السيدة هيلين اليوسفي
حسن نجمي
السيدة هيلين اليوسفي،
خالص العزاء
من الآن فصاعدًا لن يعود . سنَفتَقدُه جميعًا، أنتِ وأنا والآخرون الذين عاشوا معه، والذين التحقوا به في الطريق، والذين أحبوه، والذين أخلصوا لأفقه، والذين اتفقوا واختلفوا معه بنبل، والذين صدقوا فكرته، والذين اقتسموا خطوته، والذين خبِروه، والذين اتهموه، والذين حاكموه، والذين . والذين. وأبناءُ الذين.
وحتى الذين خاصموه، والذين عادَوْه، والذين كرهوا شارعًا باسمه، وكرهوا كتيبةً باسمه، وكرهوا صَوْتَه، وكرهوا صِيتَه ، وكرهوا صمْتَه…، سيفتقدونه.
والآن ،
عليهم جميعًا أن يُعدّلوا الساعاتِ في ساعاتِ اليد، وفي ساعاتِ الرمل والحيطان.
عليهم أن يُعدّلوا ساعتهم البيولوجية.
لم يعُدِ الوقتُ هو الوقت. فليراجع كلٌّ دوافعه، ولنبدأ من جديد.
لقد عاش اليوسفي حياته كاملةً بعزة نفْسٍ، بزُهدِ وليٍّ صالح، وبأَنَفَةِ نسرٍ في الأعالي، ورأى كلَّ شيء و كلَّ أحدٍ إلى أن لم يبقَ مايراه، فانسحب متأثرًا بنقصٍ في الهواء،
لأن الهواءَ من حوْلِهِ صار فاسدًا.
شكرًا ،أخانا سي عبد الرحمن على كلِّ شيء. شكرًا للملك المحترم الذي تنصّل من الصّفِّ والرُّتبَةِ وآثَرَ أن يُقبّلَ جبينَ أبٍ.
شكرًا للأطباء والممرضين والممرضات، وللمسعفة الكريمة الطيبة، ولحلقة الأصدقاء الخُلَّص الذين ظلوا يترددون، ويسألون، وينصتون، ويتحدثون. شكرًا حتى للمنافقين والطفيليين والممالئين،فلابد من بعضٍ من الخطأ لتأثيث الكون الذي يملؤه الصوابُ والجَمالُ وصفاءُ الشعْر . والشكر موصول إلى قاريء القرآن ، وإلى حفّار القبر .
والشكرُ والمجدُ للتراب الذي آلَ إليه هذا النقيُّ، النزيهُ، الحكيمُ ، الجسُورُ، الذي عاش يقول : لا، بشجاعة. ويقول : نعم، بشجاعة أيضا ، حين كان ينبغي أن تُقالَ في زمانٍ أو في مكانٍ كان لابد فيه من شجاعة، ذلك لأن ” السياسة ليست فيها شركاتُ تأمين !”( والعِبَارةُ له ).
سي عبد الرحمن، أحببناكَ دائما.
ودائما سنُحبّكَ حيًّا وحيًّا ممتنّينَ لأُلفةِ روحكَ ، ولوقعِ الفراشة في يدكَ التي كانت ترَبِّتُ وتلمس وتُحيّي وتلوِّحُ من نبضٍ قريبٍ، ومن منفًى بعيد.
أخانا الأعز، هل أصدُقُكَ القول ؟ إنه فقدانٌ شخصيٌّ . وقد دفنتُ معكَ بعضًا مني ، خصوصًا في هذه اللحظة بالذات التي نعبُرُها على قارِبٍ يتمايلُ، لحظة صرتُ أخجلُ فيها من نفسي وربما من وجودي، حتى إنني لو التقيتُ شهيدًا من أصحابنا لاتّكأتُ على صدْرِهِ وبكيتُ معتَذِرًا .