بمناسبة اليوم الدولي للتعليم، (24 يناير)، الذي يمثل محطة أساسية لتقييم وضعية التعليم وتعزيز الجهود لضمان هذا الحق للجميع، سلطت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان الضوء على واقع التعليم في المغرب خلال الموسم الدراسي 2024-2025، إيمانا منها لما يمثله التعليم من حق دستوري أساسي، ومن التزامات قانونية على الدولة وفق المواثيق الدولية، حيث يعتمد المكتب المركزي للعصبة في هذا البيان على تحليل شامل للأوضاع الحالية، مع التركيز على الجوانب الحقوقية والقانونية والاجتماعية، واستعراض التحديات البارزة التي عانت منها المنظومة التعليمية خلال هذا الموسم.
وقالت العصبة الحقوقية ” بلغ عدد المسجلين في التعليم بمختلف مستوياته خلال الموسم الدراسي 2024-2025 ما يزيد عن 8.1 مليون تلميذ وتلميذة، موزعين بين التعليم العمومي الذي يستوعب الغالبية العظمى، والتعليم الخاص.
وقد ساهمت الجهود الحكومية في تعزيز العرض المدرسي عبر إحداث 189 مؤسسة جديدة، أكثر من ثلثيها في المناطق القروية، مع توفير نحو 3,492 قاعة دراسية إضافية و15 داخلية جديدة، ومع ذلك، لا تزال الإحصائيات تشير إلى استمرار الفوارق المجالية والاجتماعية، حيث يعاني سكان القرى والجبال من نقص في البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك النقل المدرسي والمرافق الصحية، مما يحد من قدرة الأطفال على الالتحاق المنتظم بالتعليم.
ورغم استفادة أكثر من ثلاثة ملايين تلميذ من برامج الدعم الاجتماعي مثل “تيسير”، قبل أن تتراجع الحكومة عن هذا البرنامج مرسم 2022/2023، مثل ما تراجعت على برنامج مليون محفظة سنة 2024/2023، فإن الفقر يظل عائقاً أمام تعليم العديد من الأطفال، خاصة في المناطق القروية، وفي صفوف الفتيات على وجه الخصوص اللواتي يعانين من مشكلات تتعلق بالهدر المدرسي، حيث تدفعهن الظروف الاجتماعية والاقتصادية إلى ترك المدرسة مبكراً، كما أثبتت تقارير رسمية أن نسبة كبيرة من هؤلاء الفتيات يُحرمن من التعليم بسبب بعد المدارس عن أماكن سكنهن وغياب بيئة تعليمية آمنة ودامجة.
وبناء على تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين فإن :
– أزيد من 300 ألف تلميذ تلميذة يغادرون المدرسة المغربية كل سنة دون الحصول على أي شهادة تعليمية، كما ان معظم هؤلاء المنقطعون ينحدرون من الأوساط الهشة مما يكرس الفوارق الاجتماعية.
– أكثر من نصف عدد المتعلمين المنقطعين (160 ألف بما يمثل 53 %)، غادروا المدرسة من سلك الإعدادي مما يعكس غياب وضعف بنيات استقبال المتعلمين بعد حصولهم على الشهادة الابتدائية وخاصة الفتاة القروية إذ تتجاوز نسبة المنقطعين في الوسط القروي 80 % مقابل 20 % بالوسط الحضري.
ما تزال المدرسة المغربية العمومية لا تضمن اكتساب التعلمات الأساس ولا تحظى بثقة المواطنين، حيث خلصت نتائج البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات PNEA سنة 2019 والذي بناء عليه تم إعداد خارطة الطريق 2022/2026، إلى أن 70 % من المتعلمين لا يتحكمون في المقرر الدراسي عند استكمالهم التعليم الابتدائي، وأن هذه النسبة ترتفع إلى 90 % عند استكمال السلك الإعدادي.
كما تؤكد التقييمات الدولية (TIMSS- PISA – PIRLS) ، ونتائج البرنامج الوطني للتقييم، تذيل المغرب الترتيب في اختبارات الرياضيات والقراءة والعلوم، مع تسجيل تراجع المغرب ب 67 نقطة في العلوم وهي النتيجة الأسوء منذ 25 سنة أي منذ أول مشاركة للمغرب في هذه التقييمات.
و يعاني التعليم العمومي من تحديات كبرى على مستوى جودة الخدمات التعليمية، من قبيل الاكتظاظ في الفصول الدراسية الذي يعد أبرز مظاهر هذا التحدي، حيث يصل عدد التلاميذ في بعض الأقسام إلى أكثر من 50 تلميذاً، مما يؤثر سلباً على تفاعل التلاميذ مع المحتوى الدراسي وعلى أداء المدرسين الذين يواجهون ضغطاً هائلاً في ظروف عمل صعبة، رغم توظيف أكثر من 18 ألف أستاذ جديد هذا الموسم، حيث إن النقص في الكوادر التربوية، خصوصاً في المواد العلمية والتقنية، لا يزال يشكل عائقاً أمام تحسين جودة التعليم.
أما على صعيد التعليم الرقمي، ورغم الجهود المبذولة لتعميم استخدام التكنولوجيا في التعليم، إلا أن الفوارق الرقمية بين المناطق الحضرية والقروية تعكس تحدياً كبيراً، فالعديد من المدارس القروية تفتقر إلى بنية تحتية تمكنها من الولوج إلى التعليم الرقمي، كما أن الأسر ذات الدخل المحدود لا تستطيع توفير الأجهزة التكنولوجية الضرورية، مما أدى إلى تزايد الهوة بين تلاميذ المدن والقرى، ويكرس عدم المساواة في فرص التعليم.
ولم تحظ حقوق الأطفال في وضعية إعاقة في التعليم بالاهتمام الكافي خلال الموسم الدراسي 2024-2025، إذ ومع وجود أقسام دامجة ومبادرات تهدف إلى دمجهم في المنظومة التعليمية، إلا أن غياب التجهيزات المناسبة والموارد البشرية المؤهلة يجعل من التعليم بالنسبة لهؤلاء الأطفال أمراً بالغ الصعوبة ، كما أن السياسات التعليمية الموجهة لهذه الفئة لا تزال تفتقر إلى رؤية شمولية تضمن حقهم في التعليم على قدم المساواة مع أقرانهم.
كما يتسبب غياب التعميم الكامل لقاعات الموارد الخاصة بالتأهيل والدعم الموجهة للأطفال في وضعيات صعبة، والجمع بين حضور الفصول الدراسية العادية، في الاستفادة من الدعم المتخصص داخل هذه القاعات.
ويواجه التعليم الجامعي بدوره تحديات تتعلق بالجودة والمواءمة مع متطلبات سوق العمل، ما يفسر الارتفاع المهول في نسب البطالة بين الخريجين، التي يقابلها ارتفاع عدد الملتحقين بالجامعات،مما يعكس خللاً في السياسات التعليمية التي لا تزال تركز على الكم على حساب الكيف، وضعف الاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجيا الذي يزيد من الفجوة بين الجامعات المغربية ونظيراتها على المستوى الدولي، مما يحرم الشباب المغربي من فرص اكتساب المهارات التي تؤهلهم للمنافسة في الاقتصاد العالمي.
ان محاربة الأمية، ورغم الجهود الوطنية المبذولة في هذا المجال، تظل إحدى القضايا الحقوقية الكبرى في المغرب، حيث تشير الأرقام إلى أن نسبة الأمية في صفوف الكبار لا تزال تفوق 25%، مما يشكل عائقاً أمام تحقيق التنمية المستدامة.
ويُعد ضعف برامج محو الأمية في المناطق النائية والقروية إحدى أهم الإشكالات التي تتطلب تدخلاً عاجلاً.
وأثرت التحديات الاقتصادية بشكل مباشر على التعليم خلال الموسم الدراسي 2024-2025، حيث أجهزت الأزمة الاقتصادية الوطنية على القدرة الشرائية للأسر، مما زاد من معدلات الهدر المدرسي؛ رغم ادعاء الحكومة دعمها لأثمنة الكتب المدرسية وبرامج الإطعام والنقل المدرسي، حيث إن هذه التدابير، وان وجدت، لا تغطي كافة احتياجات التلاميذ، خصوصاً في المناطق الهشة.
أما على مستوى المناهج الدراسية، فإنها لا تزال تفتقر إلى مقاربة شمولية تعزز التفكير النقدي والإبداعي لدى التلاميذ، حيث مازالت بنيتها تركز على الحفظ والاستظهار عوضاً عن تطوير المهارات الحياتية، الأمر الذي يجعل من مخرجات التعليم غير متماشية مع متطلبات العصر وسوق العمل، ويساهم في ارتفاع معدلات البطالة.
اننا في تدعو العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، وبالنظر ما سبق من ملاحظات ندعوا إلى اتخاذ خطوات عاجلة لمعالجة التحديات الحقوقية التي تواجه التعليم في المغرب، ونؤكد على المطالب التالية:
• ضمان تعميم التعليم الابتدائي الإلزامي بالمناطق القروية والنائية، مع توفير التجهيزات الضرورية والبنية التحتية الملائمة.
• تعزيز برامج الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة لتمكين الأطفال من الالتحاق بالمدارس والاستمرار فيها، مع التركيز على دعم تعليم الفتيات.
• وضع خطة شاملة لتعليم الأطفال في وضعية إعاقة تضمن تكافؤ الفرص وتجهيز المؤسسات التعليمية بما يتلاءم مع احتياجاتهم.
• تقليص الاكتظاظ في الفصول الدراسية من خلال بناء مؤسسات تعليمية جديدة وتوظيف أطر تعليمية مؤهلة.
• تفعيل التعليم الرقمي بشكل عادل وشامل، مع توفير الأجهزة التكنولوجية والاتصال بالإنترنت في المناطق القروية.
• تحسين وضعية الأساتذة، من خلال تعزيز استقرارهم الوظيفي وضمان حقوقهم الاجتماعية.
• الاستثمار في البحث العلمي وربط التعليم الجامعي بسوق العمل، مع التركيز على تطوير التعليم التقني والمهني.
• تعزيز برامج محو الأمية في المناطق الهشة، مع رصد الإمكانات اللازمة لضمان استفادة أكبر عدد ممكن من المواطنين.
• مراجعة المناهج الدراسية لجعلها أكثر ملاءمة لمتطلبات العصر وسوق العمل، مع إدماج مقاربات تعزز التفكير النقدي والإبداعي.
٠ تعزيز التعليم المهني ليصبح خيارا جذابا ومفيدا للتنمية المستدامة ببلادنا.
٠إصلاح نظام التكوين والتكوين المستمر للأطر التربوية والإدارية..
٠إصلاح نظام التقويمات والامتحانات التي أصبحت تشكل ضغطا كبيرا على المتعلمات والمتعلمين والتي تكون في الكثير من الأحيان سببا في التسرب المدرسي.
إن التعليم كحق إنساني أساسي، ومسؤولية جماعية، تستوجب تضافر جهود الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص لضمان تحقيق تعليم عادل وشامل للجميع