هذا الصباح لكل الناس

فنجان بدون سكر :

هذا الصباح لكل الناس

بقلم عبدالهادي بريويك

هذا الصباح زاوية، معتمة ومستنيرة، لوحة ترسمها النفس تلونها بلونها ولون احداث الناس وما تنقله ملامحهم من خبايا عتمات الزمن.
هذا الصباح لكل الناس..يكتبنا من الداخل احيانا ومن السطح احيانا أخرى وبين الداخل المحترق والسطح الصقيعي ( نسبة لقول المغاربة، وجهك بارد وجهك قاصح) تتوهج الإمكانية ومع الزمن ربما تخبو وتندثر.
كلنا على نحو أو آخر، يسطع ويخبو والزمن أبدا سيد المواقف التي لم تتخذ بعد ..
هذا الصباح لكل الناس
الجميع يتقاسم زخات المطر المنتظرة، والجميع يمضي نحو وجهات مختلفة ..لأنهم يولدون في الصباح وفي المساء يموتون كشمس يراها القليلون بعد الميلاد وبعد الموت، ونادرون الذين يرونها لحظة الميلاد ولحظة السقوط.
فعامل المطبعة يعاني من شمس الكلمات، ترعى عيونه، تدميها من السمر مع تكتكة الماكينة الملعونة التي تحصد عمره، لتولد في الصباح كلمات صغيرة دافئة وواخزة ومحرجة أمام أعين القارئ المتصفح لكتاب او جريدة ..في المقهى أو في المكتب ..
هذا الصباح لكل الناس..رغم أن القدر يسحب اذياله على صروح الآمال، فيبدو كل شيء مثيرا ، ويبعث على الرهبة، تلك الظلال الداكنة في حجب رداء اسود كثيف تطغى على كل شيء، تحيط به…تسبغ آثارها عليه، تصطرع الحياة في هذا الصباح ..الشرف والرذيلة ..العزم والحيرة..وانت هناك تجلس بمنأى عن دوامة تلك القلعة باحداثها ..سعيد لبعدك عنها..ولكن القلعة موجودة في كل مكان وزمان وانك واحد من شخوصها المتصارعين، ولا مفر لك من أن تنزع الكأس وتعلن فوزك في ذاك الصباح ..في مباراة يومك ..
ولأن الوعي محصلة المفاهيم المتولدة في ممارسة الإنسان لإمكاناته في المجتمع والطبيعة فإن التاريخ يحفر في الزمن مجرى لا يعرف التوقف، هذا المجرى الذي يبدأ مع كل صباح جديد ..
صباح كل الناس

الثلاثاء 26 مارس 2024