*العدالة التصالحية: عندما تنتصر الحكمة على العقوبات الانتقامية*
فيصل مرجاني
إن محاربة السلوكيات السلبية كالميوعة والسفاهة ونشر الإساءة والتشهير والأخبار الزائفة تُعدّ ضرورة قانونية وأخلاقية لضمان حماية القيم المجتمعية والحفاظ على النظام العام.
نحن نرفض بشكل قاطع هذه الممارسات التي تهدد استقرار المجتمع وتمس بكرامة الأفراد، ولكن مواجهة هذه الظواهر تتطلب معالجة شاملة ومتزنة تتجاوز العقوبات القاسية إلى إصلاح جذري ومستدام.
العقوبات التي تتسم بالشدة المفرطة، كالسجن لسنوات طويلة والغرامات المالية الثقيلة، تكشف عن غياب رؤية قانونية قائمة على التوازن بين الردع والإصلاح.
فبدلًا من أن تكون هذه العقوبات أداةً لتعديل السلوك وإعادة الإدماج، أصبحت تعبيرًا عن نزعة عقابية انتقامية تهدف إلى الإقصاء، مما يعكس إخفاقًا جوهريًا في تحقيق الغاية الأساسية للقانون.
القانون، وفقًا لفلسفته الحديثة، لا يمكن أن يُختزل في كونه أداة زجرية فقط، بل هو منظومة تسعى إلى تحقيق العدالة التصالحية التي توازن بين حماية المجتمع وضمان حقوق الأفراد.
فالأشخاص الذين يقعون في مثل هذه الأخطاء غالبًا ما يكونون ضحايا لظروف نفسية واجتماعية معقدة تتطلب تدخلًا تأهيليًا يركز على العلاج النفسي، والتأطير الاجتماعي، وتوفير مسارات لإعادة الإدماج. العقوبات الزجرية وحدها دون معالجة الأسباب الجذرية لهذه السلوكيات لا تؤدي إلا إلى تعميق المشكلات وإنتاج المزيد من الهشاشة داخل المجتمع.
إننا لا ندافع عن الممارسات المرفوضة مثل التشهير أو نشر الأخبار الزائفة، بل ندعو إلى مقاربة قانونية متوازنة تحترم مبدأ التناسب بين الجرم والعقوبة، وتضع الإصلاح وإعادة الإدماج في صميم أولوياتها. العقوبات التي تهدف إلى الردع دون تقديم حلول بديلة تأهيلية هي في الواقع انعكاس لسياسة قانونية تفتقر إلى الحكمة والفعالية.
التشدد في الأحكام القضائية لا يعالج المشكلات الاجتماعية، بل يزيد من حدّتها ويُنتج شعورًا بالظلم والإقصاء.
إن العدالة الحقيقية تتطلب تبني مقاربات إصلاحية مبنية على الوقاية والتأهيل بدلًا من الاكتفاء بالعقوبات الانتقامية. يجب أن تركز السياسات القضائية على بناء برامج متكاملة تشمل التأطير النفسي والاجتماعي، والتدريب المهني، وتوفير بيئة آمنة لإعادة الأفراد إلى المجتمع كأعضاء فاعلين.
إننا ندعو إلى مراجعة شاملة لهذه السياسات العقابية واعتماد مقاربة أكثر حكمة وإنسانية، تقوم على إصلاح الفرد ومعالجة اختلالات المجتمع من جذورها. فالعدالة ليست في العقاب الأعمى، بل في تحقيق التغيير الإيجابي الذي يضمن استقرار المجتمع وصيانة كرامة أفراده.