صندوق الايداع والتدبير: سوء التسيير، غياب الحكامة الجيدة وعدم احترام تنفيذ مشروع ضخم دشنه الملك
أبرز تقرير المجلس الاعلى للحسابات الذي قدمه ادريس جطو امام البرلمان اختلالات وملاحظات عن تدبير صندوق الايداع والتدبير.
وقال التقرير:
تتضمن المهام الرقابية التي أنجزها المجلس مؤخرا مهمات شملت بعض المؤسسات العمومية الكبرى ذات األبعاد الاستراتيجية، ونذكر من بينها صندوق الايداع والتدبير.
فقد أحدث هذا الصندوق بموجب الظهير الشريف رقم 074.59.1 بتاريخ 10 فبراير 1959 كمؤسسة عمومية يناط بها تعبئة موارد االدخار وحمايتها وتدبيرها والتي تتطلب بحكم طبيعتها ومصدرها عناية ومتابعة خاصتين، إذ يعتبر صندوق الايداع والتدبير في هذه المجال الوديع القانوني لمدخرات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وصندوق التوفير الوطني والصندوق الوطني للتقاعد والتأمين والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد.
ويقوم الصندوق بتوظيف هذه المدخرات في إطار مشاريع استثمارية على المدى الطويل تساهم في التنمية االقتصادية والاجتماعية.
وعلى هذا الاساس استثمر الصندوق على مدى سنوات 2011 إلى 2017 ،ما مجموعه 63 مليار درهم في عدة مجالات نذكر منها القطاع المالي والسياحة والتهيئة
الصناعية، ومواكبة بعض االستثمارات الخارجية، والمشاركة في تطوير التنمية المجالية والاسهام في التجديد العمراني لبعض المدن وغير ذلك من الانشطة الاستثمارية على المديين المتوسط والطويل.
وقد أسفرت مهمة المراقبة المنجزة من قبل المجلس الاعلى للحسابات عن تسجيل عدد من المالحظات وإصدار مجموعة من التوصيات يمكن إجمالها فيما يلي:
أوال- فيما يخص الحكامة، يتعين مراجعة الاطار القانوني والمؤسساتي المنظم للصندوق باعتماد الممارسات الفضلى في مجال الحكامة الجيدة، خاصة تلك المتعلقة بدور مجلس الادارة، حيث ال يتوفر الصندوق على مجلس إدارة يحظى بل ترتكز منظومة الحكامة أساسا بسلطات واسعة في ميدان المراقبة، على لجنة المراقبة التي تقتصر مسؤوليتها على دور استشاري، لكونها ال تمارس أية رقابة قبلية على الاستراتيجيات التي تضعها الادارة العامة أو على القرارات التي تهم
نشاط المجموعة.
وعلى الرغم من التنوع الكبير الذي عرفته مجالات تدخل المجموعة واختالف أنشطتها وكذا ارتفاع عدد الشركات التابعة لها، فإن تشكيل لجنة المراقبة لم يعرف أي تغيير منذ إحداث الصندوق سنة 1959.
وارتباطا بآليات الحكامة، تجدر االشارة الى أن الصندوق قام ببعض الاصلاحات نذكر منها إحداث لجنة التدقيق والمخاطر سنة 2005 ،ولجنة الاستثمار والاستراتيجية وبعض اللجان الاخرى سنة 2013 ،كما تم اعتماد ميثاق للحكامة في نفس السنة.
ثانيا-
فيما يخص القيادة االستراتيجية، يوصي المجلس بدعم الخيارات الاستراتيجية بخطط قابلة للتحقيق وفقا لجداول زمنية محددة حيث مكن الفحص من الوقوف على بعض النقائص من أهمها عدم تقييم مدى بلوغ األهداف المحددة في
المخططات االستراتيجية، وقصور آليات القيادة والتنسيق رغم تنوع قطاعات الاستثمار والعدد الكبير للشركات التابعة والمتفرعة عن المؤسسة الام.
كما تم تسجيل غياب آلية تكون من مهامها الدراسة وإعداد القرار قبل مصادقة لجنة المراقبة على الخيارات الاستراتيجية للشركات التابعة والمفترض اتخاذها وفقا للتوجهات الاستراتيجية للمجموعة.
– ثالثا –
فيما يخص قيادة الشركات والمساهمات التابعة للمجموعة، يوصي المجلس السلطة الوصية على الصندوق بالتحقق من أن هذا الاخير يتقيد بالالتزامات واألهداف التي منحت التراخيص على أساسها، حيث رصد المجلس العديد من االختالالت في هذا الشأن من أهمها:
– عدم التمييز بين اختصاصات الصندوق التي لها طابع المصلحة العامة وتلك التي تندرج ضمن الانشطة التنافسية؛
– عدم استشارة لجنة المراقبة بشأن مبادئ وقواعد الحكامة التي ينبغي أن تشكل أساسا للعالقة بين الصندوق والشركات التابعة له وكذا مساهماته المالية؛
– غياب خارطة طريق تحدد نمط تدخل الشركات التابعة؛
– غياب إطار تمويل يمتد على سنوات يمكن من تحديد الموارد الالزمة والمصادر المالئمة وكيفية توفيرها.
رابعا- فيما يخص إحداث الشركات الفرعية، الحظ المجلس المنحى التصاعدي الذي عرفته خالل السنوات الماضية حيث انتقل عدد الفروع من 80 سنة 2007 إلى 146. سنة
فرعا 2013 ،قبل أن يستقر حاليا في حدود 142 فرعا ومن االنعكاسات السلبية لهذا التوسع عدم تركيز الصندوق على مهامه وأنشطته في قطاعات تنافسية، أساسا شركات فرعية الرئيسية وتموقعه بالمقابل عن طريق تواجه أغلبها صعوبات في تحقيق عائد إيجابي الستثماراتها وخلق قيمة مضافة للمجموعة، نذكر منها على الخصوص تلك العاملة في القطاع السياحي والسكن الاجتماعي والتنمية المجالية والمحلية وقطاعات الخدمات، وكذا الانشطة المتصلة بسلسلة إنتاج الخشب.
ففيما يخص الانشطة السياحية، سجل المجلس قيام الصندوق باستغلال عدد من الوحدات الفندقية التي يستثمر فيها، علما أن استغالل وتدبير الفنادق من المهن التيال تدخل في صميم اختصاصه، وبالتالي تعيق التنظيم الامثل لتدخلاته في هذا القطاع.
وقد يكون من األجدى أن يقتصر الصندوق على دوره كمستثمر في الرفع من مستوى وجودة العرض في قطاع يكتسي أهمية قصوى بالنسبة لالقتصاد الوطني.
وبخصوص قطاع السكن سجل المجلس تعثر العديد من المشاريع وصعوبة تسويقها نظرا لضعف تنافسيتها بالمقارنة مع العروض المتاحة، مما أرغم الصندوق على وضع احتياطي قدره 9,1 مليار درهم لتغطية المخاطر المحتملة برسم سنة 2017.
لذا، يرى المجلس ضرورة القيام بالدراسات الالزمة لكل الحلول الممكنة بما في ذلك إعادة النظر في تدخل المجموعة .
وفي نفس السياق، الحظ المجلس أن بعض مشاريع التنمية المجالية، التي يتم إشراك الصندوق في إنجازها، تعرف العديد من الصعوبات نتيجة عدم انخراط بعض الفاعلين العموميين في ضمان شروط نجاحها.
فعلى سبيل الاشارة، تم التخطيط للمشروع الحضري الضخم لتهيئة المدينة الجديدة لزناتة الذي أعطى الملك محمد السادس انطلاقته سنة 2006 كمشروع متميز، بمواصفات دولية يعتمد على مقاربة مبتكرة في مجال التعمير تستلهم أفضل التجارب الوطنية والدولية للتنمية المستدامة.
وقد تم الشروع في إنجازه على أساس أن يقتصر دور صندوق الايداع والتدبير على صفة صاحب المشروع المنتدب في انتظار تحديد الجهة العمومية التي سيوكل إليها دور صاحب المشروع، وهو ما لم يتم خلافا لما تضمنته اتفاقية الشراكة المتعلقة بالمشروع.
ويرى المجلس أن إنجاز هذا المشروع التنموي الواعد، داخل الاجال والتكاليف المحددة له، يستدعي تدخل الجهات العمومية قصد تحديد أدوار الاطراف المعنيةومراجعة خطة التمويل لكي ال تشكل عبئا على الاموال الذاتية والنتائج المالية
للمجموعة على المديين المتوسط والطويل.
وفي نفس السياق، يوصي المجلس بإعادة النظر في تموقع الصندوق في بعض المهن كقطاع الخدمات ومجال الانظمة والبرمجيات المعلوماتية.
كما يدعو إلى إعادة هيكلة الشركات الفرعية العاملة في العديد من القطاعات ودراسة التخلي عن الوحدات التي تؤثر سلبا وبصفة دائمة على النتائج المالية للمجموعة، وخاصة تلك التي تعمل في المجاالت التنافسية. وبالموازاة مع ذلك، يتعين التركيز على المهام التي تدخل في صلب المهن التي تندرج ضمن اختصاصات الصندوق وتجلب المزيد من القيمة المضافة لتدخالته.