إليكم تفاصيل ما قامت به قافلة المنتدى الوطني للمدينة بأكادير
حطت قافلة المنتدى الوطني للمدينة رحالها بمدينة أكَادير لتعقد مائدتها المستديرة حول موضوع “المدينة والهجرة”، وذلك في أفق التحضير لمؤتمرها الدولي الذي سينعقد بمكناس أيام 9- 10- 11 ابريل 2015 حول موضوع “المدينة :
من التسيير التمثيلي إلى الحكامة التشاركية”. وتعتبر هذه سابع محطة ( بعد انطلاقها من مكناس ثم تازة، الجديدة، السعيدية، وزان تيسة و أكادير) للتحضير للمؤتمر المذكور وفق مقاربة تشاركية تقوم على فهم الإشكالية المثارة انطلاقا من تجلياتها المحلية وبناء على منطق القرب لتحقيق الحكامة الجيدة.
ولهذا كان من الضروري إغناء معالجة موضوع المؤتمر بناء على الإنصات و التشاور بالنظر للقضايا المحلية وما يثير القرب من هموم و طموحات. وجدير بالذكر أن هذه المائدة المستديرة التي دارت أنشطتها بقاعة مركز الأعمال بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير (جامعة ابن زهر بآكادير)، انعقدت في إطار فعاليات “مهرجان المهاجر” (في نسخته الثالثة) وبتعاون مع المرصد الجهوي للهجرات والمجال والمجتمعات.
وقد ترأس الأستاذ المصطفي المريزق (أستاذ باحث في السوسيولوجيا الحضرية بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس) – رئيس المنتدى الوطني للمدينة – المائدة المستديرة؛ والتي افتتحها الأستاذ الباحث في الجغرافيا الحضرية محمد شارف بصفته رئيس الهيئة المشرفة على تنظيم المهرجان ورئيس المرصد. وقد أشار إلى أهمية استضافة هذه القافلة كنشاط يغني المهرجان وكذلك من حيث جدّة ونوعية المعالجة لموضوع الهجرة من زاوية دور المدينة في إدماج المهاجرين. كما تناول الكلمة السيد رئيس جامعة ابن زهر والذي طلب من المشاركين والحضور الوقوف دقيقة صمت ترحما على أرواح ضحايا زلزال أكادير (29 فبراير 1960) الذي تشكل هذه السنة ذكراه الخامس والخمسون، بعد ذلك سلط الضوء على دور الشباب في عملية الاندماج الحضري للساكنة مواطنين ومهاجرين من خلال مختلف التفاعلات الاجتماعية. بعد ذلك، تناول الكلمة الأستاذ عبد السلام الصديقي وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية مركزا على السياسة الجديدة للهجرة التي ينهجها المغرب وأعطى بعض البيانات حول نتائجها سواء بالنسبة للمستهدفين أو بالنسبة للمغرب كبلد يسعى إلى بناء طريقته في التعامل مع الهجرة من خلال ربطها بالتنمية وأيضا من خلال ضمان حقوق المهاجرين بما تمليه الأعراف الدولية والمواثيق التي صادق عليها وذلك في إطار سياسة مغربية إفريقية يكون في المغرب جسرا فاعلا بين ضفتي البحر المتوسط … وفي ختام الجلسة الافتتاحية، أشار رئيس المنتدى الوطني للمدينة إلى الدور الذي يريد المنتدى أن يلعبه بفضل تنوع أعضائه وانخراطاتهم المتعددة؛ حيث يظل مكونا من مكونات المجتمع المدني الهادفة إلى ربط المعرفة العلمية بالعمل الميداني عبر ما تقترحه من أفكار ورؤى، وما تقوم به من تكوين وتأطير لمختلف صانعي المدينة والفاعلين الاجتماعيين لأن المنتدى ليس فقط فضاءا لتبادل الأفكار والترافع حول الديموقراطي والحداثي منها، ولكنه يطمح أيضا أن يكون فضاءا للتكوين والتأطير العلمي والعملي وخاصة بعد أن حصل على مقر له بمكناس وشرع في التفكير في تجهيزه ووضع برامج التكوين الذي من المنتظر أن ينطلق نشاط منها على هامش المؤتمر الدولي المزمع عقده أيام 9-10-11 أبريل 2015. ,وأخبر بأن نشاط المنتدى لن يتم فقط بهذا المقر بل يمكن الانتقال داخل تراب الوطن وخارجه سواء للتكوين أو التأطير. واختتم كلمته بأن المنتدى مفتوح للجميع أشخاص ذاتيين أو معنويين من بين الراغبين في العمل لتكون مدننا مواطنة ومستدامة ولنرقى بجودة العيش المشترك فيها. الجلسة الافتتاحية تميزت كذلك بحضورالأستاذة عائشة بلعربي كاتبة الدولة لدى وزير الشون الخارجية والتعاون، وكذا سفيرة المغرب لدى الاتحاد الأوروبي سابقا و الأستاذ محمد مصطفى لعريصة رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بمراكش و الأستاذ عبد الكريم مدون الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي و الاستاذة حورية علمي مشيشي ممثلة الجمعية المغربية للدراسات و الأبحاث العلمية حول الهجرة و حسن بوستة أستاذ باحث بجامعة لييج البلجيكية، ونائب رئيس عمدة بلديتها وسيناتور سابق بمجلس الشيوخ، و مصطفى غليب المدير الجهوي للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل و الكفاءات بجهة مكناس تافيلالت و فاس بولمان و الجهة الشرقية، و ثلة من الجامعيين و الأكاديميين و المثقفين و الفنانين و النقابيين و والفاعلين السياسيين و الإعلاميين و طلبة باحثين و جامعيين و جمعيات المجتمع المدني من المغرب و من أوروبا و من إفريقيا جنوب الصحراء.
بعد ذلك، أعلن عن انطلاق نشاط المائدة المستديرة، وقد أدار أطوارها الأستاذ الباحث في السوسيولوجيا بجامعة محمد الخامس بالرباط عبد الفتاح الزين، منسق اللجنة العلمية للمؤتمر الدولي المشار إليه أعلاه. وبعد أن قام بتوطئة لموضوع المائدة المستديرة مشيرا إلى أن المدينة مستقبل البشرية كما أن علاقات بادية-مدينة تغيرت نهائيا إلى أحد أصبح معه الحديث يشير على انقراض البدو مع انتشار تمدن الأرياف وتزايد ساكنة المدن ناهيك عن أن مفهوم المدينة المستدامة يتضمن فكرة المدينة التي تحتضن البادية ضمنها من خلال الفضاءات الخضراء واحترام المعايير البيئية في التخطيط الحضري … وما إلى ذلك. فالمدينة ليست بفضائها الحضري مشكلا لكنها الحل الذي يحترم الوظائف الحضرية المطلوبة للمدينة الدامجة، ولعل أهمها : السكن، الشغل، التنقل والترويح. إنها متطلبات الحياة الاجتماعية الكريمة. ولاحظ منشط المائدة المستديرة أن المدينة بما هي كذلك صنف سوسيوجغرافي يقوم على التنوع والاختلاف والتعقد وعليه أن يضمن الاختلاط لأن الساكنة على اختلاف أصولها ومكوناتها ومهاراتها. فالمدينة تتغذى وتنتعش بالوافدين عليها وبمن يغادرونها، وتظل بوتقة انصهار الساكنة من اجل خلق شخصيتها وثقافتها. ومع العولمة، لم يعد العالم قرية بل أصبحت المدينة حلقة ضمن شبكات المدن. ولهذا فطرح موضوع “الهجرة والمدينة” يأتي بالإضافة إلى ما طرحته الأرضية الموزعة كتمرين يرغب من خلاله المنتدى الوطني للمدينة أن يكون فضاء لانصهار المعرفة بالممارسة والفعل. بعد ذلك أعطى الكلمة للأساتذة المتدخلين كالتالي :
- الأستاذة كاترين ثريان (أستاذة الأنثروبولوجيا بجامعة الأخوين بإفران) جاءت ورقتها تحت عنوان “المهاجرون ضمن زيجات مختلطة بالمغرب”. فبعد أن بيت أن موضوعها يتعلق بدراسة ميدانية لاختلاط الزيجات بالمغرب من خلال إثنولوجيا الحركية، تطرقت إلى معالجة المفاهيم التي تتحدث عن الاجتثاث والاستنبات والتجذر وما يدور في فلكها أبانت على أنها تتغذى من عالم النباتات. كما أنها بينت أن الأمر نفسه لمن يضع مفهوم “البلد/المنزل” محل الجذور فالأمر يطرح كمركز مخيالي يقوم من جهة على موطن الطفولة ومن جهة أخرى على موطن مرحلة الرشد. إن التصوران معا يسعيان إلى تسليط الضوء على الارتباط والانسجام مع أن الأمر في هذا الباب يتعلق بهجرة عاشقة (الزوجة مع زوجها إلى وطنه أو العكس) تقوم على نوع من الاختيار. إنها عيش عابر للأوطان سواء كعلاقات أو كفضاءات، والبحث عن نقط الارتباط يبين أن البيت متنقل وليس استثنائيا، فللزيجات العديد من البيوت ودلالاتها تختلف. هل يمكن الحديث عن تمزق؟ الأمر ليس بسيطا لأن التمزق يتأسس على مرجعية الروابط الانتمائية. يبدو أن الأمر يتعلق بتباعد من خلال بناء بيت متخيل. واستعرضت في خلاصتها نماذج التقت بها الباحثة في ميدان بحثها لتدعم تحليلها هذا.
- الأستاذ خالد مونة (أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس) كانت ورقته تحت عنوان “المجال المتخيل، المجال المعاش والمجال المتفاوض حوله : مسارات متقاطعة لهجرات إسبانية وإفريقية جنوب الصحراء بطنجة”. لقد قدم مدينة طنجة كفضاء مفارق وتناقضي على عكس أكادير التي رأى أنها مدينة سياحة بالنسبة للأوروبيين، ومدينة عبور بالنسبة للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء. وأوضح أن أمام تحدي العيش المشترك توجد الهجرة، وبيّن كيف أن المدينة هي مدينة الفرص وفضاء للتملك والاحتلال وهو ما يطرح مسألة ظهور المهاجرين. هكذا فسر الباحث بداية ظهور التوترات مع الهجرة؛ حيث أشار إلى أن هجرة الإسبان نحو المغرب مرتبطة بالأزمة في بلادهم، ومع ذلك تظل سهلة ولا تطرح لهم مشاكل، على عكس الأفارقة فتواجدهم بطنجة يتأرجح بين اختيارها القسري أو الإرادي كمحطة نهائية أو البحث عن فرص العبور منها نحو أوربا انطلاقا من إسبانيا. فاللاشرعية (الهجرة السرية) تقوي اختيار الذهاب، بينما الاستقرار (الانخراط في عملية تسوية الوضعية) يطرح مشاكل ترتبط ببناء مشروع الحياة (السكن، العمل، استقدام الأسرة أو تكوينها بما لها من تحديات، الخ.). وهذه وضعية عرضانية تمس حتى المغاربة. هنا تظهر المدينة كفضاء للهجرة وهو ما ينتج التوتر حول الفرص داخل المدينة وانطلاقا منها. وتتناسل النعوت والألقاب. فالكَاوري (للإسباني) أو عزّي (للإفريقي) يأخذان بحسب السياق قيمتهما القدحية أو النعتية ويستعملان للحديث عن الاندماج أو الإقصاء ويبقى المغربي (منتج هذه المفردات) بينهما (المنزلة بين المنزلتين). فالكَاوري أعلى من المغربي، وعزّي أدنى منه، والمغربي بين الرتبتين !! وخلص من خلال هذه التحاليل إلى أن الهجرة عموما لا تغني المغرب لأن المواقف حولها وتمثلها يظل ملتبسا وغير واضح. وختم بالإشارة إلى العمل ضمن المنتدى على إطلاق مرصد للهجرة يكون إحدى بنيات المنتدى الوطني للمدينة تكون مهمته الاشتغال حول جمع المعطيات بمنهجية متجددة وتبادلها ومقارنتها والقيام بعملية تقاطعها …
- الأستاذ الزبير شطو ( أستاذ باحث في السوسيولوجيا و الانثروبولوجيا بالمدرسة الفلاحية بمكناس) عنون ورقته كالتالي : “دور ومكانة المهاجرين في الفضاء العمومي الحضري : حالة أكَوراي بمكناس”. بعد أن بيّن بأن تمثلات بهذه الجماعة الصغيرة متناقضة : فمن جهة محبوبون ومرغوبون لما يجلبونه معهم (هدايا، تحويلات مالية، فرص شغل، الخ.)، ومن جهة أخرى ينظر إليهم بنوع من الاحتقار لسلوكاتهم وغيرها. وسجل بأن رئيس جماعة أكَوراي من قدماء المهاجرين إلى إيطاليا، وقد تشرح من خلال حزب سياسي بعد مرحلة من العمل الجمعوي. واشتغل ضمن أجندة 21 كأهم أولويات التنمية المحلية والتي وفقها تقرر أن يتم ترميم قصبة أكوراي كتراث معماري محلي عتيق (القرن 18) والتفكير في الاستفادة منها حول السياحة الإيكولوجية، غير أن المشروع يتطلب ميزانية مكلفة للجماعة وهو ما لا يتماشى مع انتظارات الساكنة التي تعيش على النشاط الفلاحي. هكذا بدأ يظهر أن المهاجرين موضوع مشاكل، وهو ما جعله يصف وضعية المهاجرين داخل الجماعة بالغياب المزدوج في الفضاء الحضري للجماعة. إلا أنه أشار إل الحاجة إلى المهاجر على مستوى الجماعة في حالات من قبيل اليوم الوطني للمهاجر من أجل الاستفادة من الأدوار الخيرية والتي تقوم بها جمعيات المهاجرين (تبرعات، استقدام معدات، الخ.) ولاحظ أن دورهم في العمل التنموي يبقى ضعيفا. فالشباب منهم يجدون حواجز أمام ثقافتهم المقاولاتية، بينما جمعياتهم تصطدم مشاريعها الواقعية بمنطق المجتمع المحلي. وختم ورقته بالتطرق إلى استمرارية هذا التمثل لدى الصغار من التلاميذ الذين أجرى معهم بحثا ميدانيا استخلص منه أن المدرسة لا تأثير لها عليهم في بناء مشروعهم الحياتي. فالهجرة مرغوبة واختيار مغر بدل الاستمرار في الدراسة بالرغم من مآسي “الحريكَ”.
عند نهاية تقديم الأوراق تقدم الأستاذ حسن بوستة البلجيكي- المغربي بتعليق ثمن فيه تجربة المنتدى والأوراق المقدمة مشيرا إلى الحمولة الفكرية التي تسلط الضوء على زوايا ظلت مغمورة في دراسة الهجرة، وخاصة تمفصلها مع موضوعة المدينة. فالأمر بالنسبة له لا يبدو فقط غيابا مزدوجا من الفضاء الحضري بل حضورا مزدوجا يرتهن بموقع المهاجر وحركيته، كما أن ما يبدو كتناقض طبقي قد ينظر إليه كرهان في التصنيف. بعد ذلك فتح باب المناقشة. ويمكن ترتيب الأفكار الأساسية كالتالي :
– أدوار وكالة الأنابيك في الهجرة تقوم على هجرة انتقائية كما أنها تنتج تمزقا عائليا وفشلا في الاندماج. فلا نجد نموذجا مجتمعيا يقوم على الهجرة ويقبل بها.
– الهجرة بالنسبة للمجتمع المغربي خطر تجب مقاومته، فأية استراتيجية أعدت لاندماج المهاجرين في إطار مقاربة تقوم على المحافظة على البيئة.
– التجربة المغربية لها مكانتها بين تجاريب إدماج المهاجرين على أنه يجب الانتباه إلى دور المافيات والذين يغذون ويتغذون على اليأس وينشطون أوقات الأزمات.
وفي إطار تعقيب الأستاذة عائشة بلعربي (نظرا لتجربتها ككاتبة الدولة لدى وزير الشون الخارجية والتعاون، وكذا سفيرة المغرب لدى الاتحاد الأوروبي) أشارت إلى أن المغرب تنقصه سياسة متكاملة وواضحة لإدماج المهاجرين واكتفت باستعراض النقص في تلبية بعض الحقوق من قبيل حق أطفال المهاجرين في التعليم، وحق المهاجرين في السكن والعمل …وأوضحت أن الإدماج لا يقوم على خدمات وإنما حقوق على المتدخلين توفيرها.
وبعد تفاعل المتدخلين مع أسئلة الحاضرين ختم منشط المائدة المستديرة بأن الهجرة بقدر ما تفكك المدينة ومكوناتها الاجتماعية فإنها أيضا تعيد بناءها. فالمدينة بفضل فعل الهجرة والأدوار التي يلعبها المهاجرون هنا وهناك، أصبحت بدورها عابرة للأوطان.
وفي ختام المائدة توجه الأستاذ المصطفى المريزق – رئيس المنتدى الوطني للمدينة – بالشكر إلى المقررين ( الأساتذة: نادية الرحماني، فريد ويدر و عبد الحميد جمور) و كل الحضور والمشاركين منهم على الخصوص. وطالب الأستاذ محمد شارف رئيس مهرجان المهاجر بانتداب لجنة تمثيلية عن أكادير للمشاركة باستنتاجاتهم ضمن وثائق يرفعونها للمنتدى الدولي والترافع حولها.