الحبيب المالكي: بصمة في مؤسسة، ودرس في ثقافة الدولة
كتبها: كمال الهشومي
بعد التعيين الملكي السامي للسيدة رحمة بورقية رئيسةً للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، صدرت، مع الأسف، بعض التعليقات والتأويلات غير الدقيقة، التي حاولت النيل من الأستاذ الحبيب المالكي، الرئيس السابق للمجلس، هو ما يستدعي تقديم عدد من التوضيحات للرأي العام.
وبهذه المناسبة، ومن موقعي كشخص اشتغلت إلى جانب الأستاذ المالكي لأكثر من عشرين سنة، في مواقع متعددة حزبية، علمية، ومؤسساتية، أرى من الضروري تصحيح بعض المغالطات، وتسليط الضوء على وقائع تغيب عن الكثيرين.
فعقب صدور البلاغ الملكي بتعيين الأستاذة رحمة بورقية، كان الأستاذ المالكي قد ترأس، صباح اليوم نفسه، اجتماع مكتب المجلس بشكل اعتيادي، وحرص على استيفاء جميع التزاماته المهنية، ووقّع الملفات الإدارية الجاهزة قبل أن يغادر إلى منزله. وبعد صدور البلاغ، اطلع أعضاء من ديوانه على الخبر عبر وسائل الإعلام، فانتقلوا إلى منزله لتأكيد الخبر وتقديم الشكر له. وقد استقبلهم بهدوئه المعهود، وعلّق بجملته الشهيرة التي تلخّص فلسفته في الحياة: “الحياة مد وجزر، والخير أمام.”
هذا التفاعل يعكس عمق التزامه بثقافة الدولة، واحترامه التام للمؤسسات، وتشبّعه بقيم المسؤولية التي لا تتأثر بتغير المواقع أو المناصب.
ونظرًا لتزامن التعيين مع يوم الجمعة، ثم عطلة نهاية الأسبوع وعيد الفطر، عاد الأستاذ المالكي إلى مقر المجلس صباح يوم الأربعاء، ووقّع كافة الوثائق الإدارية اللازمة لضمان استمرارية العمل. وقد تم، بتنسيق واحترام كامل، الاتفاق على أن يتم تسليم السلط يوم الخميس، وفقًا للمساطر والأعراف المؤسسية.
لكن الأهم من ذلك هو ما تحقق خلال ولاية الأستاذ المالكي، من منجزات ستبقى شاهدة على بصمته الرئاسية.
فمنذ تعيينه، حرص على انتظام انعقاد أجهزة المجلس، وفي مقدمتها الجمعية العامة، وفق مقتضيات القانون. ورغم أن نظام المجلس الرئاسي يمنحه صلاحية دعوة المكتب متى شاء، فقد أرسى تقليدًا مؤسسيًا بعقد اجتماعين على الأقل كل شهر، مما يعكس حرصًا عميقًا على حسن التدبير والمتابعة المنتظمة.
وقد اشتغل، إلى جانب أعضاء المكتب والمجلس، على إنجازات نوعية، من أبرزها:
• إعداد “كتاب ذاكرة المجلس”، كعمل توثيقي مرجعي لمختلف مراحل اشتغال المؤسسة.
• إنتاج عدد كبير من الدراسات والآراء الاستشارية العميقة التي وجهت إلى الدولة والمجتمع.
• بلورة تصور استراتيجي شامل لإصلاح التعليم بعنوان “المدرسة الجديدة”، يمتد من التعليم الأولي إلى التعليم العالي، ويُعد اليوم مرجعًا أساسيا في التوجيه التربوي.
• تعزيز الانفتاح الدولي للمجلس، بدءًا من القارة الإفريقية وامتدادًا إلى أمريكا اللاتينية، ما منح المؤسسة إشعاعًا خارج حدود الوطن.
• تنظيم لقاءات فكرية ودراسية، جعلت من المجلس فضاءً حيًا للنقاش الوطني حول قضايا التربية والتكوين والبحث العلمي.
… وغيرها من المنجزات التي يصعب حصرها في هذا المقام، والتي تُسجل للأستاذ المالكي بكل تقدير وموضوعية.
وجدير بالتنويه هنا بالعلاقة الإنسانية الرفيعة، والصداقة المتينة، التي تربط الأستاذ الحبيب المالكي بالسيدة رحمة بورقية.
فهي علاقة قائمة على الاحترام المتبادل والتقدير العميق، وتمتد لسنوات من التعاون والعمل المشترك على قضايا كبرى، في مقدمتها إصلاح التعليم وتطوير التفكير الاستراتيجي حوله. وقد تعاونا في محطات علمية ومؤسساتية، وهو ما يجعل هذا الانتقال في المسؤولية بينهما انتقالاً طبيعيًا وسلسًا، يكرّس مبدأ الاستمرارية المؤسساتية النابعة من منطق الدولة، ومن إرادة الإصلاح الحقيقية.
إن ما أنجزه الأستاذ المالكي لا يُقاس فقط بحجم الملفات، بل أيضًا بما راكمه من احترام وثقة وتقدير، داخل المجلس وخارجه، لدى مختلف الفاعلين. كما أن المرحلة المقبلة، بقيادة السيدة بورقية، تستند على أرضية صلبة للبناء والتطوير، في إطار رؤية تكاملية لا تعرف منطق القطيعة.
لذلك، فإن التداول في المسؤوليات، كما ينص عليه دستور المملكة، ويقرره جلالة الملك، لا يجب أن يكون محل تأويل أو تسييس أو تحريف.
بل هو جزء من سيرورة مؤسسية طبيعية، تخدم المصلحة العامة، ويقودها من يحظى بثقة واحترام المغاربة، ومن يُجيد السمع والطاعة لجلالة الملك.