أطباء مغاربة اكفاء بلا حدود طبقية
إدريس الأندلسي
نعيش في بلادنا على ايقاعات اجتماعية و اقتصادية و سياسية و تكنولوجية تختلف جدا بين فئة و أخرى و منطقة و أخرى.
و هذا ما يسمى بالفوارق الإجتماعية و المجالية التي يعترف الجميع بضغطها على واقع المعيش اليومي للمواطن , و تترجم ثقله مؤشرات التنمية الاجتماعية المتواضعة جدا و أخرى تتعلق بوضع المرأة ، و بالأمية ،و بالولوج إلى المعلومة ، و بالرشوة و غياب كبير للنزاهة في تدبير الشأن العام .
و بالرغم من كل المعيقات التي تظهرها هذه المقدمة، وجب القول أن هناك إرادة سياسية لتقليص الفوارق التي تصنع حدودا بين أبناء الوطن الواحد الموحد.
و تظهر هذه الإرادة في كثير من الاوراش التي تم فتحها، ليس فقط، في مجال البنيات التحتية و لكن و بالأساس في القطاع الإجتماعي.
و توجد التغطية الإجتماعية على رأس الاوراش الكبيرة و الإستراتيجية التي تم اطلاقها قبل أقل من ثلاث سنوات.
تمت برمجة تنزيل هذا الورش تحت إشراف ملكي و هناك خطوات تم إنجاز مشاريعها.
و توجد التغطية الصحية من ضمن أولويات هذا المشروع الكبير.
و يظل العنصر البشري هو ذلك الرأسمال الضامن لتحقيق كل أهداف التغطية الصحية.
الطبيب و كل ممتهني الصحة هم فاعلون في إعطاء الفاعلية لعمل الدولة و بالتالي تقليص الفوارق الإجتماعية في الولوج إلى العلاجات.
تبين الصور التي تختزنها تجارب المواطنين مع قطاع الصحة الكثير من اليأس و شيء من الأمل في غد أفضل.
الأطباء هم من يصنعون هذا الأمل و هم من تقع على عاتقهم تنمية مستوى الخدمات الصحية.
و حين نتكلم على الأطباء و مستوى تكوينهم و التزامهم إتجاه المرض و المرضى، لا يمكن تحجيم تقييم خدماتهم من خلال الانتماء إلى القطاع العام أو القطاع الخاص. يوجد في كلا القطاعين أطباء لا يعترفون بمزاول للمهنة لا يخضع للتكوين المستمر و البحث المتواصل و الاجتهاد و السهر على التجويد المستمر للخدمات الصحية.
نحتاج، كما تحتاج كل الدول، إلى عدد أكبر من الأطباء و الممرضين و لكل مزاولي المهن المرتبطة بالصحة.
و لكل هذا لا زلنا نحتاج إلى الحكمة السياسية لدعم التكوين و توسيعه و تحفيز المهنيين و الحفاظ على مناعتهم ضد الهجرة ليس فقط إلى أوروبا و لكن أيضا إلى اقتصاد السوق.
كل من يتابع هذا القطاع الكبير يعرف أن هناك من يراكم الرأسمال ، و هذا شيء مشروع في ظل إحترام الأخلاق و القانون.
و لكن معاناة الفئات الإجتماعية في مواجهة المرض تبين أن هناك فئة همها تسليع الخدمات الصحية و مراكمة الثروات من خلال أرباح كبيرة.
و هناك أيضا أطباء لازالوا يرفعون راية الإلتزام في خدمة المريض مهما كانت ظروفه الإجتماعية.
و يظل السؤال الجوهري هو ربط كل مكونات المشروع الاستراتيجي للنهوض بقطاع الصحة فيما بينها.
تعتبر التغطية الصحية لبنة أساسية، لكنها لن تمكن من الولوج إلى العلاجات دون موارد بشرية كافية و تدبير قوي للبنيات الاستشفائية جهويا و محليا.
أجد نفسي في خانة من يدافعون عن تطوير و دعم و النضال من أجل المستشفى العمومي.
و أكبر الداعمين لهذا المستشفى هم الأطباء الذين يقدسون الأداء المهني في مجال الصحة.
و تظل منظومة الصحة رهينة بالتكوين على مدى الحياة المهنية للأطباء و بتوفير وسائل العلاج.
و من جميل ما يبعث على التفاؤل هو تفوق القدرات المغربية في مجال البحث الطبي.
أعرف بعض التجارب الناجحة للأطباء المغاربة الملتزمين بخدمة المريض كيفما كانت وضعيته في القطاعين العام و الخاص و في القطاع التعاضدي. و وجدت نفسي منشرحا أمام هذا الإلتزام.
و ما قادني إلى كتابة هذا الكلام هو ما اكتشفته من خلال متابعتي لمحاضرات طبية على الفضاء الأزرق. شاهدت عدة محاضرات لأستاذ مغربي متخصص في الطب الباطني يحترمه الكثير من زملاءه و طلبته و كثير من الباحثين.
هذا الأستاذ، الذي يفتخر بزملائه في كل القطاعات ، هو الدكتور هشام هرموش الذي لا يبخل على تقاسم كل تجاربه و علمه مع الجميع.
كل هذا مع حرصه الكبير على البحث على كل الوسائل التي ترفع الضغط المالي على المريض و أسرته لكي يستفيد من العلاجات الممكنة.
أصبحت متابعا، غير متخصص، لمحاضراته.
فرحت كثيرا حين شرح بعمق و بساطة العلاقة بين العامل الثقافي وعدم استفادة المواطنات المغربيات مما تتيحه أشعة الشمس من حصول على فيتامين ” د”. و هناك محاضرات أخرى متاحة للأطباء في مجال الطب الباطني هدفها التعامل العلمي و المنطقي مع الأمراض مع الحرص على إظهار فاعلية أدوية رخيصة و أكثرها علاجا فعالا في مواجهة لكثير من الحالات المرضية.
و أعرف أطباء آخرين في القطاع الخاص تسكنهم روح أداء الواجب رغم كونهم يدبرون مؤسسات خاصة.
و هؤلاء ليسوا مهووسين، كبعضهم، بالحرص على تسخير التجهيزات الطبية لتحقيق الكثير من العوائد المالية.
أعرف أن كل قارئ لهذه السطور قد واجه تجربة مع المرض و تشخيصه و معالجته و تكلفته.
و أعرف كذلك القطاع العام الصحي لا يستفيد إلا بحوالي 10% من أموال مؤسسات التأمين الإجباري عن المرض.
أعرف أن كثيرا من الأطباء يحرصون على الوفاء بالقسم المؤسس لدخولهم إلى ميدان الطب.
و لكن الأهم في الكلام عنهم هو وفاؤهم للواجب الأكبر و المتمثل في اجتهادهم للحصول على كل معلومة جديدة في مجال عملهم.
و هذا الأمر ينطبق على كل المهن و التخصصات. سقت مثالا و المؤكد أن هناك أطباء يشاركون بانتظام في الكثير من المؤتمرات الطبية و يدفعون مصاريف المشاركة في حلقات التكوين.
و هناك أيضا من يشاركون في هذه المؤتمرات كضيوف على مختبرات الأدوية و المستلزمات الطبية.