عبد الإله البوزيدي: يجب إنعاش وتنمية برامج التعاقد بين مصالح الدولة والجماعات لوضع وتنفيذ مشاريع تستجيب لحاجيات الساكنة.
قال عبدالإله البوزيدي، نائب رئيس الجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات، رئيس مجلس مقاطعة أكدال- الرياض في فعاليات الملتقى البرلماني الرابع للجهات الذي نظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، بمجلس المستشارين وذلك تحت شعار: “مأسسة النهج التعاقدي دعامة أساسية لتسريع تنزيل الجهوية المتقدمة”، قال البوزيدي ” لايخفى عليكم أهمية هذا الموضوع بالنظر للتحولات التي تعرفها بلادنا، بحيث يأتي تنظيم هذا الملتقى في وقت تعرف فيه بلادنا تطورات وتحولات مهمة على ضوء النموذج التنموي الجديد، وكذلك على ضوء مأسسة اللاتمركز.”
واضاف “موضوع التعاقد بين الدولة والجهات، وفيما بين الجهات، وفيما بينها وبين باقي الجماعات الترابية من زاوية المأسسة هو موضوع جد مهم وشائك. ولعل المنظمون قد أصابوا مرتين عند اختيارهم هذا الموضوع كمحور لهذا الملتقى البرلماني. ولقد عرف المغرب في السنوات الأخيرة تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله انطلاق وتنفيذ أوراش إصلاحية كبرى ومهيكلة خصوصا في مراحل تنزيل دستور 2011 الذي أعاد توزيع الأدوار والوظائف بين أجهزة الدولة لتعزيز المسار الديمقراطي والمكتسبات المتراكمة في عدة مجالات الاقتصادية منها والاجتماعية والثقافية والبيئية والتطلع إلى تنمية مستدامة ومندمجة مما جعل بلدنا يحتل مكانة متميزة قاريا ودوليا.”
وقال البوزيدي و” من هذه الأوراش، إرساء قواعد ومقومات الجهوية المتقدمة كإطار للعمل وتنفيذ السياسات العمومية. وفي هذا السياق، تمت تقوية دور الجماعات الترابية كفاعل رئيسي وشريك أساسي في المسلسل التنموي من خلال المقتضيات الدستورية وإصدار قوانين تنظيمية خاصة بها ونصوص تنظيمية مصاحبة ترتكز على مبادئ التفريع والتدبير الحر والتضامن والتعاون لتوفير مرافق وخدمات نوعية للمواطن حسب مستوى الجماعات الترابية ( تدبير المجال والتنمية الاقتصادية للجهات والتنمية الاجتماعية للعمالات والأقاليم وخدمات القرب للجماعات).
بالإضافة إلى هذا، تم إصدار مرسوم بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري الذي يهدف إلى التوطين الترابي للسياسات العمومية وتقديم الخدمات التي تقدمها الدولة للمرتفقين.
ولعل ما يميز بلدنا هو ترسيخ المقاربة التشاركية المواطنة بكل أبعادها ومشاركة المواطن في صياغة القرارات وتتبع البرامج والمشاريع التنموية على الصعيد الترابي.
كل هذه الإصلاحات وغيرها كانت ضرورية وجد إيجابية حيث مكنت الجماعات خصوصا من تحسين أدائها وجعلها أكثر انفتاحا على محيطها وشركائها والفاعلين العموميين.
وهذه الأوراش لازالت مفتوحة، بل انضاف إليها جيل جديد يتماشى مع السياقات الراهنة والدينامية المتطورة مما يتطلب معه المزيد من التعبئة والتنسيق والحوار بين جميع المتدخلين والفاعلين لترشيد الإمكانيات والمؤهلات المتوفرة ترابيا من أجل إنجاز مشاريع متكاملة لها وقع حقيقي على الوسط المعيشي للمواطن.
وبالرغم من التقدم الذي أحرزه ورش الجهوية المتقدمة، فإن هناك بعض المواضيع التي وجب دراستها وتحليلها، ومنها:
• تعزيز آليات التخطيط الترابي في تناسق مع السياسات العامة للدولة في مجال إعداد التراب، وتبني العدالة المجالية كأولوية في السياسات العمومية والترابية من أجل تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية والملاءمة التشريعية والتنظيمية للاختصاصات المخولة لمختلف القطاعات الوزارية.
• وضع وتفعيل بنك للمعطيات حول السياسات المرسومة من طرف القطاع العام والمشاريع المزمع تنفيذها ترابيا لتمكين الجماعات من إداء الرأي أو المساهمة فيها حسب الإمكانيات المتوفرة لديها، إعادة النظر في العديد من النصوص القانونية المتعلقة بالقطاع العام والعمل على ملاءمتها مع السياق الراهن.
• إنعاش وتنمية برامج التعاقد بين مصالح الدولة والجماعات لوضع وتنفيذ مشاريع تستجيب لحاجيات الساكنة.
• الحرص على تجسيد المقتضيات المتعلقة باللاتمركز الإداري بشكل جدي والسير في تعزيز مسلسل اللامركزية كقاعدة لبناء الديمقراطية المحلية حتى يتسنى للجماعات الترابية فرصة المشاركة في المسلسل التنموي.
• إعادة النظر في النصوص التشريعية المنظمة لقطاع الجبايات وخصوصا الضريبة على القيمة المضافة بالإضافة إلى ضرورة تنويع مصادر وموارد التمويل للمساهمة في تنمية الجماعة الترابية.
إن رهان التنمية الترابية في ظل التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية، تفرض ضرورة بناء علاقة جديدة بين الدولة والجماعات الترابية. ولهذا، فإن علاقة الجهات مع الدولة يجب أن تنبني على اختصاصات ومسؤوليات واضحة تبرز مجالات التدخل لكل طرف مع استحضار التنسيق ورصد الإمكانيات المتطلبة لإنجاز مشاريع تنموية. وكما سبقت الإشارة فإن برامج العقود تعتبر آلية لتجسيد هذه العلاقة وتطويرها.
وإذا كانت الجهة تحتل مكانة الصدارة في عمليات إعداد وتتبع البرامج التنموية وتصاميم إعداد التراب الوطني فإن المنظومة القانونية أفرزت بناء على مبدأ التفريع اختصاصات ذاتية لكل مستوى غير أنه على المستوى العملي والتطبيقي تسجل بعض التداخلات مما يستدعي التدقيق أكثر في هذه الاختصاصات وتحديدها.
ويعتبر مبدأ التدبير الحر للشؤون الترابية والمراقبة البعدية، مكسبا هاما يزكي المسار الديمقراطي وينمي الحكامة الترابية وضمانة قوية مهمة لتعزيز شرعية الجماعات الترابية ودعم دورها التنموي.
وقال البوزيدي “إنه من الضروري جعل المنتخب الترابي صاحب قرار وحامل افتحاص حقيقي، يمكنه من الاستجابة لرغبات وطموحات وتطلعات السكان. كما أن تأهيله يساهم في تطوير أساليب العمل وتحديثها. وبالمناسبة فإن الجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات سبق أن تقدمت في 2020 باقتراحات لتعديل بعض مقتضيات القانون 113.14 المتعلق بالجماعات.
إن المراحل المهمة في مسلسل تطبيق السياسات العمومية هي تلك التي تهم مرحلة التنفيذ والتقييم، حيث يتأثر الاستعمال الناجح للسياسات العمومية بمجموعة من المعطيات كالتحديد الدقيق للقضايا التي يراد التدخل فيها أو تدبيرها، والموارد المادية والبشرية المتوفرة. وهنا لابد من التأكيد على ضرورة تتبع حكامة جيدة مرتكزة على النجاعة والفعالية والتشاركية لتفعيل السياسات العمومية، وكذلك الرفع من الأداء الترابي من خلال منح استقلالية أكثر لكل الفاعلين العموميين المحليين وتحفيزهم لتحقيق التنمية الترابية المنشودة.
العمل على إيجاد حلول مبتكرة جديد لتفعيل السياسات العمومية داخل تراب الجماعة، وعلى سبيل المثال فعملية التسويق الترابي في تدبير الموارد المخصصة لتفعيل برامج التنمية الترابية هو نمط جديد يساعد على هذه العملية.
وأكد البوزيدي انه “يمكن تلخيص الإصلاحات الكفيلة بتعزيز قدرات الفاعلين بالمجالات الترابية، وتسريع مسلسل الجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري في المحاور التالية:
جعل لتدبير الترابي يخضع للمبادئ الحديثة في مال التدبير والتسويق. وهكذا، سننتقل من التدبير الترابي المحض إلى مرحلة التدبير الترابي الاستراتيجي.
جلب المقاولات لتراب الجماعة تأحذ بعين الاعتبار الخصوصيات المجالية وتسهيل ممارسة أنشطتها.
تسويق صورة المجال الترابي والتعريف بمختلف مقوماته وإمكانياته والفرص الممكنة والمتاحة للاستثمار به وطبيعة الامتيازات التي يقدمها.
الرفع من القدرات التدبيرية والإدارية للسيدات والسادة رؤساء المجالس المنتخبة عبر برامج هادفة تنبني على الحاجيات والأولويات.
العمل على إعادة النظر في نظام المنتخب بما يضمن حقوقه وواجباته ويجعله أكثر تحفيزا وقادرا على المساهمة الفعلية في تنمية الجماعة.
إرساء مقومات إدارة جماعية كفأة وفعالة متوفرة على وسائل العمل بطرق حديثة.
مراجعة منظومة الرقابة وتقييم برامج التنمية الترابية والتدقيق بشكل يسمح بتطوير أداء المدبرين الترابيين.
العمل على توطيد الالتقائية الفعلية بين مستويات التنمية على الصعيد الترابي.” حسب قول البوزيدي