يونس مجاهد يكتب: غياب مشروع مجتمعي
يونس مجاهد
لم يكن مفاجئا ما حصل في الانتخابات البلدية، في تونس، حيث كان العزوف هو سيد الموقف، إذ لم يتجاوز عدد المصوتين، من بين المسجلين في اللوائح الانتخابية، 34,7 في المئة، بينما اكتفى الباقي بالتفرج على ما يجري، ليس لأنه غير مهتم، بل لأنه فقد الثقة في العملية السياسية، كما تؤكد التحاليل التي تعرضت لهذه الوضعية، ويمكن القول إن أكبر الخاسرين هي الأحزاب التي تتصدر المشهد السياسي، أي حزب نداء تونس، الذي يتزعمه الرئيس باجي قايد السبسي، وحركة النهضة، الأصولية، مقارنة مع النتائج التي حصل عليها الحزبان في الانتخابات السابقة.
المفاجأة كانت هي تقدم لوائح المستقلين، على كل الأحزاب الأخرى، الأمر الذي يزكي نظرية عدم الثقة في الأحزاب السياسية، من طرف جزء من الناخبين الذين شاركوا في الاستحقاقات، رغم أن السمة العامة تظل هي النفور من المشاركة في اللعبة السياسية.
ويحاول المحللون فهم ما يجري، في تونس، بعد الفورة السياسية التي أفرزتها ماسمي بالثورة والربيع العربي، حيث تجاوزت المشاركة في آخر انتخابات تشريعية ورئاسية، حوالي 65 في المئة. ويعتبر الكثير من المعلقين والمحللين، أن الوضع الاقتصادي، الذي تعيشه تونس، وخاصة أوضاع الشباب، كان لها تأثير كبير على فقدان الثقة في النظام السياسي، بينما توجه البعض الآخر إلى اتهام حركة النهضة التي تمثل ما يسمى ب»الإسلام السياسي»، بترويج دعاية للحث على عدم المشاركة في الانتخابات، لإضعاف الأحزاب الأخرى، بينما يدفع بأنصاره إلى المشاركة، للحصول على نتائج أفضل.
وكيفما كانت المبررات والأسباب التي أدت إلى ارتفاع نسبة العزوف، في تونس، فإن هذه الظاهرة الخطيرة، تهدد كل الآمال التي عُقدت على هذا البلد، الذي اعتبره العديد من المراقبين، رائدًا في مسلسل الدمقرطة في المنطقة، غير أن التراجع الذي تؤشر عليه نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية الأخيرة، يحتاج إلى التأمل والتحليل، ويدفع إلى التساؤل حول الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية، التي تحتاج إلى حلول أخرى، ربما غير واردة اليوم، في النماذج التنموية والمشاريع المجتمعية، التي تقدمها الأحزاب التي تتصدر المشهد السياسي، خاصة حزب نداء تونس، الذي فضل تحالفًا غير طبيعي مع حركة النهضة.