نوفل البعمري
مع نهاية سنة 2024 لابد وأن نستحضر ما تم إنجازه على مستوى القضية الوطنية التي أصبحت اليوم تعيش واحدة من أكبر تحولاتها في مسارها السياسي الأممي، ومسارها الدبلوماسي، بفضل إعادة تأطير العمل الدبلوماسي المغربي بقواعد جديدة وضعها وحددها ملك البلاد ولخصها في « قضية الصحراء المنظار الذي ينظر به المغرب للعالم»، والتي من خلالها يحدد المغرب موقفه وشراكته مع الخارج.
لقد انتهت هذه السنة والمغرب قد استطاع:
دفع أكثر من عشرين دولة أوروبية إلى تبني موقف دعم مغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي، في توجه أوروبي واضح نحو تبني شراكة مع المغرب مدخلها احترام الوحدة الترابية ودعم التصور المغربي لحل وطي هذا النزاع المفتعل، خاصة مع التحاق دول من أوروبا الشمالية بالقطار الأوروبي المتبني لموقف داعم ومبارك للحكم الذاتي.
تبني دولة من حجم فرنسا باعتبارها ليست فقط دولة أوروبية بل عضوا دائما بمجلس الأمن، لموقف سياسي قوي، تاريخي، أعاد للشراكة المغربية-الفرنسية عمقها الاستراتيجي والتاريخي فكان الاستقبال الملكي في زيارة دولة لرجل فرنسا الأول للمغرب مؤشرا واضحا و دالا على هذا المنحى الجديد في العلاقة بين قائدي البلدين والبلدين معاً، وفي إعلان فرنسي واضح على انحيازه للمغرب كبلد يشكل المفتاح لشمال إفريقيا وعموم القارة الإفريقية. قرار مجلس الأمن الصادر عنها، وهو القرار الذي انتهى إلى تبني مبادرة الحكم الذاتي وتجديد الدعم الأممي لمخطط التسوية السياسية على أساس الحل المغربي باعتباره الحل الوحيد الذي يستجيب للطموح الأممي في إنهاء هذا النزاع المفتعل، الذي عمَّرَ لخمسة عقود، وأصبح يشكل عبئاً إنسانياً وحقوقياً وسياسياً على الأمم المتحدة التي تعتبر هذا النزاع من أقدم النزاعات الموروثة عن الحرب الباردة، والتي حان وقت طيها خاصة مع انهيار أطروحة استفتاء تقرير المصير وتجاوزها من طرف مختلف المؤسسات التابعة للأمم المتحدة. إفريقيا شكلت هذه السنة عنواناً لمغرب-إفريقي بسبب المبادرات التي أطلقها المغرب وانطلق في تنفيذها وتهيئة الأجواء الإفريقية، انطلاق تنفيذ مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب الذي سيربط إفريقيا خاصة غربها بالمغرب ثم أوروبا في مشروع كبير استمر إعمال جل الدراسات من أجل تنفيذه وتحويله من حلم إلى حقيقة، بفضل الإرادة الملكية وإرادة باقي الدول الإفريقية، انضافت لهذا المشروع الكبير المبادرة الأطلسية التي التحقت بها الدولة الموريتانية الشقيقة وعززته بانخراطها فيها إلى جانب باقي الدول المعنية بهذا المشروع الاقتصادي الكبير، الذي سيحول دول الساحل إلى منطقة تُصدر التنمية والتكامل الاقتصادي والثروة البشرية بعد أن كانت تشكل سابقاً مصدر تهديد للمنطقة، هذه المشاريع المغربية-الإفريقية التي انطلقت سنة 2024 جعلت المغرب ليس فقط بوابة العالم نحو القارة الإفريقية بل ناطقاً باسمها ومدافعاً عنها ومترافعاً عن طموح شعوب القارة في الديموقراطية والتنمية واستفادتهم من خيراتها الكبيرة والمتعددة.
هذه باختصار أهم المشاريع الكبرى التي أطرت المغرب دبلوماسيا هذه السنة، وهي إلى جانب مشاريع سياسية واقتصادية ودبلوماسية أخرى متعددة التوجهات والمداخل، ستهيئ المغرب، لاستقبال سنة 2025 وكل تحدياتها السياسية والأمنية والاقتصادية والتحولات المنتظر حدوثها خاصة على المستوى الجيواستراتيجي بسبب ما حدث ويحدث في الشرق الأوسط وانهيار نظام البعث بكل تداعياته السياسية على المنطقة والتحولات التي تعيشها أوروبا والغرب عموما، وهو يستعد لمرحلة ترامب وما بعد الحرب الروسية-الغربية/الأوكرانية.
كما أن هذه العوامل ستجعل ملف الصحراء في قلب كل هذه التحولات التي أكدت على صواب الحل المغربي باعتباره الحل الذي سينهي مع منطق استعمال المليشيات لتحديد وحدة الدول والشعوب، وسينهي مع التوترات التي يكون المدنيون ضحاياها، أضف إلى كل ذلك تداعيات الملف في وضعيته الحالية، حالة اللاحرب واللاسلم وتأثيرها على أمن المنطقة، لهذا ستكون سنة 2025 سنة التغيير الكبير الذي سيشهده ملف الصحراء من خلال:
– عزم الأمم المتحدة إلى التوجه نحو الطي الكلي لهذا الملف من خلال تطبيق مسلسل التسوية السياسية كما حددته قراراتها الصادرة عن مجلس الأمن، وهنا سيكون المبعوث الأممي ستافان ديميستورا أمام المحك خاصة مع الإحاطة التي سيقدمها في نصف ولايته والتي يجب أن يقدم فيها شيئاً ملموساً وإلا سيتحول لجزء من الجمود الذي يشهده الملف سياسياً.
– استمرار الدبلوماسية المغربية في تعزيز مكاسبها على المستويين الإقليمي والقاري، خصوصاً من خلال تعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وانتزاع مواقف دولية جديدة تدعم مغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي. وعلى الصعيد الإفريقي، يُتوقع استمرار دول القارة في افتتاح قنصليات بالأقاليم الجنوبية، ما يعكس دعمها المتزايد للسيادة المغربية.
– استثمار المغرب رئاسته لمجلس حقوق الإنسان لتكون بمثابة طريق حرير نحو عضوية دائمة بمجلس الأمن، خاصة مع انطلاق الحديث داخل الأمم المتحدة عن تخصيص مقعد دائم لعضوية مجلس الأمن للقارة الإفريقية، مما سيفرض جهداً دبلوماسيا شعبيا ورسمياً، لدعم الملف المغربي الذي يعتبر أكثر الملفات التي تنسجم مع المعايير التي تضعها الأمم المتحدة لعضوية مجلس الأمن.
هذه المحاور الكبرى التي ستشكل عمل الدبلوماسية المغربية للسنة المقبلة انطلاقا من التراكم الذي تم تحقيقه سنة 2024، تجعل من المهام الدبلوماسية ليس فقط مهمة الدولة، بل هي أيضا كما قال الملك مهمة : البرلمان، الأحزاب السياسية، النقابات…والمواطنين الأحرار!!