*معالم الذكرى 250 للعلاقات المغربية-الأمريكية: من الشراكة التاريخية إلى دور مركزي في التوازنات الدولية*
*معالم الذكرى 250 للعلاقات المغربية-الأمريكية: من الشراكة التاريخية إلى دور مركزي في التوازنات الدولية*
*فيصل مرجاني*
في سياق التحولات الجيوسياسية الكبرى التي تشهدها الساحة الدولية، يأتي قرار الكونغرس الأمريكي بالاحتفاء بالذكرى 250 للعلاقات المغربية-الأمريكية كمؤشر دالّ على إعادة هندسة منظومة التحالفات الاستراتيجية التي تنخرط فيها واشنطن، استنادًا إلى محددات براغماتية تُراعي توازنات القوى الإقليمية ومتطلبات إعادة التموقع الاستراتيجي ضمن منظومة الشراكات المتعددة المستويات. فالقرار الذي بادرت إليه الدوائر التشريعية الأمريكية، عبر النائبين جو ويلسون وبرادلي شنايدر، لا يُمكن اختزاله في بعده الرمزي أو قراءته من زاوية الاحتفاء البروتوكولي بتقليد دبلوماسي متجذر، بل يتجاوز ذلك إلى تثبيت معالم مقاربة أمريكية تستبطن إعادة ضبط المعادلات الجيوسياسية وفق منطق استراتيجي يُعيد ترتيب الأولويات الأمريكية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والأطلسي والمتوسط.
ورغم الجمود النسبي الذي يسم أداء البعثة الدبلوماسية المغربية في واشنطن، وافتقار السفير يوسف العمراني لفاعلية ديناميكية قادرة على استباق التحولات وتعميق الروابط داخل شبكات التأثير ومراكز الضغط، إلا أن المبادرات التي انخرط فيها مغاربة الولايات المتحدة، ومعهم طيف واسع من الفاعلين غير الرسميين، أبانت عن قدرة على التكيّف مع ميكانيزمات اشتغال المنظومة السياسية الأمريكية، حيث نجح هؤلاء في تحويل تراكمات العلاقة المغربية-الأمريكية إلى مرتكز لتوسيع نطاق النفوذ والتأثير، بما يُتيح تثبيت المغرب ضمن الدوائر الاستراتيجية التي تُحدد معالم السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة شمال إفريقيا والساحل.
ولا يمكن فهم أبعاد هذا القرار دون استحضار الخلفيات السياسية التي تحكم دينامية الفعل داخل الكونغرس الأمريكي، حيث إن النائبين جو ويلسون وبرادلي شنايدر، اللذين يقفان وراء هذا المقترح، يعتبران من أبرز المدافعين عن تعزيز الشراكة المغربية-الأمريكية، مع الإشارة إلى ارتباطهما بمراكز النفوذ التي تدعم إسرائيل، وهو ما يعكس تقاطعات استراتيجية تتجاوز العلاقات الثنائية بين البلدين.
وإذا كان هذا القرار يعكس في أحد مستوياته تنامي الإدراك الأمريكي للمغرب كشريك استراتيجي ضمن المنظومة الأمنية والسياسية العابرة للأقاليم، فإن ذلك يُترجم تحولًا عميقًا في مقاربة واشنطن للعلاقات مع المملكة، حيث لم يعد يُنظر إلى المغرب كحليف تقليدي في المنطقة، بل كفاعل مركزي قادر على لعب أدوار جيوسياسية معقدة، سواء من خلال موقعه كبوابة نحو العمق الإفريقي، أو من خلال دوره المتنامي في ضبط معادلات التوازن الإقليمي، سواء على مستوى الساحل أو في إطار التحولات التي يشهدها المجال المتوسطي. فالتراكمات التي راكمها المغرب، منذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله العرش، جعلت منه نقطة ارتكاز أساسية في هندسة الاستقرار الإقليمي، سواء من خلال ديناميكية التعاون جنوب-جنوب، التي شكلت رافعة استراتيجية لتوسيع النفوذ المغربي داخل القارة الإفريقية، أو من خلال انخراطه الفاعل في مقاربات أمنية متعددة المستويات، ترتكز على الجمع بين القوة الصلبة والآليات الناعمة في مواجهة التهديدات العابرة للحدود، وعلى رأسها الإرهاب والتطرف العنيف والجريمة المنظمة.
إن القراءة المتأنية لمضامين القرار الأمريكي تفضي إلى استنتاج أساسي مفاده أن الاعتراف المتجدد بأهمية الشراكة المغربية-الأمريكية لا يُمكن فصله عن التحولات العميقة التي تشهدها موازين القوى في المنطقة، حيث يُدرك صانع القرار الأمريكي أن الحفاظ على التفوق الاستراتيجي في شمال إفريقيا والساحل يمر عبر بناء تحالفات راسخة مع شركاء قادرين على توفير الاستقرار وضمان استمرارية المصالح الأمريكية. ومن هنا، فإن تثمين الكونغرس لمسار الإصلاحات والتطورات التي شهدها المغرب منذ بداية الألفية الثالثة ليس مجرد إشادة بروتوكولية، بل هو تأكيد ضمني على مكانة المملكة كفاعل محوري في المعادلات الاستراتيجية التي تُعيد تشكيل ملامح النظام الإقليمي.
وفي ضوء هذه المعطيات، فإن المغرب مطالبٌ باستثمار هذا القرار لخلق دينامية استراتيجية جديدة تُعزز موقعه داخل التوازنات الكبرى التي تحكم العلاقات الدولية، وذلك عبر تبني مقاربة استباقية تُوظف هذا الزخم السياسي والدبلوماسي لتعميق الشراكة مع الولايات المتحدة على مستويات أكثر تعقيدًا، سواء في المجالات الأمنية والدفاعية، أو في ميادين الاقتصاد والاستثمار والابتكار التكنولوجي.
فالمرحلة الراهنة تفرض تجاوز المقاربات التقليدية في إدارة العلاقات الثنائية، نحو تصور أكثر شمولية يُدمج المغرب كعنصر أساسي في منظومة إعادة الهيكلة الاستراتيجية التي تشهدها منطقة شمال إفريقيا والمتوسط والساحل.
ولا يمكن إغفال البعد المتعلق بتقاطعات هذا القرار مع التحالفات الإقليمية الجديدة، حيث إن التلاقي المتزايد بين المصالح المغربية والإسرائيلية داخل الدوائر التشريعية الأمريكية يُوفر أرضية خصبة لتعزيز التحالفات الثلاثية (المغرب-الولايات المتحدة-إسرائيل) ضمن مقاربة استراتيجية تُراعي توازنات القوى في المنطقة وتستجيب لمتطلبات المرحلة القادمة، التي تتسم بتصاعد التحديات الجيوسياسية وتنامي التنافس بين الفاعلين الدوليين والإقليميين على مناطق النفوذ الاستراتيجي.
إن قرار الكونغرس الأمريكي بالاحتفاء بمرور 250 عامًا على العلاقات المغربية-الأمريكية يُجسد لحظة مفصلية في مسار هذه الشراكة، ليس فقط لأنه يُعيد تأكيد عمقها التاريخي، ولكن لأنه يُوفر أيضًا فرصة لإعادة تعريف أطر التعاون الاستراتيجي بين البلدين وفق منطق جديد يُكرس المغرب كشريك رئيسي في إعادة صياغة التوازنات الإقليمية والدولية.
وبذلك، فإن الرهان الأساسي يكمن في قدرة المغرب على استثمار هذا الاعتراف السياسي والدبلوماسي لتحويله إلى مكاسب استراتيجية تعزز موقعه ضمن المعادلات الجيوسياسية المعقدة التي تحكم المرحلة القادمة.