فيروس ( كوفيد ـ 19 ) .. السياحة الأوروبية على حافة الانهيار
ــ عفاف رزوقي ــ
ومع
بروكسيل – في خضم تفشي وباء فيروس كورونا المستجد كان لدى قطاع السياحة الأوروبي الذي يعاني من تداعيات الجائحة آمالا كبيرة في موسم الصيف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لكن النتائج جاءت بعيدة كل البعد عن الحسابات والتوقعات وأضحت بالتالي الشكوك أكبر في تعافي واستعادة القطاع لتوهجه بالنسبة للأشهر القادمة .
فإضافة إلى الوضعية الصحية غير المؤكدة فإن الارتباك بشأن أجرأة قيود السفر والتدابير الاحترازية داخل الاتحاد الأوروبي وكذا الإجراءات المفروضة سواء على المغادرة أو العودة من وجهة ما ( الحجر الصحي والعزل وإجراء الاختبارات وغيرها ) كلها منعت العديد من المسافرين من ركوب المغامرة والسفر خارج محيطهم .
وإذا كانت بعض الدول الأوروبية التي لديها أسواق سياحية قوية قد أحست بالارتياح بعد أن تمكنت من التقليل من الخسائر وحصر التدهور فإن الواقع في بلدان أخرى تعتمد بشكل كبير على القطاع السياحي وعلى وصول السياح يظهر أن لا شيء تغير وأن الانهيار يتواصل ما لم تحدث انفراجة بخصوص محاصرة انتشار عدوى الوباء .
ففي فرنسا التي كانت قد أطلقت حملة ترويجية للسياحة الداخلية تحت شعار ” صيف أزرق وأبيض وأحمر” تؤكد بيانات وكالة التنمية السياحية أنها لم تحقق النتائج المرجوة رغم أن 53 في المائة من الفرنسيين قد سافروا في الإجازة الصيفية ما بين يوليوز وغشت مقارنة بنسبة 71 في المائة خلال الصيف الماضي كما أن الغالبية العظمى من المسافرين ( 94 في المائة ) قد بقوا في فرنسا .
وحسب جان بابتيست ليموين كاتب الدولة الفرنسي في السياحة فإن دينامية السوق المحلية ” جعلت من الممكن تحقيق تعويض جزئي عن التراجع الذي سجل على مستوى السياح الأجانب الوافدين من الخارج ” ما أدى إلى ” تباينات كبيرة ” بين المناطق والوجهات السياحية .
وقال إن معدل نسبة الملئ في الفنادق الذي يبلغ على الصعيد الوطني نسبة 80 في المائة وفي ذروة الموسم على الشاطئ نسبة 94 في المائة انخفض إلى ما بين نسبة 27 و 29 في المائة في الفنادق من فئة خمسة نجوم في منطقة باريس .
وهذه الحصيلة المتناقضة هي نفسها التي سجلت في بلجيكا حيث تم هجر العاصمة بروكسيل التي تعتمد بنسبة 85 في المائة على وصول السياح الأجانب مثل غيرها من المدن الأوروبية الكبرى خلال فصل الصيف .
ومع نسبة ملئ لم تتجاوز 80 في المائة عانت المؤسسات الفندقية والمنشآت السياحية في بروكسيل هذا الصيف الشيء الكثير ولا يبدو أن الوضع سيتحسن حيث أضحت لدى المهنيين والفاعلين قناعة مؤكدة أن السياحة المحلية أو الداخلية لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تعوض عن غياب السياح الأجانب .
يقول رودولف فان واينبرغ الأمين العام ل ” جمعية فنادق بروكسيل ” إن ” الوضع لم يكن مقلقا أبدا حتى هذه الدرجة فجميع المؤشرات هي حاليا سلبية وكلمة كارثة لا تصلح لوصف ما يحدث الآن في قطاع السياحة في بروكسيل ولربما حتى في المدن الكبرى الأخرى ” .
فالمتاحف والمعالم السياحية الرئيسية في بروكسيل لم تستقطب كما العادة خلال هذه الفترة مزيدا من الزوار كما أن حديقة ( ميني يوروب ) الشهيرة لم تحقق سوى نسبة 30 في المائة فقط من عدد الزائرين لهذه المعلمة في حين أن النصب التذكاري الرمزي للعاصمة الأوروبية ( أتوميوم ) لم يتجاوز عدد زواره نسبة 42 في المائة عن المعتاد خلال شهر يوليوز الماضي ونسبة 21 في المائة فقط خلال شهر غشت .
ومن جهة أخرى فإن الأنشطة الخارجية والمشي في الطبيعة والإقامة في النزل والإقامات تراجعت بدورها في بلجيكا بشكل كبير خلال فصل الصيف ما كبد المهنيين خسائر كبيرة ما جعلهم غير قادرين حتى على تعويض الخسائر المتراكمة والمسجلة منذ فصل الربيع الماضي .
وبالنسبة للدول الأوروبية الأخرى التي تعتمد بشكل أساسي على عائدات السياحة فإن الوضع هو أكثر مأساوية ففي إيطاليا مثلا لن ينسى المهنيون ولا الفاعلون في القطاع ” صيف 2020 ” حيث تقلصت عدد ليالي المبيت خلال هذه الفترة بما مجموعه 65 مليون ليلة مقارنة مع إحصائيات العام الماضي وذلك بسبب الجائحة .
صحيح أن عدد الإيطاليين الذين سافروا في إجازات الصيف في الدولة التي تعبرها جبال الألب قد سجل ارتفاعا طفيفا بلغت نسبته 1 ر 1 في المائة مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي لكن عدد السياح الأجانب الذين زاروا إيطاليا سجل تراجعا كبيرا وصلت نسبته إلى 9 ر 65 في المائة حسب المسح الذي أجراه مركز الدراسات السياحية في فلورانسا ما شكل ضربة قاضية للاقتصاد الإيطالي الذي يمثل فيه قطاع السياحة حوالي 13 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وأكثر من ثلاثة ملايين منصب شغل .
أما في إسبانيا حيث جلبت السياحة للبلاد إيرادات بقيمة 148 مليار أورو عام 2019 أو ما يمثل 3 ر 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي فيتوقع الخبراء والمتخصصون في القطاع عجزا يقدر ب 100 مليار خلال هذا العام .
لقد تلاشت الآمال في إنقاذ القطاع السياحي خلال فصل الصيف بفعل تجدد انتشار عدوى فيروس ( كوفيد ـ 19 ) ومعاودة تسجيل زيادة مقلقة في عدد حالات الإصابة وكذا الحجر الصحي الذي فرضته العديد من الدول الأوروبية وعلى رأسها المملكة المتحدة في محاولتها للتصدي لانتشار الوباء .
فتقليديا كان البريطانيون دائما هم أكثر السياح الأجانب الذين يفدون على إسبانيا ووجهاتها السياحية المتميزة والمتنوعة ( بلغ عددهم العام الماضي حوالي 18 مليون سائح ) لكن التدابير والإجراءات المعتمدة من اجل مواجهة تفشي الوباء شكلت ضربة قاضية ونهائية للموسم السياحي في الدولة الأيبيرية كما أن الآفاق وكذا التوقعات تظل ضئيلة بالنسبة للأشهر القادمة .
وجراء كل هذا فإن 70 في المائة من العاملين في مختلف فروع الصناعة السياحة بإسبانيا يعتقدون أن وظائفهم أضحت في مهددة بسبب تداعيات الأزمة الصحية في حين أن نسبة 79 في المائة من الشركات والمقاولات السياحية اضطرت إلى تقديم طلب الإعانات الخاصة بالتعليق المؤقت لعقود العمل لأسباب تقنية .
وتمددت تداعيات هذا الوضع الكارثي لتشمل الفنادق والمنشآت السياحية في إسبانيا التي لم تفتح العديد منها أبوابها بعد رفع حالة الطوارئ الصحية التي كانت قد فرضتها السلطات الإسبانية من أجل احتواء ومحاصرة انتشار الوباء .
ولعله نفس الوضع في العديد من الدول الأوروبية الأخرى مثل اليونان وكرواتيا التي لم تبخل بدورها في البحث عن آليات ووسائل إنقاذ موسم الصيف لكن من دون أن تتمكن من تحقيق حتى نصف حجم مبيعاتها مقارنة بعام 2019 .
وعلى الرغم من أن موسم الصيف قد دمره الوباء فإن الأسوأ لا يزال لم يحل بعد حسب مهنيي القطاع في أوروبا حيث يخشى الكثيرون انهيار القطاع ككل ما يجعل 4 ر 2 مليون شركة ومقاولة عاملة في القطاع و 27 مليون منصب شغل في مهب الرياح بالقارة العجوز .