مؤامرة ماسونية
عبد الكريم الكتاني
متكاسلة الكلمات في جذب أخواتها!
صباح شتوي يلهم بمشي طويل وسط الغابة حتى تتبدد العتمة السابحة في الرأس !
الحافلة 38 الرابطة بين الرباط وتامسنا هي كذلك أصابها الكسل، تتحرك كما لو أن قوة ما تعاكس دوران عجلاتها !
أحني رأسي متأملا حالة الكسل هذه، وأتساءل إذا ما كان الأمر مجرد وهم…فأحيانا تتحكم فينا حال ما، ونصير ننظر ونشعر وفقا لفعلها في دمنا وإحساسنا!
فهاهي الكلمات تتعالق، وترتسم عبارات على البياض، وهاهي الحافلة آخذة مسارها نحو النقطة التي سأغادر فيها هذا الكرسي، وتنتهي هذه الارتسامات!
الحافلة شبه ممتلئة، ولا صوت سوى صوت شاب يتحدث للجالس جنبه، حديث من جانب واحد، لا أدري إن كان صديقه، أم رفيقه، أم مجرد شخص صادف أن جلس إلى جنبه.
صاحبنا يتحدث بصوت حار.. حاد، والموضوع الدين، والأخلاق، والتربية!
“هاذ شي كاين ولما كاين أعصام”؟
سؤال يظهر أنه رفيقه…
شابان ينفجرا ضحكا…أحدهما يقول:
” قال حتى حوايجك اشهدو عليك”!!
رد صاحبه:
“صاحبنا طلعت ليه التحشيشة”!
يبدو الأمر كذلك، صاحبنا ليس على طبيعته، يظهر ذلك ويتجلى في ملامحه، وحركاته، وضجيجه، ولا شعوره بمن حوله وهو يتكلم عن الحساب والعقاب…
تركته وهو يجذف نحو السياسة. إسرائيل والعرب…
كان الله في عون ممن سيكملون معه المحاضرة حتى المحطة التي يغادر فيها الحافلة!
ذكرني هذا الشاب باليوتوبرز المساجين السابقين الذين ادعوا التوبة، ويقولون أنهم اندمجوا مع المجتمع، ويصلون ويقومون الليل، وهم في حكاياتهم يستمتعون بكيف كانوا “عناصر” منهم من يبيع المخذارت والمهلوسات داخل السجن، ومنهم من يرتكب جرائم في حق السجناء والموظفين، وأغلبهم لا يجلس أمام كاميرة قناته إلا بعد وجبة حشيش، أو قرقوبي، أو خمر…
وضعت سماعتا الهاتف، وانتقلت لليوتيوب لأتابع التعرف على العناصر واليوتوبروزات الخارجين من السجن بعد مدد طويلة…كان أول من جذبني، بالصدفة، لهذا العالم هو “السلاوي” خمسيني يحسن الحديث، وله استراتيجية في العمل على تجربته الخاصة، وفي نفس الوقت يقدم خدمات للسجناء ويعرف بقضاياهم، سواء الذين بالخارج، أو هؤلاء الذين لا يزالون يرزحون تحت عبء سنوات سجن بين متوسطة وطويلة. ومن خلاله انفتحت على وجوه أخرى.
أغراني عالم السجن لأتعرف على عديد وجوه، وعديد تجارب…واستخلصت أن الزمن زمن انفصام وانفصال عن النفس والعقل!
وإنها دراهم اليوتيوب التي حولت الكثيرين إلى يوتوبورزات ونجوم يقدمون “المحتوى” لأجل النصيحة والعبرة ولأجل أن يطلعوا جمهورهم “العزيز” على تجاربهم الدونكيشوتية!
وتستمر سيرة التفاهة في الارتفاع، ويظل الذين لهم ما يقدمون للشباب، ولهذا الجيل منكفئون مترددون، وحتى إن جرب البعض تنوير الشباب، وتقديم ما يفيد لا يجد من يسمع ويتتبع!
وصلت الحافلة إلى المحطة التي سأنزل بها، وأنا أزيل سماعتا الهاتف، كان صاحبنا يحاضر في الكورونة، وكيف أنها مجرد مؤامرة ماسونية تستهدف المسلمين دون غيرهم من سكان المعمورة!.
عبد الكريم الكتاني