كان من المعتاد القول عن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إنها مثل كيس الشاي الذي يعمل في المياه الساخنة فقط. وإذا كان الأمر كذلك فإن الأوضاع في سوق النفط العالمية بلغت درجة من الصعوبة لم يسبقها مثيل مع هبوط الأسعار قرب أدنى مستوياتها في سبع سنوات مقتربة من 40 دولارا للبرميل.
وبدلا من توحيد الصفوف تشهد أوبك مزيدا من الانقسامات مع زيادة حدة الصراع على النصيب من السوق وهي المشكلة التي تفاقمت جراء الخلافات الإقليمية العميقة بين السعودية وإيران.
وفي أثناء اجتماع الجمعة الماضية الذي استغرق ست ساعات نشب خلاف غير متوقع حول مستقبل التكتل. وفي تحرك قالت مصادر إنه من تدبير السعودية اتفق الوزراء في نهاية المطاف وللمرة الأولى في عقود على إسقاط أي إشارة إلى سقف إنتاج المنظمة التي تضم 13 دزولة.
ويتمثل الأمر المحوري الذي فاجأ الأسواق وبعض مسؤولي أوبك أيضا في الاستجابة المباشرة فيما يبدو لإيران الخصم اللدود للسعودية والتي أوضحت أنها تسعى للعودة سريعا إلى أسواق النفط العالمية العام القادم عقب رفع العقوبات المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي.
ومع تطلع طهران لضخ كميات إضافية من الخام تصل إلى نحو مليون برميل يوميا في سوق متخمة بالفعل بفائض المعروض وهو ما يشكل زيادة قدرها واحدا في المئة في الإمدادات العالمية فإن الإبقاء على أي قيود تفرضها أوبك أو إضفاء شرعية عليها لم يكن خيارا متاحا أمام الرياض.
وقال مصدر مطلع في أوبك “كان موضوع سقف الإنتاج شائكا للغاية ولم يتخذوا قرارا بشأنه. كان الجميع غير سعداء.”
وقال مصدر آخر في وقت سابق إنه كان هناك “خلاف كبير بين الأعضاء تفاقم الآن حيث لم يعد فائض المعروض يأتي بشكل رئيسي من الدول الخليجية وإنما من إيران.”
وفي الأمد القريب من المرجح ألا تتأثر الأسواق العالمية بشكل يذكر بنتيجة اجتماع الجمعة الماضية. وحتى منذ العام الماضي كان معظم الأعضاء في أوبك يضخون بأقصى ما يستطيعون للدفاع عن حصتهم السوقية في مواجهة منافسيهم الذين يشهدون نموا سريعا مثل منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة.
وعلى أي حال فإن سقف إنتاج أوبك البالغ 30 مليون برميل يوميا يبدو رمزيا بشكل كبير حيث يتم تجاهله من الناحية الفعلية.
وقال محللون إن تجاهل تحديد سقف جديد للإنتاج يهدد بزيادة حدة حرب الأسعار بين أعضاء أوبك وهو ما لا يتيح لهم الاتفاق على أي إجراءات في السوق في المستقبل ويضع مزيدا من الضغوط على الأسعار.
ومنذ إنشاء منظمة أوبك التي تضخ ثلث الإنتاج العالمي من النفط الخام قبل 55 عاما كان الهدف من تأسيسها يتمثل في تحديد مستويات مستهدفة للإنتاج في محاولة للتأثير على أسعار النفط العالمية.
ومرت المنظمة بخلافات وصراعات داخلية من قبل ومن بينها حروب بين أعضائها..العراق وإيران في الثمانينات وغزو العراق للكويت في التسعينات.
لكن الصراع السني الشيعي الحالي يضع السعودية في مواجهة إيران وبصفة خاصة في سوريا واليمن وهو ما يجعل العلاقات بين البلدين العضوين في أوبك تزداد توترا.
وقال روبرت مينتر الخبير لدى أبردين لإدارة الأصول “دعم إيران للمتشددين الحوثيين في مواجهة التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ليس مفيدا حيث من المرجح أن توجه زيادة إيرادات النفط الإيرانية إلى دعم مصالح طهران العسكرية في اليمن والعراق وسوريا.”
وأضاف أن أوبك تتهيأ لتكون ساحة للصراع حيث تريد إيران استعادة نصيبها في السوق الذي كان قبل العقوبات والدول الخليجية لن تتخلى عن مستويات إنتاجها المرتفعة بعدما شعرت بالفعل بأوجاع الميزانية مع هبوط الأسعار.
وبخلاف اجتماع أوبك السابق منذ ستة أشهر حينما أظهرت الأسعار علامات على الاستقرار بالقرب من المستوى المقبول 65 دولارا للبرميل فإن اجتماع الأسبوع الماضي كان أشد توترا مع استنزاف اقتصادات دول المنظمة جراء هبوط حاد غير متوقع طال أمده في الأسعار.
وفي صباح يوم الجمعة توقع معظم المندوبين والخبراء اجتماعا صريحا نسبيا يؤيد سياسة السوق الحرة ويحدد سقفا للإنتاج. وبدا أن التغيير المحتمل الوحيد ربما يتمثل في رفع سقف الإنتاج إلى 31.5 مليون برميل يوميا ليعكس مستويات الإنتاج الحالية بدلا من المستوى السابق 30 مليون برميل يوميا والذي يتم تجاوزه منذ فترة طويلة.
ورغم أوجاع الأسعار فإن هناك علامات على أن التغير الجذري في الاسترتيجية منذ عام والذي قاده وزير النفط السعودي علي النعيمي بدأ يؤتي ثماره ولو بشكل أبطأ عما كان مأمولا. فقد تراجع إنتاج النفط الصخري المزدهر في الولايات المتحدة بينما تسارعت وتيرة الطلب العالمي على الخام.
وبدت أول علامة على الارتباك حينما قطع الوزراء الاجتماع بعد أكثر من ثلاث ساعات لتناول الغداء.
وأظهرت بعض التسريبات أن الوزراء اتفقوا على رفع سقف الإنتاج إلى 31.5 مليون برميل يوميا لكن لم يتضح ما إذا كان هذا الرقم يتضمن إنتاج إندونيسيا التي ستستعيد عضويتها في أوبك أم لا.
ورغم أن رفع سقف الإنتاج لن يؤثر فعليا على الإنتاج الحقيقي فإن تلك الأنباء دفعت أسعار النفط للهبوط نحو دولار في البرميل حيث تراجع الخام الأمريكي الخفيف لأقل من 40 دولارا للبرميل في استجابة لم تشعر الوزراء بالارتياح على الأرجح.
وعند هذه النقطة توقع كثيرون أن ينفض الاجتماع سريعا كما حدث قبل ستة أشهر. وبدلا من ذلك واصل المسؤولون محادثاتهم خلف الأبواب المغلقة. ومر ما يزيد عن ساعتين قبل أن يظهر الوزراء بوجوه متجهمة واتجه كثير منهم إلى المطار سريعا بدون الإدلاء بتعليقات.
ولم يتضح بعد ما حدث بعد الظهر. لكن مندوبين قالوا إنه تم التوصل بالقطع إلى اتفاق بأن عدم تحديد سقف للإنتاج على الإطلاق سيترك تأثير سلبيا على الأسواق ولكن بدرجة أقل من رفع السقف.
ويبدو أنه لم يحدث نقاش يذكر بشأن إنتاج إيران رغم أنه كان من الواضح لأشهر أن ذلك سيكون أكبر تحد لأوبك في 2016.
وقال وزير النفط النيجيري ايمانويل ايبي كاتشيكو “ناقشنا هذا الموضوع في دقيقتين. لا تستطيع منع دولة ذات سيادة من العودة إلى السوق. ولذا فإن مناقشة ذلك أمر غير مجد.”
وأضاف “في الحقيقة يتمثل موقفنا في أن إيران ستحل محل طرف ليس عضوا في أوبك.”
وفي وقت لاحق هون الوزراء من شأن أي صراعات. وقال معظمهم إنهم لا يرون مشكلة في عدم تحديد مستوى مستهدف للإنتاج لعدة أشهر على أن يحددوا سقفا جديدا عندما تعود إيران إلى السوق آملين عندئذ في حدوث خفض أكبر في الإنتاج الأمريكي.
وقال بعضهم إنهم استنزفوا وقتا كبيرا في مناقشة من سيخلف الأمين العام لأوبك عبد الله البدري الذي ستنقضي ولايته.
ومن الواضح أن قرار أوبك بعدم تحديد سقف للإنتاج لن يدفع المنافسين من خارجها لخفض إنتاجهم.
وقال إيجور سيتشين الرئيس التنفيذي لروسنفت الروسية النفطية الكبرى لرويترز الأسبوع الماضي قبل اجتماع أوبك “أرى أن الدعوات لخفض الإنتاج أمر غريب للغاية في الوقت الذي تقوم فيه أوبك نفسها بزيادة الإنتاج.”