حقيقة حرب البوليستر
تدوينة: الصحافي عبد الواحد الكنفاني
حقيقة حرب البوليستر
تحولت ألياف البوليستر إلى موضوع الساعة، بعد أن أخرج عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة النقاش من تحت قبة البرلمان إلى الساحة الإعلامية، بعد أن اتهم صلاح الدين مزوار، وزير الخارجية السابق ورئيس حزب الأحرار سابقا، بممارسة لوبيينغ بمجلس المستشارين، من أجل رفع الحقوق الجمركية المفروضة على هذه المنتوجات إلى 17,5 %، عوض 2,5 %، لحماية الشركة الجديدة التي يعتزم إنشاؤها في الربع الأول من السنة المقبلة، حسب أمين عام الأصالة والمعاصرة، واصطفت أحزاب أخرى، مثل الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية إلى جانبه وتحالفت ضد تعديل مجلس المستشارين وضغطت بكل قواها على وزير الاقتصاد،
فقرر في نهاية المطاف سحب التعديل والعودة إلى 2,5 %.
واعتبرت هذه الأحزاب ذلك نصرا على لوبيات الفساد التي تسعى إلى حماية مصالحها على حساب القدرة الشرائية للمواطنين ومصالح الوطن، باعتبار أن رفع الرسوم الجمركية، سينعكس على أسعار هذه المنتوجات والسلع التي تنتج منها، إضافة إلى مجموعة من المبررات الشعبوية، التي تجانب الصواب، وتتضمن مجموعة من المغالطات.
أولا، الشركة الوحيدة التي تصنع ألياف البوليستر، حاليا، بالمغرب ليست لها أي علاقة بصلاح الدين مزوار، وأن هذه الشركة تأسست، خلال 2017، مباشرة بعد “كوب 22″، وجاءت استجابة إلى التوجيهات الملكية بتشجيع بروز اقتصاد دائري، فتقدم المستثمر آنذاك بمشروع، يقضي بتجميع قنينات البلاستيك وإعادة تدويرها لإنتاج ألياف البوليستر، وحظي بدعم من الدولة واستفاد من منحة بـ 10 ملايين درهم (مليار سنتيم) لإقامة المشروع، وبالفعل تم إنشاء وحدة صناعية بالبيضاء، توفر الشغل بشكل مباشر لـ 160 مستخدما وبطريقة غير مباشرة لـ 4 آلاف من جامعي النفايات المعروفين عند العامة بـ”البوعارة”،
لكن الشركة لم تقو على مواجهة المنافسة الأجنبية لأن الشركات التي تصدر هذه المواد للمغرب من الصين وأندونيسا تستفيد من دعم كبير من دولها، كما أنها تحظى بالحماية الجمركية، إذ أن الحقوق الجمركية بالصين على واردات هذه الألياف تصل إلى 90 في المائة، وليس 17.5 في المائة، التي اعتبرتها الفرق البرلمانية ستضر بالقدرة الشرائية للمواطنين.
وعقد مسؤولو الشركات اجتماعات طيلة سنتين مع وزير الصناعة من أجل إقناعه بإقامة حواجز جمركية لحماية المنتوج الوطني، على غرار البلدان الأخرى، وعبر المسؤول الحكومي عن تفهمه لمطالبهم ووعدهم بالاستجابة لها. وبالفعل تمكن من إدارة تعديل يقضي برفع الحقوق الجمركية على واردات الألياف إلى 17.5 في المائة، لكن فرق الأغلبية بمجلس النواب أسقطت التعديل وحافظت على معدل 2.5 في المائة.
وبطبيعة الحال ، فإن رفض رفع الحواجز الجمركية لا يمكن إلا أن يصب في مصلحة لوبي الاستيراد، الذي يستنزف 600 مليون درهم من احتياطي المغرب من العملة الصعبة لجلب هذه المواد المصنعة من تدوير قنينات البلاستيك، ويخدم، أيضا، مصالح البلدان المصدرة، لأن القرار سيحافظ على تنافسية منتوجات شركاتها بالسوق المغربية وسيقضي على الصناعة المحلية التي ما تزال في المهد.
ثانيا، صلاح الدين مزوار، صرح أنه بالفعل مساهم في شركة تضم مستثمرين أجانب، والذي لم يذكره مزوار أن المشروع سينجز بين مجموعة “بالموري للتنمية”، التي تملك شركة الأفرشة “دوليدول” ومستثمرين كوريين، إضافة إلى صلاح الدين مزوار، ويهم إنتاج ألياف البوليستر، التي تصنع منها مادة تحشى بها الوسادات والأفرشة، المعروفة عند العامة بـ”اللواط”، لكن المشروع لم يصل بعد إلى مرحلة الإنتاج، ولن يكون جاهزا إلا في الربع الأول من السنة المقبلة.
وحتى لو كان صلاح الدين مزوار مارس بالفعل “لوبيينغ” بمجلس المستشارين، فما العيب في ذلك؟ مستثمر تمكن من إقناع مستثمرين أجانب بإنشاء شركة ستوفر مناصب الشغل بالمغرب وستساهم في التقليص من التلوث البيئي بتجميع قنينات البلاستيك المستعملة وإنتاج ألياف البوليستر منها. ألا تستحق مشاريع من هذا القبيل حماية جمركية، أليست منتوجات وطنية؟
فالمواقف التي عبرت عنها الأحزاب المعارضة لرفع الحقوق الجمركية تتعارض مع إجراءات أخرى دعمتها وصادقت عليها تقضي برفع الحقوق الجمركية بنسبة 40 في المائة على لائحة عريضة من المنتوجات بدعوى حماية المنتوج الوطني، ألن يضر ذلك بالقدرة الشرائية للمواطنين؟
ثالثا، رفع الرسوم الجمركية لن تكون له أي انعكاس على القدرة الشرائية، لسبب بسيط أن هامش الربح يصل إلى 90 في المائة بالنسبة إلى مستوردي هذه المواد، وهكذا فإن رفع الحقوق الجمركية بـ 17.5 في المائة أو حتى إلى 30 في المائة ستكون له انعكاسات محدودة على هامش الربح، بنسب تتراوح بين نقطتين أو ثلاثة نقط مائوية، أي أن الهامش سيطل في حدود 87 في المائة، وبطبيعة الحال، فإن نواب الأمة، لا علم لهم بكل هذه التفاصيل.
في الحقيقة، لوبي الاستيراد تأزعجته حركات المنتج الوطني لألياف البوليستر داخل أروقة البرلمان، خاصة عندما تمكن من إقناع عدد من الفرق البرلمانية والبرلمانيين، بمن فيهم عبد اللطيف وهبي، بعدما قدم مجموعة من المعطيات التي تفند مزاعم المستوردين، إذ أكد أن الطاقة الإنتاجية للشركة تتجاوز الحاجيات الوطنية من هذه المنتوجات، فخشي هذا اللوبي من إقرار هذه الزيادة، فالتجأ إلى أساليب أخرى، فوجد في صلاح الدين مزوار سلاحا يمكن أن يكون فعالا في ابضغط على الداعمين لرفع الحقوق الجمركية، إذ فكر في وسيلة فعالة للتصدي لهذه التحركات والنتائج التي يمكن أن تخلص إليها، فلجأ إلى الشعبوية لدغدغة الرأي العام والضغط على الفرق البرلمانية لرفض أي رفع للحقوق الجمركية، ونجح في تحويل الدعوة إلى حماية المنتوج الوطني إلى محاولة للتأثير على المؤسسة التشريعية من أجل تحقيق مصالح شخصية.
للأسف وجدت أحزاب سياسية في هذه القضية، أيضا، فرصة لتصفية حسابات سياسوية، ولم تدرس الملف من كل جوانبه وخلفيات.
وهكذا يظل لوبي الاستيراد والشركات الأجنبية المصدرة للمادة الرابح الأكبر من رفض رفع الحقوق الجمركية على واردات ألياف البوليستر.
فما هكذا تورد الإبل يا نواب الأمة!