لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون الملعون!

لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون الملعون!

      في زمن انقلبت فيه الموازين على عدة مستويات حتى أنه بات من الصعب على الكثير من المواطنات والمواطنين المغاربة حماية أنفسهم مما أصبح يتهدد حياتهم من مخاطر، وخاصة على مستوى الأمراض المعدية والفتاكة، إثر تفشي الفيروسات رغم وجود اللقاحات.

والأخطر من ذلك أن تتطور بعض الأمراض التقليدية وترتفع درجة خطورتها، بعد أن كانت مقاومتها في السابق لا تستدعي سوى القليل من الأعشاب البسيطة والبخور، ومن ضمنها داء الحصبة المعروف عندنا ب”بوحمرون”.

      ولمن لا يعرف داء الحصبة “بوحمرون”، فهو من الأمراض الوخيمة والشديدة العدوى، التي لها مضاعفات وعواقب خطيرة مدى الحياة، ينجم عن فيروس معد يؤدي إلى التهاب بالمسالك الهوائية التنفسية، وينتشر بسرعة بين الأشخاص غير الملقحين. وقد تصل خطورته أحيانا حد الموت لدى الأطفال الصغار وغيرهم من الأشخاص الذين لم يستفيدوا من جرعات التلقيح اللازمة، حيث تشير التقديرات إلى حدوث ما بين 30 و40 مليون حالة منه سنويا عبر مختلف أرجاء العالم، ويموت بسببه قرابة مليون شخص. وغالبا ما يبدأ ظهوره عبر حمى بسيطة مرفوقة بسعال متواصل، زكام، احمرار في العينين وأوجاع في الحلق، بعد يومين إلى ثلاثة أيام تظهر العلامة الأكثر وضوحا للإصابة، وهي الطفح الجلدي (بقع حمراء) في الوجه ثم ارتفاع الحرارة إلى 40 أو 40,5 درجة.

      فمن منا نحن المغاربة كان يخطر بباله أن يأتي يوم يتحول فيه “بوحمرون” الملعون بيننا إلى وباء، ويخلق حالة من الرعب في المجتمع، خاصة بعد أن انتشر بين النزلاء والموظفين في السجون وتلاميذ المدارس؟ ذلك أن المغرب كان في السابق يلتزم بالتلقيح ضد المرض بنسبة تتجاوز 95 في المائة، غير أنه مع انخفاض هذه النسبة وخاصة بعد تفشي جائحة “كوفيد -19” وانخفاض مستوى الترصد الوبائي، أخذ المرض في الانتشار بشكل أسرع وأوسع. إذ أنه حسب إحصائيات مديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض في وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، أودى منذ بداية انتشاره في شتنبر 2023 إلى غاية شهر يناير 2025 بحياة 120 شخصا جراء مضاعفاته، حيث سجلت أغلب الوفيات في أوساط الأطفال دون سن الخامسة من العمر، وكذلك البالغين أكثر من 37 سنة، فيما بلغ عدد المصابين المؤكدين إلى ما يفوق 25 ألف بين الرضع والأطفال والبالغين. وهو ما يؤكد أن الوضعية أضحت مقلقة، لأن المغرب لم يكن يشهد في السنين الماضية أكثر من أربع حالات من الإصابة بالمرض سنويا.

      وفي هذا السياق عزت الحكومة عبر ناطقها الرسمي مصطفى بايتاس يوم الخميس 23 يناير 2025 عقب المجلس الحكومي الأسبوعي أسباب عودة “مرض بوحمرون” وانتشاره الواسع خاصة بين الأطفال، إلى تراجع تلقي اللقاحات الطبية في السنوات الأخيرة التي تلت جائحة كورونا وانتشار المعلومات الخاطئة التي تخيف المواطنين من عملية التلقيح، مشددة على أنه ليس هناك من وسيلة لمكافحة مثل هذه الأنواع من الفيروسات أفضل من التلقيح، لاسيما التلقيح المبكر في السنوات الأولى. ولهذه الأسباب وغيرها، أرست الحكومة نظاما لليقظة والتتبع في 12 مركزا إقليميا للطوارئ الصحية وإطلاق حملة وطنية عاجلة للتلقيح ضد “بوحمرون” وأمراض أخرى منذ 28 أكتوبر 2024 التي مازالت مستمرة بعد أن تقرر تمديد مدتها، لكل غاية مفيدة.

      ووفق ما كشفت عنه تقارير مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، وهيئة الخدمات الصحية في المملكة المتحدة والسلطات الصحية الأخرى في جميع أرجاء العالم، فإن الشخص المصاب بداء الحصبة يظل معديا لمدة لا تقل عن أربعة أيام بعد ظهور الطفح الجلدي، وأن حوالي تسعة من كل عشرة أشخاص غير محصنين باللقاح، سيصابون بكل تأكيد بالعدوى مباشرة بعد التعرض لفيروس الحصبة.

إذ لا يمكن الوقاية منه إلا بالحصول على جرعتين من اللقاح الموصى بهما من قبل منظمة الصحة العالمية، التي ما انفكت تدعو إلى ضرورة تلقي الجرعة الأولى من لقاح “إم إم أر” عند عمر تسعة شهور في البلدان التي ينتشر فيها الداء، والحصول على الجرعة الثانية في وقت لاحق خلال مرحلة الطفولة، للأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و18 شهرا.

      وإذا كانت الحكومة التي عودتنا على محاولة التملص من مسؤوليتها وسياسة الهروب إلى الأمام، تحمل مسؤولية تصاعد حالات الإصابة بمرض “بوحمرون” لانتشار الشائعات والمعلومات غير الموثوق بصحتها التي تحول دون استفادة الفئات المعنية من التطعيم، فإن الكثير من الهيئات الحقوقية والجمعيات الصحية ترى أن الأمر يعود بالأساس إلى فشل وزارة الصحة في القيام بما يلزم من تدابير استباقية، وعدم توفرها على كافة المعطيات حول خريطة التمنيع والأسر التي لم يستفد أبناؤها من استكمال التلقيح، لمواجهة فيروس الحصبة، خاصة بعد أن حذرت منظمة الصحة العالمية من ذلك منذ سنة 2023…

      وعلى هذا الأساس وتفاديا للمزيد من الضحايا، بات لزاما علينا جميعا كل من موقعه في البيت والمدرسة والمراكز الصحية ووسائل الإعلام وغيرها، تكثيف الجهود نحو التصدي لهذا الوباء الخطير، الذي يهدد حياة آلاف المواطنات والمواطنين صغار وكبارا، من خلال دعوة الفئات المعنية بالتلقيح سواء منهم من تلقوا جرعة واحدة فقط أو من لم يتلقوا أي جرعة، إلى التعجيل بذلك وتجاهل كل ما يروج من مزاعم باطلة ومضللة على منصات التواصل الاجتماعي.

اسماعيل الحلوتي

 

 

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*