التقطيع الترابي للمغرب : بين البعد الإقتصادي وهواجس اللاتنمية !!

التقطيع الترابي للمغرب : بين البعد الإقتصادي وهواجس اللاتنمية !!

بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،اكادير،فبراير،2025
مقال(21)
مغرب الإستقلال ليس هو مغرب اليوم ؛ ومغرب عهد الحسن الثاني ليس هو مغرب عهد محمد السادس ؛
أشياء كثير تغيرت ؛وآفاق واعدة فتحت ؛و إنتظارات كثيرة و متشعبة بدأت تحكم ساكنة و مواطني مغربنا ؛ فهل نحن واعوون بحجم الإنتظارات ؟ ومدى قدرتنا على خلق قنوات عبور بلادنا من رواسب سنوات القمع و الريع و العشوائية الى آفاق التمركز دوليا في مصاف الدول النامية ؟
قد يبدو موضوع اليوم في هذه التدوينة يحتاج لتعميق النقاش بشكل يعطي رؤية إتجاه المستقبل أكثر منه مجرد تدوينة عابرة في عالم يقال عنه إفتراضي رغم انه صنع الفارق في قضايا آنية و مستقبلية ؛ موضوع اليوم هو محاولة الخوض في آليات تدبير المجال الترابي عبر التقطيع الإداري و الإنتخابي لبلادنا ؛
كلنا يعي أن كثيرا من الجماعات الترابية المحدثة في 1992 هي في غالبيتها محكومة برؤية امنية من إبداعات السياسة المخزنية لوزير أم الوزارات إدريس البصري ؛ جماعات حكم في إحداثها و تقطيعها ورسم حدودها عامل القبلية ؛ و خلق مجالات للريع الإنتخابي لحزب الإدارة ؛
منذ ذلك العهد خلقت جماعات بميزانيات هزيلة لا تصلح حتى لتوفير ميزانية التسيير فأحرى ميزانية الإستثمار و التجهيز ؛ لدرجة أن جمعيات كانت تسمى بجمعيات السفوح والجبال و التي خلقت وفي فمها ملعقة من دهب كانت تملك مالا تملك جماعات ترابية قيست على مزاج خلق هيمنة إنتخابية عددية بعيدا عن ربط المجال بالإنسان و التنمية ؛
اليوم يقر المغرب دستوريا ؛ وعبر الخطب الملكية عن تبني سياسة مجالية جهوية عنوانها خلق جهات إقتصادية ترتكز على بعد تنموي قاطرته الإقتصاد عبر إستثمار المؤهلات المحلية ؛ لكن السؤال المؤرق : هو كيفية ملائمة هذا التوجه الواعد و الناجع في مقابل المكونات التي تشكل البنية التحتية الإدارية للجهات نعني بذلك الجماعات الترابية ؟
يبدو أن خيارات مغرب اليوم تجد عائقا بنيويا في التطور ويتمثل في ثقل المجالات بتضخم في المؤسسات المنتخبة التي كان الهاجس في خلقها أمنيا او ريعيا عبر خلق مهام و مسؤوليات ريعية لفائدة طبقات و شخصيات نافذة في المجال ؛
ورغم التنصيص على البعد التضامني بين الجهات و الشروع في نظام اللاتمركز يبدو ان جماعات ترابية لا تستطيع حتى توفير ميزانية خلق مسلك جبلي لكنها تجد مصاريف تعويضات الرئيس و نوابه ؟
وتعجز عن التجاوب مع المطالب العادلة لبعض الموظفين الذين يحرمون من الحق من الساعات الإضافية و التعويض عن الأوساخ لا لشيئ سوى لأن الجماعات عاجزة كليا عن تحقيق التوازن المالي لأنها بكل بساطة وضعت من زاوية إنتخابوية على حساب التنمية المحلية ؛
لست هنا في حاجة للتذكير بعدد نواب الأمة ومقارنتهم بممثلي المؤسسة التشريعية بدول أخرى ؛ وأقصد الفرق بين التمثيلية المجالية بالبرلمان بوازع تنموي بين التمثيلية بوازع منطق الريع و إرضاء (النخب المحلية) ؛
في كثير من الدول تم تقليص عدد النواب ؛في حين يزداد عندنا العدد بلا نجاعة لأن دور النائب البرلماني لم يعد هو التشريع و إسماع صوت المواطن بقدرما هو تكريس لمؤسسة ريعية أساسها تمثيلية مجالية بتعويضات و نفوذ و إمتيازات إرضائية تروم خلق التوازن بين المناطق بمنطق الولاء .
هذا التوجه الموروث من سياسة البصري لا يمكن له ان يفتح قنوات تجاوب مع سياسة الجهات الإقتصادية ؛
إن تفريخ الجماعات الترابية ؛ و إعتماد التجميع في خطوة مجالس المدن في تجارب محدودة يجعل المطلب الأساس في المستقبل هو تعميم هذا التجميع من منطلق تصور مجالي برؤية تنموية بعيدة عن الحسابات السياسوية ؛
لذلك أصبح مطلب تقليص عدد الجماعات و معها عدد الرؤساء ؛وتقليص عدد البرلمانيين بعدم ربطهم بعدد العمالات و الأقاليم و توزيع عدد المقاعد حسب الساكنة ؛ أصبح مطلبا يترجم الإرادة السياسية الواجبة لجعل التمثيلية الإنتخابية و التشريعية نابعة من مقاربة تنموية تجعل المؤسسات واجهة للنخب الفاعلة بلفعل في المجتمع في إطار الدولة ورهاناتها دون مس بتوازنها
كثرة المنتخبين لا تترجم بالضرورة سياسة القرب ،وتقريب الإدارة من المواطنين ،
فهل تعتبرون ؟

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*