منذ عدة أسابيع ومع اقتراب تاريخ 31 مايو الذي يخلد لليوم العالمي لمحاربة التدخين، يثير نقاش ساخن اهتمام النمساويين بين معارضين ومؤيدين للتدخين في المقاهي والمطاعم والأماكن العمومية. وتصاعدت حدة النقاشات لدرجة تنظيم مظاهرة أمام البرلمان في فيينا في 29 أبريل الماضي للتعبير عن رفض مشروع قانون تقدمت به الحكومة الفيدرالية يهدف الى المنع الكامل للتدخين في المقاهي والمطاعم بحلول العام 2018. وتعد النمسا من البلدان الأوربية القلائل التي لا تفرض لحد الآن حظرا شاملا على التدخين في الأماكن العمومية، كما أن تشريعاتها في هذا المجال هي الأقل صرامة، فالمدخنون مايزالون أحرارا في نفث سموم السجائر بكل حرية داخل المقاهي والمطاعم والمكاتب والاسواق الكبرى، وبكل شراهة كما هم متعودون. وعلاوة على ذلك تمارس غرفة التجارة النمساوية ضغوطاتها ضد أي حظر محتمل للتدخين في المطاعم معللة ذلك بالاستثمارات الكبيرة (نحو 100 مليون أورو) والتي تقول إن أرباب المطاعم صرفوها تبعا لقانون تنظيم التدخين في الأماكن العمومية الذي دخل حيز التطبيق في 1 يناير 2009 والذي منح استثناءات كبيرة للمقاهي والمطاعم. ولهذا الغرض صرح وزير الاقتصاد رينهولد ميترليهنر وهو أيضا زعيم الحزب الشعبي النمساوي الذي يشكل الائتلاف الحاكم مع الديمقراطيين الاجتماعيين غداة الإعلان عن مشروع القانون الجديد “إننا نسعى لمزيد من الحماية لغير المدخنين في النمسا، ولكن نأخذ بعين الاعتبار مصالح أصحاب المقاهي والمطاعم بالنظر للأموال التي صرفوها من أجل تهيئة الفضاءات الخاصة داخل المطاعم للمدخنين وغير المدخنين. نفس التصريحات الضبابية تقريبا ألقتها شهرا قبل ذلك زميلته في الحكومة المكلفة بالصحة سابين أوبرهوسر والتي مع تعبيرها عن الأمل في حظر نهائي للتدخين داخل المقاهي والمطاعم، فقد أشارت الى أن أي قرار لا يمكن اتخاذه بدون استشارة مع أصحاب المقاهي والمطاعم. ويتمسك هؤلاء بضرورة عدم سن أي قانون جديد ويقولون إن قانون 2009 كاف لتنظيم التدخين على الرغم من أنه قانون قديم لا يلبي رغبات غير المدخنين. ويثير هذا النقاش مزايدات سياسية بالنسبة لحزب أقصى اليمين (حزب الحريات) والذي وعد زعيمه هانز كريستيان ستراش بإلغاء قانون الحظر التام للتدخين في حال فوز حزبه في الانتخابات التشريعية للعام 2018. ويبين ذلك مدى الانقسام الذي يثيره هذا المشروع داخل المجتمع النمساوي والذي جعل منه اليمين المتطرف حصان طروادة في سعيه للوصول الى السلطة. أما في الجناح المؤيد للحظر التام والنهائي للتدخين فيأتي الأطباء والذين يعبرون عن تأييدهم الكامل للمشروع كما يطالبون بالتسريع بالمصادقة على القانون وتنفيذه بدون إبطاء بدل تحديد تاريخ 1 مايو 2018 لدخوله حيز التنفيذ. كما أوصت هيئات الأطباء في توصياتها بتوسيع الحظر ليشمل مواقف الحافلات والقطارات في محيط من 15 مترا علاوة على حظر التدخين داخل السيارات عندما يكون أطفال من بين الركاب. ويحظر قانون 2009 في النمسا بالفعل التدخين في الأماكن العمومية لكنه ينص على استثناءات في قطاع المطاعم والمقاهي حيث ان المحال التي تقل مساحتها عن 50 متر مربع بإمكان أصحابها الاختيار بأن تكون بالكامل خاصة بالمدخنين أو بغير المدخنين، وبالنسبة لتلك التي تفوق مساحتها ال 50 مترا ينص القانون ،خلاف ذلك، أنه بإمكان صاحب المحل تخصيص جناح معزول للمدخنين. ومن خلال مشروع القانون الجديد تسعى الحكومة النمساوية لتقريب وجهات النظر ولهذا الغرض أقرت تحفيزات للراغبين في الامتثال لقرار المنع حتى قبل دخوله حيز التنفيذ، تحفيزات ربما تثير اهتمام البعض في مسعى للتخفيف من الخسائر المتوقعة بالنظر للإقبال المفرط للنمساويين على السجائر، ذلك أن أي حظر قد يهدد ببوار تجارتهم
Get real time updates directly on you device, subscribe now.