تحقيق-مصريون يفرون من جحيم الفقر إلى الموت في صحراء ليبيا
في غرفة خاوية إلا من ملاءة مفروشة على الأرض الترابية ووسادة صغيرة وقليل من الأواني وموقد غاز كان يعيش يوسف عبد الله محمود في قرية فقيرة في صعيد مصر قبل أن تتلقى زوجته وأطفاله الثلاثة نبأ موته في صحراء ليبيا.
كانت هذه الغرفة المبنية من الطوب اللبن ويغطيها الخشب كل ما يملكه المزارع الفقير الذي قضى نحبه جوعا وعطشا في صحراء ليبيا مع 21 مصريا آخرين على الأقل في وقت سابق هذا الشهر وهم في طريقهم للبحث عن فرصة عمل في الدولة التي مزقتها الحرب بعد أن ضاقت بهم السبل في بلدهم.
وقال عبد الله محمود والد يوسف “ظروف يوسف كانت سيئة جدا.. هو لو كان لاقي (عمل) هنا مكانش سافر. حبيت أمنع المكتوب مقدرتش.. سافر بدون علمي”.
ووقع هذا الحادث بعد أكثر من عامين من ذبح 20 مصريا مسيحيا بعد أسابيع من خطفهم في ليبيا على يد متشددين ينتمون لتنظيم الدولة الإسلامية.
وكان عدد كبير من هؤلاء الضحايا المسيحيين من أبناء قرية العور التابعة لمركز سمالوط بمحافظة المنيا جنوبي القاهرة. وقال أقارب لهم في العور آنذاك إن الفقر والبطالة يدفعان رجال القرية وغيرها من قرى صعيد مصر للمخاطرة بحياتهم والبحث عن فرص للعمل في ليبيا رغم ما تشهده من أعمال عنف.
وبالقرب من قرية العور تقع قرية طرفا الكوم التي ينتمي لها يوسف واثنان آخران من الضحايا الذين أعلن الهلال الأحمر الليبي العثور على جثثهم هذا الشهر في صحراء جغبوب على مسافة حوالي 400 كيلومتر جنوبي طبرق وقال إنهم دخلوا ليبيا سيرا على الأقدام فيما يبدو وماتوا من الجوع والعطش.
والقتلى من محافظات مختلفة من بينها المنيا وأسيوط وكفر الشيخ. وقالت وزارة الهجرة المصرية يوم 11 يوليو تموز إن المعلومات الواردة من الهلال الأحمر الليبي تفيد بالعثور على 22 جثة وأضافت أن الجثامين دفنت في ليبيا.
وروت أسر الضحايا الثلاث لرويترز كيف ضاقت السبل بأبنائها في مصر بسبب الفقر وندرة فرص العمل وهي نفس المشكلات التي كان يعاني منها قتلى قرية العور.
وقالت والدة يوسف إن نجلها “سافر من الجوع… الظروف مطينة بطين”.
وكانت الأم المكلومة تشير إلى الأحوال المعيشية الصعبة التي تفاقمت بسبب إجراءات اقتصادية قاسية بدأت الحكومة في تطبيقها منذ العام الماضي تنفيذا لبنود اتفاق للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
وشملت هذه الإجراءات تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار وخفض دعم الوقود والكهرباء وزيادة أسعارها أكثر من مرة بهدف إعادة الاستثمارات الأجنبية التي تراجعت بسبب الاضطرابات السياسية عقب انتفاضة 2011.
وكان يوسف مزارعا أجيرا مقابل 50 جنيها (نحو 2.7 دولار) في اليوم، لكن هذا العمل لم يكن متاحا كل يوم. وكان يسافر أحيانا إلى القاهرة بحثا عن لقمة العيش. ويبلغ أكبر أولاده من العمر ست سنوات.
وسافر شقيقا يوسف إلى ليبيا في السابق حين كانت الأوضاع فيها أفضل وتمكنا من بناء منزل بالطوب والأسمنت من طابقين على جزء من قطعة أرض مملوكة للأب. وخطط يوسف للسفر بعدما عجز عن توفير أي أموال لبناء منزل له على ما تبقى من الأرض لكن القدر لم يمهله لتحقيق هذا الحلم.
* تجار الأرواح
قال أهالي بعض الضحايا إن وسيطا من قرية مجاورة تلقى أموالا من أبنائهم مقابل تسفيرهم بصورة قانونية عبر منفذ السلوم البري، لكنه خدعهم وسلمهم لمهربين تركوهم في الصحراء الليبية بدون ماء أو طعام.
وأضافوا أن الوسيط يتلقى ما بين خمسة آلاف وسبعة آلاف جنيه من كل فرد ويتسلم جزءا من المبلغ قبل السفر وبقيته بعد الوصول.
رويترز