كفى تنمرا على الفنانة أحرار!
التعديلات المقترحة لإصلاح مدونة الأسرة، التي تسببت في تقسيم المجتمع بين مؤيد ومستكر، لما رافق بعضها من تأويلات ومعلومات مغلوطة، طفا على السطح خبر آخر يتعلق بتعيين الفنانة لطيفة أحرار مديرة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، عضوا بمجلس إدارة الوكالة الوطنية لتقييم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي، الذي أشعل هو أيضا منصات التواصل الاجتماعي بسيل من ردود الفعل المتضاربة حول مدى أهليتها واستحقاقها لشغل هكذا منصب. إذ هناك من أشاد بهذا التعيين جراء ما تتميز به الفنانة المثقفة أحرار من كفاءة وتجربة واسعة في المجال الفني والتدريس، وما تتوفر عليه من شهادات عليا، وهناك من استغرب له وانتقص من مستواها المعرفي.
بيد أن ما غاب عن أذهان الكثير من المنددين بهذا القرار الوزاري، الذين يخلطون بين التمثيل الفني والتمثيل الإداري، هو أنه جاء بناء على أحكام المادة 8 من القانون رقم 12.80 المتعلق بالوكالة الوطنية لتقييم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي، التي عينت بموجبها “أحرار” من قبل وزير التعليم العلمي والبحث العلمي والابتكار عز الدين الميداوي عضوا بالوكالة المشار إليها أعلاه لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. وأنه جاء كذلك تطبيقا للمرسوم رقم 666.15.2 الصادر في 25 غشت 2016، بتنفيذ القانون رقم 16.67 ولاسيما المادة 8 منه، والذي ينص على تعيين ممثل عن المؤسسات غير التابعة للجامعات من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي، باقتراح من مجلس التنسيق، وهو ما تم فعلا خلال شهر مارس 2024.
فمباشرة بعد الإعلان عن هذا التعيين تعالت أصوات الاستنكار والتنديد، وتناسلت الانتقادات فيما يشبه حملة رقمية منظمة من قبل جهات خفية، تدعي أن الفنانة لطيفة أحرار غير جديرة به ودون مستوى عضوية مجلس إدارة الوكالة السالفة الذكر، متناسين أنها تشغل مديرة معهد عال يخول لها حق الانتساب إلى هذه المؤسسة بصفة تلقائية، مما يؤكد بأن المعترضين عليه غير ملمين بالقانون المنظم، وربما أنهم يجهلون أن الدراسات المسرحية تندرج هي الأخرى في إطار التعليم العالي، وأن الدراسات الفنية جزء من منظومة التربية والتكوين بشكل عام…
والمثير للاستغراب هو أن الأمر لم يقف عند هذا الحد من الانتقاد والاستنكار، بل تجاوزه إلى حد الهجوم العنيف و”التنمر” غير المبرر على فنانة مغربية، ذنبها الوحيد أنها اشتهرت فقط في الميدان الفني. حيث تم نشر مجموعة من الصور الجريئة التي كانت قد التقطت لها أثناء تجسيد بعض الأدوار في عدد من الأعمال التلفزيونية مرفوقة بتعاليق مسيئة إن على مستوى اللباس أو الشكل الخارجي. وهو ما دفع بها إلى الخروج عن صمتها للتأكيد على أن الجمهور الذي أبى إلا أن يتحامل عليها لا يعرف عنها سوى أنها ممثلة مغربية، فيما يجهل مسارها العلمي والأكاديمي الثري، وأوضحت لأحد المواقع الإلكترونية أنها ترشحت للمنصب منذ مدة مع عدة شخصيات أكاديمية وعلمية قبل أن يقع عليها الاختيار، وأن مصادقة الوزارة على تعيينها ليست وليدة اليوم، غير أنه لم يظهر للعلن إلا بعد توقيعه من طرف الوزير الجديد.
لكن سرعان ما حظيت الفنانة أحرار بدعم كبير من لدن بعض المثقفين وعدد وافر من زملائها في المجال الفني، الذين انبروا لتلك الحملة المغرضة، للتعبير عن رفضهم مثل هذا التهجم العنيف، والإعلان عن تضامنهم الكامل ضد كل من يستهدفها ويقلل من شأنها، معتبرين أن اختيارها تم عن جدارة واستحقاق، لكونها تتوفر على المعايير المطلوبة. فهي فضلا عن كونها ممثلة ومخرجة وباحثة في المجال الفني، وأستاذة التعليم الفني ومديرة معهد عالي للفن المسرحي، حاصلة كذلك على ماستر في السينما الوثائقية وتحضر حاليا لنيل شهادة الدكتوراة في المسرح الوثائقي.
إننا نأسف لما صارت تعج به مواقع التواصل الاجتماعي من “تنمر” مفرط على عدد من الشخصيات الفنية والسياسية والرياضية وغيرها، لا لشي سوى لغرض الانتقام منها أو لتصفية حسابات ضيقة معها، كما هو الشأن اليوم بالنسبة للفنانة لطيفة أحرار، التي تتعرض لحملة مسعورة، بسبب جرأتها في بعض الأعمال المسرحية، علما أنها اختيرت للمنصب بصفتها مديرة معهد عالي وليس بصفتها الشخصية كممثلة. وأنه لولا حاجة الوكالة إلى خبرتها الفنية والمهنية، ما كانت لتختارها ضمن أعضاء مجلس إدارتها، خاصة أن بيداغوجيا التكوين الفني أصبحت ذات أهمية بالغة في الارتقاء بجودة التعليم. فلم يا ترى كل هذا التحامل المجاني عليها دون حتى انتظار حصيلة مساهمتها الفعلية؟
اسماعيل الحلوتي