في مشهد كاريكاتوري ، قيادات حزبية تعارض نفسها

في مشهد كاريكاتوري ، قيادات حزبية تعارض نفسها

عبد السلام المساوي

هل هو كذب على الذات أم كذب على المواطنات والمواطنين ؟! هل هي منهجية انتهازية أم حملة انتخابية سابقة لأوانها ؟! هل هو شعور بالأفول والفشل القبلي أم نفاق سياسي ؟! هل هو انهيار أسطورة انسجام أغلبية التغول أم انكشاف مغالطات الخطاب الشعبوي ؟!
” في كل بلدان العالم تقتضي المسؤولية الحكومية ، تحمل القطاعات الوزارية المعنية مسؤوليتها الكاملة ، في النجاح والإخفاق في تدبير ملفات الشأن العام والتنمية والتشغيل ، كما الدفاع عن المنجزات التي تحققت خلال الولاية الحكومية بواسطة الأرقام العصية عن التكذيب ، لكن عندنا ما إن تقترب التسخينات للحملة الانتخابية حتى تشرع قيادات حزبية في معارضة نفسها في مشهد كاريكاتوري والحديث عن الإخفاقات والغلاء والبطالة ، وكأنها لم تذق حلاوة المنصب وسلطة التسيير والنفوذ وتدبير الصفقات العمومية ومسؤولية الأمر بالصرف .
يجب أن يعي السياسيون أن ما يلمسه المواطن على أرض الواقع من مؤشرات التنمية والانعكاسات الإيجابية على جودة الحياة هو الذي يمكن وصفه بالإنجازات الحقيقية ، وما دون ذلك من تفاصيل المزايدات وتقاذف المسؤوليات يدخل في خانة الشعارات الفارغة والاستغراق في طرح الإكراهات والمعيقات ، التي لا تغير من الواقع ولا تنفع في حفظ السلم الاجتماعي .
لقد تابع الرأي العام كيف تحول بعض الوزراء في حملات انتخابية سابقة للأوان ، إلى ممارسة المعارضة والمطالبة بخفض الأسعار والتباكي على الغلاء والمضاربات رفقة المواطن البسيط ، وهو الشيء الذي يمكن تفهمه لو كان الوزراء المعنيون ينتمون إلى المعارضة الحكومية ، وليس تحملهم مسؤولية القرارات الاستراتيجية التي تحتم عليهم اتخاذ إجراءات جريئة ضد كافة أشكال المضاربات والاحتكار وخصاص السوق وتوازن العرض والطلب ، والبحث عن كل سبل تخفيض الأسعار التي يحس بها المستهلك في قفته اليومية .
إنها حمى الانتخابات التشريعية لسنة 2026 التي انتشرت بالجماعات الترابية والجهات ، عرت على واقع هشاشة التحالفات المحلية ، والتسابق على ركوب بعض الانجازات والتنصل من الإخفاقات التي يفترض أن تنسب لكافة المنتخبين المعنيين بتسيير الشأن العام وصرف المال العام ، بحيث لا يمكن القبول بتسويق بعض الانجازات ونسبها لأحزاب معينة ، وممارسة المعارضة في الوقت نفسه والتنصل من مؤشرات الفشل في تنزيل وعود انتخابية معسولة .
على القطاعات الحكومية تقديم برامج حقيقية لكيفية مواجهة الغلاء في أسعار اللحوم والمواد الأساسية التي تشكل قفة المغاربة ، عوض الاستغراق في شرح المعاناة ومطالبة المضاربين من فوق المنصات الانتخابية بالكف عن استغلال الأزمة ومراعاة الطبقات الفقيرة والهشة ، لأن المضاربين لا أخلاق ولا عاطفة لهم من الأصل سوى ربح المال وطلب المزيد ، والحكومة عليها مواجهتهم بواسطة القوانين والتفعيل الصارم لزجر الغش ، ومعاقبة من يثبت تورطه في التلاعب في الدعم الذي يقدم من المال العام .” جريدة الأخبار عدد 3736
في حقيقة الأمر هذا السلوك ليس غريبا على أحزاب الأغلبية المتغولة التي جعلت من الإزدواجية منهجا في التدبير ، بل منتظرا ان تجري إعادة رتق البكارة السياسية في الربع ساعة الأخيرة من أحزاب تتقن الهروب بأي شكل من الأشكال من تحمل المسؤولية السياسية عن أدائها الفاشل حتى ولو أدى الأمر إلى الاختباء وراء خطاب شعبوي معارض !
المغاربة كانوا سيتفهمون ان قيادات حزبية – وزراء قرروا الاستقالة من الحكومة ….بسبب قرارات الحكومة الكارثية التي اتخذت في مجالات الصحة والشغل والأجور والديون وسوء تدبير السوق ، لكن لاشيء من القرارات الحكومية المجحفة حركت قادة أحزاب – وزراء ودفعتهم للاستقالة ، بل فضلوا ركوب خطاب ” المعارضة ” لينكشف فشلهم في التدبير الحكومي .
طبعا لن تنطلي حيلة الهروب على الرأي العام ولن تبيض القرارات البشعة التي اتخذتها مكونات أغلبية التغول لأزيد من ثلاث سنوات .
المغاربة لم يتعاقدوا مع الأحزاب المكونة للحكومة على التهرب من المسؤولية في حالة الفشل ، بل حصلوا منها على التزامات برفع نسبة النمو وتقليص نسبة البطالة ، وتقليص الفوارق في الدخل ومحاربة الفقر والهشاشة من خلال إصلاح منظومة الأجور العمومية ، ومحاربة الاقصاء الاجتماعي ودعم الفئات ذات الاحتياجات الخاصة ….
طبعا لا شيء من هاته الوعود تحقق ويبقى الحل هو الاختباء وراء القفة !!!
في ظل التحديات التي تواجهها المملكة الشريفة ، وسيرها بخطوات ثابتة نحو دخول نادي الدول العظمى على المدى المتوسط ، يجب تقدير المرحلة التي تتسم بالدقة والحساسية من قبل جميع الفاعلين السياسيين والمسؤولين والطبقات المثقفة وأصحاب المال والأعمال ، والجهات العاملة في مجالات تطوعية ، وذلك من خلال تقديم الصالح العام على الأجندات الضيقة والعمل بنفس المواطنة الحقة ونكران الذات ، والتضحيات الجماعية التي بدونها لا يمكن البناء ، أما الهدم فإن معاوله كثيرة وزمنه قصير ولا يتطلب أكثر من تعميق جراح الممارسة السياسية وارتباطها بمنطق الفساد و ” الهمزة ” .

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*