البرلمانية آمنة ماء العينين تكشف عراقيل إخراج القانون المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها
آمنة ماء العينين
برلمانية
اليوم بمقر البرلمان، انطلقت مناقشة مشروع القانون المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها داخل لجنة العدل والتشريع وخقوق الانسان، بحضور السيد وزير المالية واصلاح الادارة الذي قدم المشروع مرفوقا برئيس الهيئة السيد البشير الراشدي الذي حظي بالتعيين الملكي على رأس الهيئة سنة 2018.
القانون المتعلق بالهيئة التي نص الدستور على إحداثها في الفصل 36 له قصة تستحق أن تروى:
تم التصويت على القانون المؤسس للهيئة وتم نشره في الجريدة الرسمية سنة 2015، حيث تكفل آنذاك بتقديمه ومناقشته معنا السيد الوزير محمد الوفا كوزير للشؤون العامة والحكامة.
كان المشروع المحال علينا مخيبا للآمال مقارنة مع النسخة الاولى التي أسهمت في إعدادها آنذاك الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، برئاسة الرجل المحترم ذ.عبد السلام أبودرار الذي بذل مجهودا لاخراج قانون جيد يستجيب لانتظارات محاربة الرشوة والفساد. اشتغلنا كبرلمانيين مع اللجنة المركزية آنذاك ومع ترانسبارانسي المغرب التي أسندت اشتغالنا بمذكرة محترمة، وبدأ النقاش وقد ترسخت القناعة البرلمانية أن المشروع الحكومي ضعيف وسيخرج هيئة بدون اختصاصات، واعتبرنا في نقاشات ساخنة مع وزير متمرس وعنيد أن نفَس القانون محافظ ولا يساير الافق الديمقراطي للدستور.
ولأن الهامش الديمقراطي سنة 2015 كان أوسع، والبرلمان أقوى مما هو عليه الآن، قدمنا كأغلبية حكومية آنذاك تعديلات متقدمة رفضها السيد الوزير جملة وتفصيلا، موحيا أن قبولها مستحيل لاعتبارات لم نستوعبها ولم نقبلها آنذاك،
كان الخلاف أساسا حول :
– تعريف الفساد في المشروع خاصة منه ما يتعلق بادماج المخالفات والجرائم الواردة في الفصل 36 الذي شكل عقدة للكثيرين.
– الملاءمة مع مقتضيات الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي وقع عليها المغرب
-منح الهيئة امكانية التصدي الذاتي والتلقائي لقضايا الفساد دون اشتراط تلقي الشكاوى والتبليغات.
– منح مأموري الهيئة الاختصاص القانوني لاجراء الأبحاث والتحريات والاستماعات مع توفير الحماية اللازمة لهم.
– تقديم الدعم والمساعدة اللازمة للهيئة بما فيها الاستعانة بالشرطة القضائية والقوة العمومية….
– تجريم عرقلة عمل مأموري الهيئة والامتناع عن منحهم المعطيات اللازمة وتخفيف الاشتراطات المقيدة للهيئة التي ظلت بدون اختصاصات فعلية وحصرية.
كان هدفنا كأغلبية هو إخراج هيئة قوية تتكون من 12 عضو الى جانب الرئيس، مع منحهم التفرغ اللازم للقيام بمهامهم.
رفض الوزير تعديلاتنا، ورفضنا كمنسقي الأغلبية آنذاك انعقاد اللجنة للتصويت لعدم اقتناعنا بمبررات الرفض، ثم توجهنا لتحكيم رئيس الحكومة، وكان ذلك عرفا في حكومة بنكيران كلما اشتد الخلاف بين الوزراء والأغلبية البرلمانية.
لكن للأسف، لم تحمل جلسة التحكيم جديدا كبيرا وكان رئيس الحكومة أكثر انحيازا لوزيره ومشروع حكومته وهو أمر طبيعي، وتم التوافق على التصويت مع ادخال بعض التعديلات البسيطة.
اعتبرنا حينها أننا خسرنا معركة تشريعية ديمقراطية لأن القرار تجاوزنا بعد تدخل رؤساء الفرق الذين حضروا جلسة” التحكيم”. لم تتبلور الإرادة الكافية آنذاك لاخراج قانون قوي لاعتبارات لم يتم عرضها بشكل صريح، رغم أن التلميحات كانت تقول أن الأمر أكبر من الحكومة والبرلمان وهو ما كنا نرفضه ونستهجنه.
منذ 2015 لم يتم تنفيذ القانون، حيث لم يتم تنصيب الهيئة لحدود اللحظة، الى أن جاء بلاغ الديوان الملكي على اثر تعيين رئيس الهيئة الجديد سنة 2018، ودعا الى تقوية اختصاصات الهيئة لتقوم بمهامها. بعدها فتح قوس جديد، وتم الشروع في إعداد مشروع جديد، إلى أن صرح وزير المالية في خطابه التقديمي للمشروع الجديد أن الحكومة مقتنعة بضرورة تعديل القانون القائم لعدم ملاءمته للمعايير المعمول بها لمحاربة الفساد، مؤكدا أن الإرادة الملكية كانت حاسمة في اختيار تقوية اختصاصات الهيئة لمكافحة الفساد.
ثم تضمن المشروع الجديد كل تعديلاتنا المرفوضة سنة 2015: توسيع تعريف الفساد، واعتماد الفصل 36 ومنح الهيئة صلاحية التصدي التلقائي للفساد و تقوية اختصاصات مأموري الهيئة، ومنحها امكانية الانتصاب كطرف مدني بالتنسيق مع الوكيل القضائي للمملكة مع تمكين الهيئة من الاستعانة بالشرطة القضائية وتسخير القوة العمومية وانجاز الاستماعات ودخول المقرات….
بين الأمس واليوم جرت مياه أخرى تحت الجسر…
سنؤدي مهمتنا البرلمانية من جديد بنفس الحماس، وسنعمل على تجويد المشروع وإسناده ودعمه، لأن قصته قصة أمل وإصرار عند المؤمنين برسالة النضال بثبات وتفاؤل، والمستحيل أمس، قد يصبح ممكنا اليوم او غدا، رغم المقاومات والعراقيل والصعوبات.
كل ما نطمح إليه أن يخرج القانون إلى حيز الوجود،وأن يتم تنصيب الهيئة بأعضاء أقوياء ومستقلين لتؤدي مهامها كما ينص عليها القانون، لتصير أداة لمحاربة الفساد في مسار طويل وشاق ينتصر فيه الصامدون والمتسمون بالإيمان بما يدافعون عنه.