مازيليا عباسي الشلال المتدفق
عبد السلام المساوي
اقتحمت الفنانة مازيليا الوجود بكثير من الإرادة وبكثير من الأمل …تأتي في زمن مغربي صعب وعسير …تأتي لتبشر بعودة ” السبع السمان ” منتصرة على ” السبع العجاف ” ، لتملأ أرضنا خصبا ، وبيادرنا حبا وحبا …تأتي لتهدي دفئا وجدانيا للفن …جمعتنا الفرحة بولادتها في زمن القحط والعقم ، واحتفلنا بألحان النشيد الأمازيغي ، الشموخ الريفي والنخوة الناظورية …رقصنا مستقبلين ميلاد بنت ستمتلك فن صيانة الذات ، الاعتماد على النفس ، مقاومة كل الأنماط الاستسلامية الارتكاسية في الوجود….قد يكون الميلاد حلوا …إنما المستقبل أحلى …تأتي مازيليا لتكسر الصمت وتحطم المألوف ، لتخرج عن المعتاد وتدمر سلطان العادة الطاغي ، لترفض الجهل والخنوع وتناضل للأمل والفرحة …لتسمو عن دونية الحريم وخسة ” العيالات والولايا وتعانق شموخ الانسان وكبرياء المرأة…
منذ بداية البدايات عشقت الفن وداعبت السينما…عز عليها ان تسقط فتستجيب لطيور الظلام …عز عليها ان تخفي وجهها الصبوح بأقنعة قذرة …لم تطق لها سقوطا لهذا اقتحمت قطار الفن مهما غضب السيد والجلاد …أصرت على ان تبقى الراية مرفوعة والوردة مزهرة حتى وإن كان الزمن زمن جهل ورداءة …إذن فلا خوف علينا إذا ادلهمت بنا الآفاق من أن لا نجد فنانة مقتدرة ومنشطة متميزة تنبهنا وتهدينا …فإن مازيليا التي أطلقت في زمن الصمت صرخة ، قادرة على جعل الناس يعشقون الورد…يعشقون الكلمة السينما …يعشقون الجسد وروح صاحبة الجسد …
تعطرت بوعي فني مبكر …في سن مبكرة بدأ تشكل الوعي الإبداعي والانخراط في الغناء…انخرطت في العمل الفني وهي فتاة جميلة ومغرية..” منتصبة القامة …مرفوعة الهامة ” أناقة وجمال بامتياز أنوثي …رضعت الأناقة والكبرياء في معبد الريفيين الشجعان …
عانقت الفن وهي بالكاد شابة.. شكلت وما زالت قيمة مضافة للفن الأمازيغي الجميل …تحاصرها أسراب البوم كليالي النفاق طالعة من جحور القبيلة فتلقاها معتصمة باختيارها …مازيليا صاحبة قضية ، وعلى فنانتنا أن تواجه الأمواج والإعصار …فهذه قناعتها وهذا واجبها….وهذه مهمتها..والا فليرحل من هذا العالم الذي في حاجة إلى العواطف النبيلة وشيء من التضحية …هكذا نرى الفنانة مازيليا ترى الأشياء …وهكذا نتصورها تتصور العالم الذي نحن فيه …فليخجل من أنفسهم أولئك الذين يحصدون ونحن الزارعون ….شافاكم الله ! لكم التين ولنا الزيتون…
وقفت الفنانة مازيليا فوق خشبة الحياة وأعلنت رفضها للذل والمهانة …إنها صاحبة اشكالية ملحاحة…
آلام المرحلة حاضرة في وعيها …هي مازيليا ، إذن ، حداثية بموروث ثقافي …حداثية بموروث ريفي أصيل.. فنانة بقناعاتها …وما أسهل تأقلمها في المجال إذا أرادت بمحض إرادتها ، دون أن تخضع لأي أمر او قرار …تحب الحرية بمروءتها ومسؤوليتها …وتقول لا للوصاية والتوريث ، لا لإعطاء الدروس بالمجان …لم تسقط سهوا على الفن …هي فنانة إيمانا واختيارا …اكتسبت شرعية الانتماء بالقوة والفعل ، وانتزعت الاعتراف والتقدير بالموهبة والإبداع …
و منذ طفولتها كانت مازيليا وردة ممسكة بزمام مسار حياتها ، حملت في صدرها كبرياء القمم وإصرار الأنهار على المضي قدما مهما صعبت المسالك ، تشق مجراها بصبر وثبات…
بعد طفولة هادئة باللون الأبيض والأسود ، بالجدية وشيء من الشغب ،تصطحب ظلها لمواجهة المجهول…لمجابهة المثبطات ، لعناق الأمل ، ودائما تحمل في كفها أنوثة وكبرياء ، وفي ذهنها أفكار ومبادرات ، وعلى كتفها مهام ومسؤوليات ، فهي تكره الفراغ…إن الزمان الفارغ يعدي الناس بفراغه …وحين يكون الشعور هامدا والإحساس ثابتا ، يكون الوعي متحركا …وعي بأن الحياة خير وشر ..مد وجزر…مجد وانحطاط …ولكن هناك حيث توجد الإرادة ويكون الطموح …تكون المبادرة ويكون التحدي …تكون الطريق المؤدية إلى النتائج …وتقول مازيليا :” لا تهمني الحفر ولا أعيرها أي انتباه ” …منذ بداية البدايات كشفت عن موهبة تمتلك قدرة النجاح ، وتظل دائما ودوما متمسكة بطموح النجاح …
تكره اللغة السوداوية والنزعة العدمية …تكره الأسلوب المتشائم ولغة اليأس والتيئيس …لا…هي امرأة جد متفائلة ، والعينان تعبران بالابتسامة عن هذا التفاؤل …وهذا الطموح …وهذا الحب اللامشروط للحياة رغم الكآبة في السماء والأسى لدى الاخرين …
ارتشفت ثدي الفن ونهلت من حليبه ، وتشبعت بمبادئه وقيمه…
إن الفن هو فن المراكمة الصبورة وتحضير الطفرات النوعية بالعمل الطويل النفس الخاضع للتقييم الدوري.. …
إنها فنانة تنتمي مطاوعة لكنهت لا ترضخ …اختيارا لا قسرا …تنسجم بيد أنها لا تذوب …هي ذات فرادى واختلاف …تحوم سماوات العالم الرحاب ولا تهيم ، وتعود مثقلة بالتجارب والمعارف لتبشر بغد جميل لريف جميل …لا يمكن أن تحشر في زمرة الفنانات الكسولات ، فهي ليست منهن، لأنها محصنة ، ولكنها تعرف ان الطريق ألغام وكوابيس …وقائع وانفجارات ..دسائس وإشاعات …لهذا تمضي بحكمة وثبات …تفضح الكوابيس وتنبه الى صخبها …تنبه إلى الإغراءات وتحذر من مخاطرها …لترتفع إلى مقام المرأة المناضلة ….وليست منهن لانها رضعت الأناقة والأنافة في معبد الشجعان …فاسمحوا لي ان أعلنها صاحبة قضية وصاحبة أجمل جسد …
لمازيليا حضور فني قوي ، حضور ينشدها كل يوم ويذكرها ،بل ويغنيها ويتصاعد في تناغم مع مسار جمالي …هي أصلا تربت ضد الصمت ..تربت على كره النفاق والغدر ..وهي طفلة ، وهي تنمو ، نما فيها كره الاختفاء وراء الأقنعة …مترفعة في لحظات الهرولة …واثقة في زمن التيه …مؤمنة بأن النجاح اجتهاد وعمل…وأن الفن اختيار والتزام …
تجربة الحياة نزعت منها للأبد الإحساس بالخوف والاستسلام …وزرعت فيها الإمساك بزمام مسار حياتها مهما كانت العراقيل والعوائق …تجربة زرعت فيها الصمود والتصدي …تنفست عبق تربية هادفة ومسؤولة …تربية تعتمد الجدية والصرامة مرات وتعلن الليونة والمرونة مرارا…تمطر حبا حينا ونارا احيانا….
الفنانة مازيليا بسيطة ومتواضعة، كريمة وصادقة، مخلصة ووفية …طيبة ببشاشتها وبشوشة في طيبوبتها …صفة الشباب تلازمها أينما حلت وارتحلت ، بمجهوداتها صنعت نسيجها المتميز ، لا تنافس أحدا على مساحة أو تفاحة …
هي مازيليا إذن وصفقنا وقلنا ” برافو مازيليا “…مازيليا لحن الريف ؛
مازيليا جميلة صوتا وصورة ، شكلا ومضمونا ، ظاهرا وباطنا ، سطحا وعمقا …إنها بنية متناسقة ونسق متناغم …وجه ملائكي ، يصعب تصنيفه ، يستحيل تحديده ….فيه ملامح أوروبية ، إيطالية وإسبانية تحديدا ، فيه تقاسيم أمريكا اللاتينية ، فيه أصالة الجمال الامازيغي بنكهة أندلسية …وأنت تتأمل وجه مازيليا ، وأنت تقرأ محيا مازيليا ، تصاب بالحيرة ، وتخرج بخلاصة مفادها ؛ جمال الكون كله حاضر في وجه مازيليا…
عينان ضاحكتان تعبران بالابتسامة عن الحب والتفاؤل …عينان ناطقتان تخفيان الكثير من الأسرار …عينان جميلتان رغم مسحة الحزن المزمن التي ترقد فيهما…تستطيع مازيليا أن تقول أشياء كثيرة ، لكن نظرة منها تعفيها من كثرة الكلام …في حضرتها تتعطل لغة الكلام وتفسح المجال لعينيها لتخاطب العاشق والحاقد …لغة عينيها أبلغ وأفصح من كل لغات العالم وألسنه .
تريد أن تعلو وتسمو ، تريد أن تحلق إلى السماء ….تريد أن تتخلص من خسة الأرض وجرائمها وأوساخها البشرية ، لتعانق جمال السماء بزرقته ونجومه …إنها تطمح إلى التحرر من الأسفل لتلتحق بالأعلى ..تحب العلا والعلياء ….
شفتاها سماء تمطر حبا حينا نارا احيانا ….فحذاري من حبها ومن غضبها …
أنيقة بامتياز الذوق الرفيع ، عصرية ولكنها أصيلة …بعيدا عن العري فهي مغرية وفاتنة …جذابة باستحقاق المرأة التي لا تبدي تضاريس جسدها …وتترك حرية التخيل لكل سابح في بحر جمالها وأنوثتها .
أنيقة ، ويحار كل من رآها هل اللباس يستمد حسنه وبهاءه من مازيليا أم أناقة مازيليا من جودة اللباس …وسرعان ما ينفك اللغز فسر الجمال من روح مازيليا ….