المغاربة والمرض النفسي المقلق!
المغاربة والمرض النفسي المقلق!
بمناسبة تخليد اليوم العالمي للصحة النفسية برسم سنة 2024، وخلافا لما كشفت عنه إحدى الدراسات العلمية الحديثة حول العبء العالمي للأمراض، من كون 17 في المائة فقط من المغاربة يعانون من مشاكل الصحة النفسية، حسب ما أعلنت عنه وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، فإن هناك دراسات علمية أخرى سبق لها أن أكدت على أن هناك حوالي 50 في المائة من المغاربة مرضى نفسيا، يرفض الكثيرون منهم زيارة الأطباء الأخصائيين خوفا من الوصم، ولاسيما في ظل ما بتنا نسجله في السنوات الأخيرة من غلاء وظلم وقهر وتهميش وارتفاع معدلات الفقر والبطالة واستهلاك المخدرات، وتزايد حالات العنف والطلاق.
والمرض النفسي مصطلح عام يشير إلى مجموعة من الأمراض، ويمكن اعتباره مشكلة صحية تصيب بصفة ملحوظة كيفية شعور المصاب وتفكيره وسلوكه وتفاعله مع الآخرين.
ويتم تشخيص المرض وفق معايير موحدة، كما يستعمل مصطلح الاضطراب النفسي للإشارة إلى هذه المشاكل الصحية، التي تعد أكثر انتشارا وتشمل المرض النفسي الذي يحدث أن يصاب به الإنسان بشكل مؤقت جراء ما يتعرض له من ضغوطات في الحياة اليومية.
وتختلف هذه الأمراض النفسية بأنواعها ودرجات حدتها، ومن بينها: الاكتئاب، القلق، الفصام، اضطراب المزاج الثنائي، اضطرابات الشخصية، الاضطراب في الشهية وعادات الأكل والسلوكيات التي تسبب الإدمان… وإذا كنا معرضين لمشاعر قوية من التوتر أو الخوف أو الحزن، فالمرض النفسي يظهر حين تصبح هذه المشاعر مشوشة ومستحوذة كليا على الشخص المصاب، الذي يعاني صعوبة في ممارسة نشاطاته اليومية كالعمل والترفيه والحفاظ على العلاقات الاجتماعية…
ونستحضر هنا تصريحات وزير الصحة الأسبق الحسين الوردي خلال عام 2016 التي أكد فيها على أن وزارته وضعت للمرة الأولى منذ استقلال المغرب مسألة الصحة النفسية والعقلية ضمن أولوياتها، وأنها عملت على إحداث آليات ناجعة من أجل احتواء الوضع المزعج ومعالجة المرضى النفسانيين، بواسطة إقرار المخطط الوطني للصحة النفسية الذي سبق تقديمه أمام جلالة الملك محمد الساس بمدينة وجدة.
ثم كشف فيما بعد عن نتائج المسح الوطني حول انتشار الاضطرابات النفسية وسط عموم السكان المتراوحة أعمارهم ما بين 15 سنة فما فوق، التي أظهرت أن حوالي 49 في المائة تعرضوا لاضطراب عقلي مرة واحدة على الأقل في حياتهم. فأين نحن اليوم من تلك الجهود المزعومة للحد من انتشار المرض وقد مر أزيد من سبع سنوات على تصريحات الرجل؟
ففي دراسة سابقة للمجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، كشفت عن معطيات جد صادمة، مؤكدة وجود ما لا يقل عن نصف المغاربة البالغين يعانون أو سبق لهم أن عانوا من اضطراب نفسي أو عقلي في إحدى مراحل عمرهم. وأبرزت أنه في مقابل تصاعد معدلات الأشخاص المصابين بأمراض نفسية، هناك خصاص مهول في عدد الأطر الصحية المكونة في المجال من أطباء وممرضين وغيرهم.
حيث لا يتجاوز عدد الأطباء النفسيين 454 طبيبا، فيما يبلغ عدد الأسرة الخاصة لمعالجة المرضى النفسيين 2431 سريرا فقط، مما يتضح معه أن استثمار الدولة في منظومة الرعاية النفسية مازال ضعيفا، ويستدعي التدخل على مستوى المحددات الاجتماعية والثقافية المؤثرة في الصحة النفسية للأشخاص، عبر التصدي لمشكل التمييز بمختلف أنواعه إلى جانب العنف والتحرش والفقر والوحدة، مع وجوب رصد مبكر لحالات الأفكار والسلوكيات الانتحارية لدى الأطفال والشباب في الوسط العائلي وداخل المؤسسات التعليمية ومقرات العمل والحرص على التكفل بها.
وجدير بالذكر أنه في سياق يتميز بتنامي حالات الاكتئاب والاضطرابات الذهنية، وكذا حالات الإدمان والسلوك الانتحاري، في مقابل ندرة الموارد البشرية المتخصصة وضعف الطاقة الاستيعابية السريرية بالقطاعين الخاص والعام، طالب برلمانيون في مجلس النواب إبان جلسة يوم الإثنين 19 دجنبر 2022 بضرورة فتح نقاش حول موضوع: “الصحة النفسية في المغرب”.
وهو ما دفع بوزير الصحة والحماية الاجتماعية خالد آيت الطالب إلى الكشف عن معطيات وأرقام مثيرة حول الخصاص الصارخ الذي يعاني منه المغرب على مستوى الموارد البشرية في مجال الصحة النفسية والعقلية، حيث أماط اللثام عن الوضع المقلق، مبرزا بأن قلة الأطر المتخصصة تشكل عائقا كبيرا يحول دون إصلاح وتحسين الرعاية الصحية النفسية. وقد أوضح أن عدد الأطباء الاختصاصيين في الطب النفسي الذين التحقوا سنة 2021 لا يتجاوز 11 طبيا و15 آخرين سنة 2022. وأضاف بأن المغرب يتوفر على أقل من طبيب نفساني واحد لكل مائة ألف نسمة، وهو أقل بكثير من المعدل العالمي والأوروبي المقدرين ب”1,7″ و”9,4″، فيما لا يتعدى عدد المساعدات الاجتماعيات في القطاع العام 14 مساعدة فقط.
إنها فعلا أرقام جد مقلقة ومرعبة، ويمكن للوضع أن يستفحل ويتجاوز عدد المرضى نفسيا بالمغرب أكثر من النصف إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه من ترد.
لذا بات لزاما على مدبري الشأن العام مضاعفة الجهود في اتجاه وضع خطة فعالة وسياسة عمومية صحية واضحة في هذا المجال، توفير الموارد البشرية الضرورية، النهوض بمهنة الطبيب الأخصائي النفسي، الرفع من الطاقة الاستيعابية للمرضى ومن جودة الرعاية النفسية والعقلية المقدمة للمرضى، دون إغفال تحسين ظروف عيش المواطنين وتوفير فرص الشغل الملائمة للحاصلين على الشهادات العليا وغيرهم، مراجعة أسعار العلاج والأدوية، والتحسيس بالمرض النفسي والعقلي للحد من النظرة السلبية السائدة.
اسماعيل الحلوتي