رصانة قائد مقاطعة تعرض للاعتداء!
يبدو أن بعض المغاربة بلغوا إلى أعلى مستويات التسيب وعدم الانضباط للقوانين الجاري بها العمل، وباتوا أحوج ما يكونون إلى علاج نفسي أو إعادة تربية، لما يعانون من اضطرابات ويقدمون عليه من تصرفات غير محسوبة العواقب. إذ أنهم لا يسيؤون فقط لأنفسهم وذويهم، بل يسيؤون حتى لصورة المغرب ومؤسساته، كما هو الشأن بالنسبة للحادث المؤسف الذي كانت مدينة تمارة مسرحا له، ولم تكن بطلته سوى مهاجرة مغربية، أبت إلا أن تتجرد من كل حس أخلاقي، وتعتدي في واضحة النهار على رجل سلطة من درجة قائد…
ذلك أنه وبينما كنا نترقب استقبال العشر الأواخر من الشهر الفضيل رمضان بهدوء وتخشع، فإذا بالرأي العام الوطني يفاجأ يوم الأربعاء 18 رمضان 1446 الموافق ل: 19 مارس 2025 بانتشار مقطع فيديو يوثق لمشهد رهيب على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تظهر سيدة تنهال على قائد بالملحقة الإدارية السابعة في مدينة تمارة بسيل من الصفعات، فيما ظل هو محافظا على هدوئه من غير أن يبدي أي رد فعل عنيف تجاهها، لا لشيء سوى أنه حاول منعها من تصوير خلاف بين رجلين. والأفظع من ذلك أن المعتدية لم تظهر عليها علامات الندم بسبب ما اقترفته يداها من فعل إجرامي شنيع، وتوجهت بكل برودة أعصاب صوب سيارتها وهي تهدد شخصا آخر من القوات المساعدة بإشباعه صفعات هو الآخر ما لم يلتزم الصمت.
فما غاب عن ذهن المعتدية هو أن القائد يعين بمقتضى الظهير الشريف رقم: 17-08-1 الصادر بتاريخ 27 رجب 1429(31 يوليوز 2008) في شأن هيئة رجال السلطة. ومن مهامه السهر تحت سلطة ومراقبة العامل على تنفيذ القوانين والأنظمة المعمول بها، والقيام بعدة وظائف أخرى، حيث يعتبر ممثلا للسلطة التنفيذية داخل دائرة نفوذه، وتجعل منه هذه التمثيلية مسؤولا مباشرا عن المهام المرتبطة أساسا بحفظ النظام العام والأمن العمومي بنوع من نكران الذات، فضلا عن التنظيم العام وتأطير السكان أثناء الكوارث الطبيعية كالزلازل وتفشي الأمراض والأوبئة وغيرها كثير…
وأمام هذا الاعتداء الشنيع الذي خلف ردود فعل متباينة واستنكره العديد من المواطنين، دخلت على الخط الأمانة العامة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد، ووجهت رسالة مستعجلة إلى رئيس المحكمة الابتدائية ووكيل الملك بابتدائية تمارة، ملتمسة البث في هذه الواقعة التي تمت في تحد سافر للقانون والمس بهيبة مؤسسات الدولة، رافضة هكذا تصرفات فظيعة من لدن أشخاص خارجين عن القانون، ومثل هذه الممارسات التي تتسم بالعنف والتطاول على هيبة مؤسسات الدولة. حيث أنها التمست من القضاء رد الاعتبار لرجل السلطة المتضرر، لاسيما أن هذا الفعل الدنيء سيخلف له آثارا نفسية عميقة، ليس من السهل التعافي منها على المديين القريب والمتوسط، والحرص على حماية سمعة البلاد وتكريس منظومة احترام حقوق الإنسان.
فما أثار الكثير من القلق بين المواطنين، هو أن الاعتداء على قائد بملحقة إدارية في مدينة تمارة، ليس هو الحادث الأول من نوعه في بلادنا، بل هناك وقائع أخرى مماثلة، كتلك التي سبق أن شهدتها مدينة ميدلت في يونيو 2020، التي تم على إثرها إدانة شقيقين بتهمة التهجم على قائد وعنصر من القوات المساعدة، انتهت بصدور أحكام بالسجن وغرامات مالية بحقهما.
كما أن طبيبا بمدينة تطوان كان قد صدر في حقه حكم بثلاثة شهور نافذة في أكتوبر 2024، جراء اعتدائه على قائد مقاطعة.
لذلك سارعت النيابة العامة بالرباط إلى إصدار أمر باعتقال المعتدية على قائد تمارة ومرافقيها، وتم إيداعهم سجن العرجات في انتظار إحالتهم جميعا على المحكمة بتهمة الاعتداء على موظف عمومي أثناء أداء مهامه.
ولعل المعتدية التي سولت لها نفسها الاعتداء على “قائد تمارة” أمام الملأ، نسيت أن القانون المغربي يجرم أي اعتداء على أحد من رجال السلطة، وفق ما ينص عليه القانون الجنائي في الفصل 267، الذي يعاقب بالحبس من “3 أشهر إلى سنتين من ارتكب عنفا أو إيذاء ضد أحد رجال القضاء أو الموظفين العموميين أو رؤساء أو رجال القوة العامة أثناء قيامهم بوظائفهم أو بسبب قيامهم بها”
إننا إذ نثمن عاليا سلوك قائد الملحقة الإدارية السابعة بمدينة تمارة وما أبان عنه من رجاحة العقل وضبط النفس تجاه الاعتداء السافر عليه، فإننا ندعو جميع المواطنات والمواطنين إلى ضرورة الالتزام باحترام القوانين الجاري بها العمل وعدم الانسياق وراء انفعالاتهم النفسية، حيث لا يعقل أن ننتقد سلوكات بعض رجال السلطة في تعاملهم مع المواطنين ونأتي بمثلها أو ما هو أسوأ منها، لأننا في مجتمع يفترض فيه أن يكون متحضرا، ونحرص على ألا نحوله إلى غابة تعود فيه الغلبة للأقوى ضدا على القانون.
اسماعيل الحلوتي