تحقيق: البوركيني و”صراع الثقافات” في فرنسا
دافع رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس عن حظر ارتداء زي السباحة الإسلامي (البوركيني) في أكثر من عشر مدن سياحية اليوم الخميس قائلا إن فرنسا منخرطة في “صراع ثقافات” وإن رداء السباحة الذي يغطي جسم المرأة كاملا يرمز إلى استعبادها.
وانتشرت صور لرجل شرطة مسلح يأمر امرأة مسلمة على أحد شواطئ مدينة نيس الفرنسية بأن تتعرى جزئيا على مواقع التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع مما أغضب العديد من مسلمي فرنسا وتسبب في حالة قلق عالمية.
وفي إشارة على وجود انقسام داخل الحكومة الاشتراكية قبل انتخابات الرئاسة المقررة في عام 2017 حذرت نجاة فالو بلقاسم وزيرة التعليم الفرنسية المولودة بالمغرب من أن الجدل يعزز الخطاب العنصري ويستخدم لتحقيق مكاسب سياسية. في حين قالتوزيرة الصحة ماريسول تورين إن مبادئ فرنسا العلمانية لا تعني رفض الدين.
وقال فالس في حديث مع شبكة تلفزيون (بي.اف.ام) “يتعين أن نشن حربا موجهة على الإسلام المتطرف وعلى هذه الرموز الدينية التي تتسلل إلى الأماكن العامة.”
وأكد موقفه من القضية قائلا “بالنسبة لي البوركيني يعد رمزا على عبودية المرأة.”
ومن المقرر أن ينظر مجلس الدولة الفرنسي وهو أعلى محكمة إدارية في البلاد اليوم الخميس طلبا من جماعة مدافعة عن حقوق الإنسان بشأن إعادة النظر في حظر البوركيني في بلدة فيلينوف لوبيه.
ويجسد الجدل الدائر بشأن حظر البوركيني الصعوبات التي تواجهها فرنسا العلمانية في التعامل مع متشددين من داخل البلاد ومن خارجها بعد هجمات شنها إسلاميون في نيس وكنيسة في نورماندي في يوليو تموز وبعد أن أصبحت قضايا الأمن والمهاجرين الآن محورية في حملة انتخابات الرئاسة.
وقال الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي انضم لسباق الرئاسة يوم الاثنين لمجلة لو فيجارو إن فرنسا في عهد الرئيس فرنسوا أولوند أصبحت خجولة ومترددة للغاية.
وأضاف في تصريحات للمجلة ستنشر غدا الجمعة “البوركيني عمل سياسي عمل متشدد وعمل استفزازي. من ترتدينه تختبرن الجمهورية.”
وفي دلالة على الأصداء الخارجية التي تسبب بها الجدل بشأن البوركيني في فرنسا غردت الكاتبة البريطانية الشهيرة جيه.كيه رولينج على تويتر “إذا ساركوزي يصف البوركيني أنه ‘استفزاز‘. سواء كانت النساء تغطين أجسادهن أم لا يبدو أننا دائما نسعى وراء هذا (الجدل).”
وفرنسا ليست الدولة الوحيدة التي أصبح تقييد ومنع البرقع والنقاب فيها محط الأنظار بعد موجة من الهجمات في غرب أوروبا وأزمة المهاجرين التي فرضت إعادة النظر في سياسة فتح الحدود الأوروبية.
ففي ألمانيا يريد المحافظون من حزب المستشارة أنجيلا ميركل حظرا جزئيا على النقاب أو الزي الإسلامي الذي يغطي الوجه وفي النمسا دعا ساسة يمينيون إلى حظر النقاب وفي سويسرا هناك دعوات إلى تصويت شعبي على حظره.
وأدان صادق خان رئيس بلدية لندن المسلم أثناء زيارة لباريس اليوم الخميس الحظر قائلا إنه لا يتعين على أحد أن يملي على المرأة ما ترتديه.
وقال خان “أعتقد أن هذا ليس صحيحا… من مباهج لندن أننا لا نكتفي بتحمل الاختلاف بل نحترمه ونتبناه.” * “الدولة الإسلامية” والبوركيني
وحظرت 15 مدينة فرنسية على الأقل ارتداء البوركيني على شواطئها بين كورسيكا والساحل الشمالي لكن معظم القيود تفرض في جنوب شرق البلاد حيث يحظى اليمين المتطرف بالدعم ويعتبرها الكثير من المهاجرين مدخلا إلى فرنسا وموطئ قدم فيها.
كما شكلت هذه المنطقة بيئة حاضنة للشبكات الإسلامية المتطرفة التي كانت تجند المتشددين للقتال في سوريا.
وعبرت وزيرتان على الأقل عن موقفهما الصريح المناهض لموقف الحكومة بشأن منع ارتداء البوركيني اليوم الخميس.
وقالت تورين على موقعها الإلكتروني “إن الزعم بأن السباحة بالحجاب أو الاستلقاء على الشاطئ بالملابس هو تهديد للنظام العام ولقيم الجمهورية يعني نسيان أن هذه القيم (العلمانية) كان يراد منها السماح لكل شخص بالحفاظ على هويته.”
في حين قالت بلقاسم إنها ضد ارتداء البوركيني لكنها ترفض في الوقت نفسه حجة فالس بأن الحظر هو أداة مفيدة في صراع فرنسا مع المنظمات الإرهابية.
وفي حين استبعد فالس احتمال أن يؤجج الحظر المشاعر المتعاطفة مع الجماعات المتطرفة غير أن مسؤولين حكوميين يشعرون بالقلق.
وحذر مسؤول فرنسي بارز في الحكومة من الخطوات الخاطئة التي من شأنها أن تزيد التوترات التي تصاعدت منذ دهس تونسي لحشد من الناس في نيس في الشهر الماضي مما أسفر عن مقتل 86 شخصا ومنذ ذبح شبان متشددين لكاهن كاثوليكي في منطقة نورماندي.
وقال المسؤول الفرنسي “لدينا ملايين المسلمين في فرنسا ومعظمهم من المعتدلين أو غير ملتزمين. إذا شعروا أن هذا الموضوع هو المسيطر على النقاش العام فلن يشعروا أنهم في بلادهم وسيشعرون بميل للتقوقع داخل مجتمعاتهم.”
ومن المتوقع أن يصدر مجلس الدولة حكمه في قضية الحظر في بلدة فيلينوف لوبيه يوم الجمعة في الساعة الثالثة من بعد الظهر بالتوقيت المحلي.