وداد ملحاف تكتب: روح المدونة…

روح المدونة…

كتبتها: وداد ملحاف 

منذ إرساء أول قانون مُدوَّن في تاريخ البشرية في بلاد الرافدين عام 1754 قبل الميلاد “شريعة حمورابي”،تلاها إرساء قوانين وتشريعات في جل بقاع العالم، بعضها مدونة وأخرى عرفية والهدف الأسمى هو تنظيم سلوك الأفراد لحفظ النظام وحماية الحقوق.

قد لا أكون ضليعة في الفهم التقني لتطبيق مقتضيات القوانين، لكن ما اطّلعت عليه من خلال ما تم الكشف عنه بشأن مقترحات تعديل مدونة الأسرة، أن النقاش الدائر حاليا غالبا ما يقتصر على الجانب الحسابي الضيق للتطبيق “الجاف والحرفي” للقانون، بينما الأصل في تنظيم حياة الأفراد هو روح القانون أي مبدؤه وفلسفته لتحقيق العدالة بما يتناسب مع السياق الحالي وما يمنح للقوانين بُعدا أنتروبولوجيا ويجعلها نتاجا ثقافيا لتطور المجتمع.

إرساء قانون ينظم الحياة الأسرية يرضي مختلف تيارات المجتمع المغربي أمر مستحيل في السياق الحالي، حتى وإن تجاوزنا القطبية الثنائية “التقدمي والمحافظ” فالأمر أعقد من ذلك بكثير، يتقاطع فيه السياق المجالي والعُرفي وغيرها، فمثلا نظرة المجتمع الصحراوي للمرأة المطلقة ليست هي نفسها في مناطق أخرى في المغرب، ونفس الشأن بالنسبة لقضايا أخرى تهم الأسرة.

قد تكون هناك شوائب لا يمكن التغاضي عنها في القوانين لكن ما يجعلنا نبلع “صرامتها الحرفية والجافة ” هو أملنا في مراعاة الساهرين على تحقيق لروح العدالة بما يحفظ كرامة المواطن ويصون حقوقه دون تمييز.

شخصيا، استبشرت خيرا بالتقدم الكبير الذي حققته هذه المدونة في الكثير من النقاط التي أعادت الاعتبار لسنوات من النضال من أجل تحقيق هذه المكاسب، حتى وإن لم تكن في مستوى تطلعات الحركة الحقوقية.

ما يضفي على القوانين مشروعيتها المجتمعية، لم ولن يكون أبدا بمنطق تغليب رأي فريق ضد آخر، بل بمنطق التهذيب وفي الوقت ذاته الالتزام بروح المواطنة أو le civisme كعقد اجتماعي حسب مفهوم جون جاك روسو، لذلك فالمسؤولية تلزم كلا منا حسب موقعه على الالتزام بالقانون وروحه، ليس فقط لمن يشتغلون في مجال العدالة بل هي مسؤولية التنشئة في المدارس والتوعية عن طريق وسائل الإعلام وقنوات أخرى ملزمة أن تجعل من إصلاح مدونة الأسرة حافزا لتغيير العقليات…

ومن يدري…

قد تتغير يوما ما…

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*