ماذا تخفي السنة الجديدة 2025″ للمغاربة؟!
ونحن على بعد ساعات قليلة من توديع سنة انقضت من عمرنا بحلوها ومرها، بأفراحها وأحزانها، لتصبح غدا مجرد ذكرى من الماضي في سجل الذكريات، فإننا نتهيأ في ذات الوقت لاستقبال سنة ميلادية جديدة، لا نعلم ماذا تخفيه لنا من أحداث ومفاجآت، نتمنى صادقين أن تكون سارة، وأن تكون السنة سعيدة علينا جميعا أفرادا وجماعات، كما نأمل أن يقتدي مدبرو الشأن العام خلالها بعاهل البلاد محمد السادس، ويحرصون على تدارك السلبيات وتجاوز الاختلالات التي تم تسجيلها في السياسات العامة وطرق تعاملهم مع أبرز قضايا المواطنين، وما يتعرض له قطار التنمية من عوائق تحول دون بلوغه الأهداف المرجوة.
وإذا كان المغرب بفضل الرؤية المتبصرة والقيادة الرشيدة لملك البلاد، قد شهد خلال سنة 2024 تطورات سياسية واقتصادية وانتصارات دبلوماسية ورياضية، وخاصة على مستوى القضية الوطنية الأولى، حيث تم تعزيز سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، عبر اختراق عديد المواقع التي كانت إلى عهد قريب تلتزم الحياد أو تميل إلى الأطروحة الجزائرية الانفصالية، وتحقيق المزيد من الاعترافات بمغربية الصحراء، وانضمام فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن إلى قائمة الدول الأوروبية الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب منذ سنة 2007 كحل واقعي، عادل ومستدام للنزاع المفتعل من قبل النظام العسكري الجزائري الحاقد.
وأن سنة 2024 تميزت بتلك الالتفاتة الملكية الكريمة تجاه عدد من السجناء الحقوقيين والإعلاميين المتابعين في ملفات جنائية، المتمثلة في إصدار قرار العفو عنهم بعد قضاء مدة من العقوبة السالبة للحرية، إلى جانب مجموعة أخرى من نشطاء حراك الريف، قصد التخفيف من حدة التوترات الداخلية وتعزيز صورة المغرب في الساحة الدولية.
وكذلك بإعلان الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم رسميا في دورة استثنائية عقدت يوم الأربعاء 11 دجنبر 2024 عن اختيار الملف الثلاثي المشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال لاستضافة النسخة الرابعة والعشرين من تنظيم بطولة كأس العالم 2030. ومراجعة مدونة الأسرة في اتجاه تجويد بنودها.
وإضافة إلى ما سلف ذكره، اكتست سنة 2024 طابعا استثنائيا لتزامنها مع إكمال العاهل المغربي ربع قرن من اعتلائه العرش، كما أنها شهدت حملة واسعة ضد المفسدين من برلمانيين ورؤساء جماعات ومجالس الجماعية وغيرهم، كما شهدت تعديلا وزاريا موسعا في أكتوبر 2024 لإعطاء دينامية جديدة لحكومة عزيز أخنوش على بعد عامين من نهاية ولايتها، حيث انتقل عدد أعضائها من 24 وزيرا في نسختها الأولى إلى 30 وزيرا في النسخة الثانية. الاستمرار في إطلاق مبادرات اقتصادية، تخص بالأساس الطاقة المتجددة والهيدروجين، تقوية قطاع صناعة السيارات والطيران والسفن والقطارات، وتصنيع أول سيارة هجينة تعمل بالوقود والكهرباء. ثم فتح أوراش كبرى تحضيرا لبطولتي كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، مع تمديد خط القطار فائق السرعة إلى مراكش، بعدما كان يربط فقط ما بين الدار البيضاء وطنجة، ومشاريع تنموية أخرى ذات أهمية بالغة في البنيات التحتية والقطاع السياحي وغيره…
ففي المقابل بدت الحكومة خلال هذه السنة التي تميزت بتأجج الأوضاع في التعليم والصحة والقضاء، أكثر عجزا مما مضى عن ضمان الأمن الغذائي والتصدي لأزمة غلاء الأسعار وأزمة طلبة كليات الطب التي دامت أزيد من عشرة شهور، وإيجاد حلول مناسبة وعاجلة للحد من الإضرابات والاحتجاجات، والحيلولة دون تنامي الظواهر الاجتماعية المقلقة مثل محاولة الهجرة السرية الجماعية كتلك التي عرفتها مدينة الفنيدق في منتصف شهر شتنبر 2024 حيث احتشد مئات الشباب والقاصرين في محاولة اقتحام السياج الحدودي للوصول إلى مدينة سبتة المحتلة، ومعضلة البطالة التي ما انفكت تتفاقم حتى بلغت نسبة 21,3 في المائة حسب تصريحات المندوب السامي للتخطيط الجديد شكيب بنموسى، ومشاكل أخرى متنوعة ولا حصر لها كالهدر المدرسي الذي يتجاوز 300 ألف تلميذ وتلميذة سنويا.
فضلا عن الإخلال بالوعود، إذ لم تتمكن الحكومة بعد مضي ثلاث سنوات من تحقيق طموحات المغاربة، والاستجابة لانتظاراتهم، كإصلاح منظومتي التعليم والصحة، النهوض بأوضاع الإدارة والقضاء وغيرهما، الحد من معدلات الفقر والأمية وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، تحسين ظروف عيش المواطنين وحماية قدرتهم الشرائية في ظل ما باتت تعرفه أسعار المحروقات من زيادات قياسية مطردة، انعكست آثارها على باقي المواد الأساسية والواسعة الاستهلاك…
إنه بالرغم مما ظل المغاربة يراكمونه من خيبات أمل كبرى لعدم وفاء الحكومات المتعاقبة بوعودها في تحسين ظروف عيشهم، وما يتلقونه من ضربات موجعة في شكل قرارات جائرة على عدة مستويات، ورغم فقدانهم الثقة في المنتخبين والمؤسسات المنتخبة، فإن الكثيرين منهم مازالوا متفائلين ومتشبثين بالأمل في ظل القيادة الرشيدة لملكهم الذي لم يفتأ يبذل قصارى جهوده قصد النهوض بأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، والسعي الحثيث نحو تجويد الخدمات في التعليم والصحة والعدالة والإدارة وغيرها.
ويأملون في أن تشكل سنة 2025 منعرجا حاسما في اتجاه الرفع من النمو الاقتصادي، تشجيع الاستثمار وإنعاش التشغيل، عبر خلق فرص عمل ملائمة للشباب العاطلين وخاصة ذوي الشهادات العليا، حماية القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، مكافحة الفساد بمختلف أشكاله، إصلاح المنظومتين التعليمية والصحية ومواصلة الدعم الاجتماعي المباشر بشكل منصف وعادل.
اسماعيل الحلوتي