*التحضير لكأس العالم أم تهجير اجتماعي؟ الوجه الآخر لسياسات التحديث في الرباط*
*فيصل مرجاني*
تشهد مدينة الرباط حملة هدم للمنازل بطريقة تعكس انتهاكًا صارخًا لحقوق المواطنين وتجاهلًا تامًا لمفهوم دولة الحق والقانون.
فقد شرعت السلطات في تنفيذ قرارات الهدم دون تقديم حلول عادلة، ضاربة عرض الحائط كل الاعتبارات الاجتماعية والإنسانية التي تفرضها مثل هذه العمليات. فالنتيجة ليست سوى تشريد أسر بأكملها، في مشهد يكرس الاستبداد الإداري والشطط في استعمال السلطة، في تناقض صارخ مع كل الخطابات الرسمية التي تدعو إلى وضع المواطن في صلب السياسات العمومية.
ما يجري ليس مجرد عمليات هدم، بل هو استهداف مباشر لاستقرار المواطنين دون أي رؤية اجتماعية تضمن لهم الحد الأدنى من العيش الكريم.
فبدل توفير بدائل سكنية مناسبة داخل المجال الحضري نفسه، يتم دفع المتضررين إلى مناطق بعيدة تفصلهم عن أماكن عملهم ومدارس أبنائهم وروابطهم الاجتماعية.
أكثر من 15 كيلومترًا تفصلهم عن المدينة، وكأن الهدف ليس فقط إفراغ الرباط من سكانها الأصليين، بل تهجيرهم قسرًا إلى هوامش بعيدة، دون أن يُمنحوا حتى فرصة اختيار مصيرهم.
الأسوأ من ذلك، أن التعويضات التي يتلقونها لا تمت بأي صلة إلى القيمة السوقية الحقيقية لعقاراتهم، بل هي مبالغ هزيلة لا تكفي حتى لشراء محل تجاري صغير في نفس المنطقة.
فكيف يمكن الحديث عن العدالة الاجتماعية إذا كان المواطن يُجبر على ترك منزله مقابل ثمن لا يسمح له بإعادة بناء حياته داخل المجال نفسه؟
وسط كل هذا العبث، لم تكترث السلطات حتى لحياة الجيل الجديد الذي يدفع الثمن الأكبر.
فعمليات الهدم تتم في ذروة الموسم الدراسي، مما يؤدي إلى اضطراب كبير في المسار التعليمي للتلاميذ الذين يجدون أنفسهم فجأة بلا مأوى، مجبرين على تغيير مدارسهم أو التنقل لمسافات طويلة وسط ظروف غير إنسانية.
كيف يمكن الحديث عن إصلاح التعليم بينما يتم تعريض الأطفال لصدمات نفسية بهذا الشكل؟ كيف يمكن الحديث عن تكافؤ الفرص إذا كانت القرارات العشوائية تضعهم في وضعية قسرية تعرقل مسارهم الدراسي؟
الأخطر من ذلك هو الطريقة التي تُنفَّذ بها هذه العمليات، حيث يتكرر سيناريو الشطط في استعمال السلطة، في غياب أي تبرير منطقي سوى الجملة الشهيرة التي أصبحت عنوانًا للتعسف الإداري: “الأوامر من الفوق”.
وكأن المواطن لا يملك أي حق في الفهم أو الاعتراض، وكأن القانون ليس سوى أداة لخدمة المصالح الفئوية.
هذه الممارسات ليست فقط انتهاكًا لحقوق الأفراد، بل هي أيضًا استخفاف واضح بالخطابات والأوامر الملكية السامية التي طالما أكدت أن جميع المسؤولين، سواء كانوا منتخبين أو معينين، مطالبون بخدمة المواطن لا تعريضه للظلم والإقصاء.
وإذا كانت السلطات تتذرع بالمصلحة العامة، فإن القوانين المنظمة لنزع الملكية واضحة في هذا الشأن.
فالمصلحة العامة لا تعني بناء إقامات سكنية فاخرة لصالح فئة معينة، بل تعني إنجاز مشاريع حيوية تخدم جميع المواطنين، مثل المستشفيات والمدارس والمساجد والمرافق الأساسية.
أما أن يُهدم منزل المواطن بحجة “جمالية المدينة”، بينما الهدف الحقيقي هو إعادة توزيع العقارات وفق منطق يخدم الطبقات الميسورة على حساب الفئات المتوسطة والضعيفة، فهذا أبعد ما يكون عن مفهوم التنمية العادلة.
وإذا كانت الذريعة الأخرى هي التحضير لكأس العالم، فهل يبرر ذلك التضحية بحقوق المواطنين وتشريدهم؟ هل يُعقل أن يتم تحميل الأسر وحدها عبء “التحديث”، بينما تُفرض عليها حلول مجحفة لا تراعي حقوقها الأساسية؟ إن الحكومة المغربية مسؤولة مسؤولية كاملة عن هذا الملف، وهي مطالبة بضمان تعويضات عادلة تتيح للمتضررين إعادة بناء حياتهم داخل المدينة وليس خارجها، أو على الأقل منحهم الحق في بيع ممتلكاتهم وفقًا لأسعار السوق الحقيقية، لا وفق تسعيرات مفروضة مسبقًا لا تخدم إلا أصحاب المصالح.
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد سوء تدبير، بل هو إعادة إنتاج لنفس السياسات التي أثبتت فشلها مرارًا، والتي لم تؤدِ إلا إلى توسيع الهوة بين الدولة والمواطنين.
الحكومة اليوم أمام اختبار حقيقي: هل ستختار طريق التنمية العادلة التي تضع المواطن في قلب الإصلاحات؟ أم سيواصل بعض المسؤولين نهجهم في فرض سياسات القهر والتهجير، متجاهلين كل النداءات والدروس التي أظهرت أن الاستقرار الحقيقي لا يتحقق إلا بالعدالة الاجتماعية؟