بين تعقل المغرب ورعونة الجزائر!

بين تعقل المغرب ورعونة الجزائر!

 

      رغم سيل النداءات الإنسانية التي ما فتئت توجه للرباط والجزائر من قبل شخصيات سياسية بارزة من مختلف أنحاء العالم وعدد من المثقفين وعلماء الدين، داعية قادة البلدين إلى الاحتكام لنور العقل والانكباب على بناء المستقبل المشترك، لما فيه الخير الوفير للشعبين الشقيقين الجزائري والمغربي، وفق ما ظل يدعو إليه ملك المغرب محمد السادس، فإن حكام قصر المرادية يأبون إلا أن يتمادوا في غيهم، رافضين التحرر من عقيدة العداء للمغرب التي ورثوها عن الرئيس الراحل “هواري بومدين”، ويصرون على تكريس الكراهية في أذهان الجزائريين وترويج المغالطات عبر الآلة الإعلامية الهوجاء.

       فالمغرب ظل دائما يجنح إلى السلم بفضل السياسة الحكيمة لقائده الملهم، ولا يبالي بما يتعرض إليه من تحرش واستفزاز جزائريين، إذ طالما تفادى تعميق الأزمة الدبلوماسية مع النظام العسكري الجزائري، إيمانا منه بفضيلة الحوار والتفاهم في حل المشاكل الداخلية والخارجية على حد سواء، وإلا لكان جعل من قضية الناشط الجزائري “رشيد نكاز” الذي أوقفته السلطات المغربية مساء يوم الإثنين 17 مارس 2025 حدثا إعلاميا صارخا، ولاسيما أنه بث مقطع فيديو مضلل من أمام مسجد الكتبية بمراكش يحرض فيه على الوحدة الترابية للمملكة المغربية، عندما سولت له نفسه الأمارة بالسوء وسعيا إلى نيل رضا “الكابرانات” الترويج لمعطيات تاريخية زائفة، مدعيا أن الجزائر هي من بنت مسجد الكتبية، ومتهما المغرب باحتلال الأقاليم الجنوبية، بعد أن عمد إلى عرض خريطة المغرب مبتورة من الصحراء المغربية.

      وهو ما خلف موجة صاخبة من السخط والاستياء وأثار حفيظة المغاربة من طنجة إلى لكويرة، الذين سارعوا إلى استنكار ما أقدم عليه الناشط الجزائري “نكاز” من ترويج لمجموعة من الأكاذيب والمغالطات والتنديد بهكذا استفزازات واضحة لمشاعرهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ودفع بالكثيرين منهم إلى المطالبة بضرورة التعامل معه بكل ما يلزم من حزم ومحاكمته، على خلفية محاولته تشويه الحقائق التاريخية المتعلقة بمعلم الكتبية التراثي المغربي الشهير، وتطاوله على الوحدة الترابية للملكة المغربية، حتى يكون عبرة لمن يتجرأ على وصف المغرب بالبلد المحتل لأراضي الغير.

      وهكذا أحيل “رشيد نكاز” على المصلحة الولائية للشرطة القضائية في مراكش، حيث باشرت مختلف الأجهزة الأمنية التحقيق معه فيما قام بالترويج له من مغالطات بإيعاز من المخابرات العسكرية الجزائرية، وبعد استشارة النيابة العامة، تقرر ترحيله في أقرب فرصة، والحرص على حسن معاملته وتوفير الأدوية اللازمة له، مراعاة لظروفه الصحية المتدهورة.

وذلك خلافا لما تقوم به السلطات الجزائرية تجاه بعض المغاربة وغيرهم من معارضي النظام الجزائري، وخاصة في تعاملها الفج مع الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، الذي مازال يقبع في السجن منذ منتصف شهر نونبر 2024 رغم كبر سنه (75 سنة) وما يعاني من أمراض مزمنة، بعد أن وجهت له عدة تهم منها “التشكيك في استقلال وتاريخ وسيادة وحدود الجزائر، واعتبار الأمة الجزائرية بدون هوية أو تاريخ واضح” حسب ما أوردته وكالة الأنباء الجزائرية.

      فمن يكون “رشيد نكاز”؟ إنه حسب المعطيات المتوفرة رجل أعمال وفاعل سياسي جزائري معروف، كان يحمل الجنسية الفرنسية قبل أن يتخلى عنها طوعا، كما كان أحد أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية خلال سنتي 2014 و2019، حيث عرف بمعارضته الشديدة للحكومة الجزائرية، والمطالبة بالتغيير السياسي ومنح الشعب الجزائري مزيدا من الحريات، وفي ذات الوقت واجه عدة مشاكل قانونية، ودخل السجن بتهمة التحريض على قتل برلمانيين جزائريين، والمساس بالوحدة الوطنية، وظل قابعا فيه أزيد من سنة إلى أن حظي بعفو رئاسي من لدن الرئيس عبد المجيد تبون…

      ويشار في هذا السياق إلى أن السلطات المغربية سلمت نظيرتها الجزائرية في 8 مارس 2025 جثمان شاب جزائري، كان يدعى قيد حياته باسم “إسحاق جعيجع” ويبلغ من العمر 26 سنة، كان ضمن عدد من المرشحين الجزائريين للهجرة صوب مدينة سبتة المحتلة، قبل أن يلقى مصرعه في عرض البحر، وذلك بعد أيام جد قليلة من العثور على جثته، ليوارى جثمانه بعد ظهر يوم الأحد 16 مارس 2025 في مقبرة الأشياخ بولاية المسيلة الجزائرية في مسقط رأسه…

      في حين أن السلطات الجزائرية ولغرض في نفس كبير الكابرانات “شنقريحة” الذي سبق أن كان أسير حرب في المغرب لمدة ستة شهور قبل أن يعفو عنه الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه بوساطة مصرية، لا تدع فرصة تمر دون استغلالها في اتجاه استفزاز المغرب حتى وإن تعلق الأمر بجثامين المغاربة، حيث تتعامل معها بشكل لا إنساني، ومن بينها جثة اللاعب عبد اللطيف أخريف التي ظلت محتجزة هناك في مستودع الأموات لأزيد من خمسة شهور فيما مازالت جثث أخرى ينتظر أهلها الإفراج عنها، فأي رعونة أفظع من هكذا تصرفات همجية؟

      إنه لمن المؤسف حقا أن يستمر حكام قصر المرادية بهذا الكم من الكراهية تجاه أشقاءهم المغاربة، وتماديهم في تبديد أموال الجزائريين في دعم مرتزقة البوليساريو الانفصاليين، ضاربين عرض الحائط بتلك اليد البيضاء التي ما انفك العاهل المغربي يمدها إليهم بتواضع، ويدعوهم عبرها إلى حوار هادئ لأجل بحث حلول مناسبة للخلافات العالقة، والشروع سويا في إعادة بناء صرح المغرب العربي، لما فيه مصلحة البلدين وخير الشعبين الشقيقين، بيد أنه لا حياة لمن ينادي.

اسماعيل الحلوتي

 

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*