت جيوش ، سالت دماء و هدمت عروش ، سقطت أنظمة و انهارت قلاع و حصون .
ولكن الزمن يروض الزمان ، و الايام تحاكي الإنسان ، فتتغير المصالح ،و تنقلب الرؤى و تبنى المسارات وفق الاستراتيجيات التي تمد فيها الايادي و تعود المياه الى مجاريها بعد انقطاع .
فمن قال او ظن بعد كل مشاهد الجتث و القتلى و التهجير و الدمار في الحربين العالميتين الأولى و الثانية ان من تحاربوا سيصبحوا حلفاء ، ومن تقاتلوا سينشروا السلم بينهم …
لقد كتبت كتب التاريخ عن الملاحم المشتركة بين المغاربة و الأشقاء الجزائريين في الدفاع عن اوطانهم وطرد المستعمر ، و لم تكن الخطب و الرسائل المحفوظة في الخزانات و المكتبات الشاهدة على حقب التاريخ ، لم تكن زورا ،ولا كانت محاباة ،ولا تظليلا ، بل كانت بالفعل شاهدة على العصر ، و شهادتها لا تقبل الطعن او الشك .
حدث ما حدث بخطأ من هنا او هناك ، وسوء تقدير من هذا او ذاك ، فتناسلت الوقائع و قامت حرب الرمال التي وإن انتهت لازالت زوابعها تعم المكان ، و انتصبت بين الاشقاء حدود ليست ككل الحدود ، فيها الالغام و فيها القطيعة …
تحول الصراع بين البلدين الى أشبه بحالة نفسية مستعصية ، مشحونة بخلفيات تاريخية ووقائع متفرقة وشخوص متباينة في الرؤيا و آفاق التسوية ، لتستمر بذلك عقدة البلدين ظاهرها خاوة خاوة ،وباطنها غير ذلك .
مر اكثر من نصف قرن أغلقت فيها الحدود مرات ، وتوجت بقطع العلاقات ،و تسير في اتجاه تصريف مواقف القيادات الى اوساط الشعبين حيث ارتفعت وثيرة الإحتقان و بدت الكراهية تتسلل إلى النفوس المريضة ، و أصبحت العداوة تنسج خيوط قطيعة بسبب الخديعة و اعلام الأهواء و الإغواء والإلهاء …
لم تكن الجزائر وحدها من كانت تعادي المغرب ، بل استعانت بقوى عربية ناشئة تلتقي معها في الفكر و الإديولوجيات التي كانت تكتب في ادبياتها ان رهانها هو اسقاط الأنظمة الرجعية و نشر الاشتراكية و الديموقراطية ، والقطع مع حكم الوراثة ،فالشعب يحكم نفسه بنفسه عبر قيادته من الثوار ….
ولأن الشواهد في التاريخ محفورة ، فإن أول دولة راضت الجزائر ضد المغرب كانت هي سوريا التي فتحت اول سفارة لجمهورية الوهم بدولة عربية ، ولا تستغرب من بعد المسافات مادام الحزب الحاكم هناك هو حزب البعث الإشتراكي العربي ،
ثاني الشواهد ،أسرى حرب الرمال حيث إعتقل المغرب أسرى غير جزائريين في حربه مع الجزائر ، ويتعلق الأمر بضباط مصريين من بينهم من سيكون بعد ذلك رئيسا لمصر قبل أن يخلعه الربيع العربي ،والحديث هنا عن مبارك ،
ولا تستغرب من دواعي اقحام مصر لنفسها في حرب بعيدة عنها جغرافيا مادام حاكم مصر آنذاك ليس سوى البوكباشي جمال عبد الناصر الذي يرى في سقوط الملكية بالمغرب توسعا للناصرية و الفكر الاشتراكي .
ولا تكتمل الحلقة الا بزعيم من ورق صوب رشاشاته الروسية و قذائفه القذافية إتجاه الجيوش المغربية بالصحراء معلنا دعمه اللامشروط للثوار الاحرار لجبهة البوليزاريو ،هذا كان منهاج معمر القذافي الذي توالت السنوات وجاء ليوقع اتفاقية وحدة مع المغرب و يقطع مع الفكر الماضوي الغارق في الطوباوية .
هذه عينات من أنظمة عادت المغرب زمن الحرب الباردة ، وتوالت السنوات لتتحول الى حلفاء استرايتيجيين للمغرب ،
ومن سخرية القدر ،ان كل الزعماء المؤسسين لجبهة البوليزاريو نفسها، كلهم عادوا الى ارض الوطن ،ولم لم يعد استقر في الغرب مقاطعا مسار وهم الاستقلال و الطعن في وحدة المغرب .
موريتانيا الجوار رغم اعترافها بجبهة البوليزاريو إلا انها بحنكة السنين التي تلت تأسيس الدولة استطاعت أن تضع الخيط الرفيع الفاصل بين اكراهات الماضي و رهانات المستقبل .
ستدرك الجزائر بعد أقل من عشر سنوات من الآن أنها كانت تطارد خيط ذخان ، وان العالم كله يتطور ،ويتحول ، وأن اكذوبة إنفصال الصحراء لم تعد تغري أنظمة تنظر الى مصالحها مع دولة مثل المغرب تتطور و تتقدم و تنفتح و تتطلع إلى شراكات على قاعدة :رابح/رابح .
الصحراء التي كان العالم يراها خياما و قفارا ،يدرك اليوم انها اصبحت وجهة اقتصادية و سياحية و ان كمشة الخيام التي تطوقها الجزائر ببقايا سلاح القرن الماضي لتلوي بها دراع المغرب لم تعد تغري المنظمات الدولية ،بل إن حتى مرتزقة الحروب وجدوا بدائل في تنظيمات داعش و النزاعات في العمق الإفريقي ولم يعد يغريها الدينار الجزائري ولا حر الصحراء و زوابعها …
وحدهم الجينرالات من لازالوا يؤمنون بما ما صنعت اياديهم ،و لانهم فقدوا تأثيرهم على العالم في ملف بات لعبة مكشوفة لزعزعة استقرار المغرب ،اتجهت الجينرالات نحو تدجين شعب بأكمله عبر إعلام هستيري ،و حروب هامشية لا تجني منها الجزائر الا العزلة و التخلف.
بعد عشر سنوات من الآن لن تبقى هناك منطقة عازلة ،ولا مينورسو ،ولا مفاوضات، و الجيش الذي يحرس الحدود من انسلالات مغامرين أشبه بالفئران التي تغادر جحورها ، سيتحول الى جيش حدودي لضمان سلاسة مرور القوافل التجارية و السفن البحرية و الطيران الجوي ، فإفريقيا و العالم ترى في الجنوب المغربي فردوس القرن المقبل بما يوفره من امن غذائي لقارة إفريقيا التي يعول عليها ان تقود العالم في القرون القادمة .
إن خريطة العالم تتغير ، و ملكية المغرب التي ينظر إليها الغرب كإمبراطورية كبرى ، لا تقيس عمرها بالسنوات ،بل تراهن على القرون القادمة بعد ان ينتهي حكم العسكر و يصبح الجينرالات في حكم النسيان و تعانق الاجيال القادمة حكاما جدد ،و عقليات مختلفة تدرك أن السياسة الدولية لا تسير بعقد الماضي ولكن برهانات المستقبل .
لا نملك اليوم سوى أن ندعو لأحبتنا من الشعب الجزائري ومعهم مغاربة منصاعون خلف خطط التفرقة و العداوة بالهداية ، اما العسكر فلا خير يرجى من شيوخ شاخوا على العناد واصبح عندهم ملة يحيون بها ،وبها وعليها يموتون .
فهل تعتبرون؟