الملك محمد السادس في مراكش وها فين صلى صلاة الجمعة
أدى أمير المؤمنين الملك محمد السادس، اليوم، صلاة الجمعة بمسجد “الكتبية” بمراكش.
وفي مستهل خطبته، أكد خطيب الجمعة، أن القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، هما المصدران الأصليان للشريعة وأحكامها ومكارم أخلاقها، مذكرا بأن الأجيال الخمسة بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام قد تناقلت سنته التي تركها رواية، من سيرته العطرة وأقواله وأفعاله وتقريراته، وهو الحديث النبوي الشريف، ثم بدأ بعض أئمة المسلمين بجمعها من الرواة وتدوينها كتابة بعد ما يقرب من قرن ونصف.
وأوضح أن أئمة المسلمين حرصوا حرصا شديدا على التأكد من صحة الأحاديث المروية، وبلغوا في ذلك الحرص درجة عالية من الدقة في الضبط العلمي، ووضع قواعد الفحص التي سموها بالجرح والتعديل، واهتموا على الخصوص بعدالة الرواة من حيث استحقاق الثقة، ونظروا في المضمون على ضوء القرآن وروح الهدي النبوي وروح الشريعة عامة.
ومع هذا الحرص، يضيف الخطيب، ظل المسلمون إلى يومنا هذا، على درجة من اليقظة في ما يتعلق بالتعامل مع الحديث، وكلما ساورهم الشك في شيء منه، ردوه إلى العلماء الذين يجمعون بين الصدق والنباهة والعلم المتين، لأنهم يعرفون أن الحديث قد عبث فيه، عبر التاريخ، ثلاثة أصناف من المروجين هم أعداء الدين، وأصحاب الفرق من المغرضين المنحرفين، وفريق ممن حسنت نيتهم وركزوا على ظاهر السند دون التنبه إلى عواقب تقبل المضمون.
وأبرز أن الوقت الراهن شهد ظهور “أمر جديد ينبغي التنبه إليه غاية الانتباه، وهو نشر الحديث بوسيلة شبكة التواصل المسماة بالأنترنيت، فساحة هذه الشبكة، لسهولة استعمالها، مليئة بالأحاديث، وفيها ما هو صحيح، وما هو ضعيف، وما هو منكر، وما هو مناقض لروح الشريعة وهدي الدين ونتائج العلم وتمييز العقل السليم”.
وشدد خطيب الجمعة على أن الدين “علم لابد أن يؤخذ عن العلماء ممن شهد الناس بعلمه وتقواه وحكمته مع الاحتياط من الأصناف الثلاثة التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الجاهلون والمبطلون والغالون، أي المتطرفون”.
ومن أمثلة الأحاديث التي في شبكة الأنترنيت ووجب عدم قبولها، عدد الخطيب أحاديث الانتقاص من المرأة، كالذي جاء فيه أنه لو جاز السجود للبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولا يصح هذا مع قوله تعالى “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف”.
وأشار إلى أن من الأحاديث ما تظهر صحة سنده ولكنه مردود من جهة فقه الحديث كحديث إرضاع المرأة، ليكون ابنها في الرضاعة، من تريد أن يدخل عليها من الكبار، ملفتا إلى أن من الأحاديث ما صحح سنده بعض الأئمة ولكنه مردود من جهة تعليل الشرع، كحديث قتل الحيوان المعروف بالوزغ (جمع وزَغَة) وأن في قتله أجرا، فربط الأجر بالقتل يناقض أصول الشريعة وما تدعو إليه من رفق بالحيوان.
وذكر أن من هذه الأحاديث ما يعارض مضمونها ما جرى به العمل مثل حديث قتل الكلب غير العقور، تناقضه أحاديث أخرى مثل حديث “في كل كبد رطبة أجر” وهو عام في عدم جواز قتل شيء من الحيوان، ومنها بعض الأحاديث التي تدخل في ما يسمى بالطب النبوي، كما أن “من الحديث ما صح سنده عند بعض الناس ولكن الحس يكذبه”، ومنه أيضا “ما تقوم شواهد العلم على بطلانه مثل حديث “إن الأرض تقوم على صخرة والصخرة على قرن ثور فإذا حرك الثور قرنه تحركت الصخرة فتحركت الأرض ووقع الزلزال”.
وأضاف أن من الأحاديث كذلك التي يروج لها المغرضون، أحاديث تمس العقيدة على مذهب التجسيم كحديث إقعاد الله لنبيه على العرش، وهو يتضمن ما لا يجوز على الله تعالى من المحدودية. ومنها الحديث الذي ورد فيه “خلق الله آدم على صورته” فهو وإن صححه البعض مردود من جهة استحالة المعنى.
ومنها أحاديث فيها غلو في الإمام علي رضي الله عنه كقولهم: “علي خير البشر ومن أبى فقد كفر”. ومنها أحاديث الطعن في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وخاصة ما كان من طعن في عائشة رضي الله عنها ورميها بما برأها الله منه.
وشدد الخطيب على ضرورة الحرص على الاستفادة السليمة من وسائل التقدم التكنولوجي كشبكة الأنترنيت، ولكن ينبغي الحذر الشديد مما ينشر فيها من جهة الدين، الذي ينبغي الرجوع فيه للعلماء، لاسيما في ما يتعلق بالحديث الشريف، فمن مسؤولية كل مسلم ألا يقبل من الحديث ما هو مناقض لما جاءت به السنة الصريحة مناقضة بينة، فكل ما يقدم على أنه حديث ولكنه يشتمل على فساد أو ظلم أو عبث أو مدح باطل أو ذم حق أو نحو ذلك، فرسول الله صلى الله عليه وسلم منه بريء.
وفي الختام، رفع الخطيب وجموع المصلين أكف الضراعة إلى العلي القدير بأن ينصر أمير المؤمنين نصرا عزيزا يعز به الدين، ويعلي به راية الإسلام والمسلمين، ويسدد خطاه، ويحقق مسعاه، وبأن يحفظه في ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، ويشد عضد جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وسائر أفراد أسرته الملكية الشريفة.
كما تضرعوا إلى الله جل جلاله بأن يتغمد برحمته الواسعة الملكين الجليلين، محمدا الخامس والحسن الثاني، ويطيب ثراهما، ويكرم مثواهما.
ومع