عبد الكريم بنعتيق ؛ وعي سياسي مبكر…..ينتمي مطاوعة لكنه لا يرضخ
عبد الكريم بنعتيق ؛ مفرد بصيغة الجمع -1-
عبد السلام المساوي
وعي سياسي مبكر
ينتمي عبد الكريم بنعتيق الى جيل ” الحركة الديموقراطية ” الذي رسم ولا زال يرسم الى اليوم علامات وضاءة ، ليس من السهل ، كما يرى باحثون ومتتبعون ، ان يأتي الزمان بها ، فهو جيل القيمة والقوة الفاعلة الذي حقق معه المغرب الشيء الكثير ، بل إن المغرب قد ضيع فرصة الاستفادة من قوة ذلك الفريق ، على اعتبار أن حصيلة ما تحقق اليوم ، هي دون ذلك الذي كانت تعده به امكانات وقدرات تلك النخبة المناضلة…
من هذا الجيل المناضل ، الوطني والديموقراطي ، اذن ، الذي كان يضم مناضلي اليسار ، يستمد عبد الكريم بنعتيق وسائله واغراضه وأدواته السياسية ، فالرجل يختزل المرحلة الحرجة من تاريخ المغرب ، فهو النقابي والسياسي والحقوقية والخبير …يعتبر نموذجا حيا لظاهرة الوزير المناضل …
لقد وعى عبد الكريم بنعتيق على أسرة ترعرعت في مدرسة سياسية وطنية ، انها ” مدرسة الحركة الوطنية ” ، التي تركت للتاريخ واحدة من أجمل واحسن التجارب النضالية ، هي تجربة ” ثورة الملك والشعب ” ، الثورة التي خط بها أحرار المغرب بزعامة الراحل محمد الخامس ، معنى لنضال الدولة والشعب المغربيين ، من أجل مطلبين فقط وهما الحرية والاستقلال ، ثم الديموقراطية والحداثة…
تعطر بوعي سياسي مبكر ، وضرب في الأرض في مرحلة حرجة من تاريخ المغرب …في سن مبكرة بدأ تشكل الوعي السياسي والانخراط في الاختيار الصحيح …اختار ان يكون اتحاديا ؛ اختيار النضال المؤسس على الإيمان بالمشروع الاشتراكي الديموقراطي الحداثي ، والمؤسس على نكران الذات والانفتاح على العالم …انخرط في العمل السياسي وهو مراهق ؛ والمراهق عندما يعانق السياسة يصبح ثوريا بالضرورة ، وإذا عانقها في حزب يروم التحرر من الجمود والتخلف فإنه يبلغ سقف الالتزام المؤسس على جروح الوطن…عبد الكريم بنعتيق منتوج اتحادي ، ارتشف السياسة في مدرسة الشبيبة الاتحادية مناضلا وقائدا ، عضو اللجنة المركزية للشبيبة الاتحادية ، في المؤتمر الوطني الرابع للشبيبة الاتحادية انتخب عضوا بالمكتب الوطني…
عانق النضال وهو تلميذ ، وهو طالب ، وهو اطار مهني مقتدر ، وهو وزير ، شكل وما زال قيمة مضافة لحزب الاتحاد الاشتراكي …تحاصره اسراب البوم كليالي النفاق طالعة من جحور القبيلة فتلقاه معتصما باختياره …المناضل صاحب قضية ، وعلى بنعتيق ان يواجه الامواج والاعصار …فهذه قناعته وهذا واجبه ….وهذه مهمته…والا فليرحل من هذا العالم الذي في حاجة الى العواطف النبيلة وشيء من التضحية …هكذا نرى المناضل عبد الكريم يرى الاشياء …وهكذا نتصوره يتصور العالم الذي نحن فيه …فليخجل من انفسهم أولئك الذين يحصدون ونحن الزارعون ….شافاكم الله ! لكم التين ولنا الزيتون ، وبين التين والزيتون ، امن بنعتيق ان النضال ليس شعارا يرفع ولا صفة للتزيين ، ليس موضوعا للتوظيف الإيديولوجي والاستهلاك السياسوي ، بل إنه قناعة انطولوجية تشكل قناعة فكرية والتزاما سياسيا …هذا جوهر كينونته وعنوان هويته …التحدي هو سيد الميدان …وقف عبد الكريم فوق خشبة الحياة وأعلن رفضه للذل والمهانة …انه صاحب اشكالية ملحاحة ، وملح في اقتراح الحلول لها ، اشكالية تنمية المغرب ودمقرطة مؤسساته….
اعلن انتماءه العضوي لقضايا الانسان …مناضل فاعل ومبادر ؛ مشاركته في العديد من الندوات الفكرية والتوعوية تجسد المبدأ والرؤية …وحضوره في الميدان …في الفضاء …في المجتمع…يؤكد سمو الفكر ورفعة الاخلاق …انه ديموقراطي …انه حداثي …والحداثة عنده ليست بالمعنى المبتذل ، اللاواعي واللامؤسس ، بل الحداثة النابعة من فكر الانوار …الحداثة المؤسسة على العقل ؛ عقلنة التفكير …عقلنة المجتمع …عقلنة السلوك …ألام المرحلة حاضرة في وعيه …هو بنعتيق ، اذن ، مناضل بقناعاته …وما اسهل تاقلمه في المجال اذا اراد بمحض إرادته ، دون أن يخضع لأي أمر او قرار …يحب الحرية بمروءتها ومسؤوليتها …ويقول للوصاية والتوريث ، لا للريع وإعطاء الدروس بالمجان …لم يسقط سهوا على الاتحاد الاشتراكي …هو اتحادي ايمانا واختيارا …اكتسب شرعية الانتماء بالقوة والفعل ، وانتزع الاعتراف والتقدير بالنضال والتضحية …انطلق من القاعدة ….تدرج صعودا في صفوف القوات الشعبية ، وهو الآن عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي ….
ينتمي مطاوعة لكنه لا يرضخ
ان السياسة هي فن المراكمة الصبورة وتحضير الطفرات النوعية بالعمل الطويل النفس الخاضع للتقييم الدوري ، لا الاستاذية المتعالية على واقع السياسة المعطى تاريخيا ، هنا والان ، وعبرة السياسة الحقيقية هي بنتائجها وليس بالنيات وان كانت النيات وجاهتها الأخلاقية …وانعقد المؤتمر الوطني التاسع للاتحاد الاشتراكي بالتصدعات التي كادت أن تغتال حزب القوات الشعبية بالتشكيك في نتائج التصويت على الكاتب الاول وسنة ” البديل ” المنتظر …انتعشت قوى الهدم والتدمير …والكل يعلن موت الاتحاد …ولكن لا خوف علينا اذا ادلهمت بنا الآفاق من الا نجد مناضلا مقتدرا ينبهنا ويهدينا …فإن عبد الكريم بنعتيق الذي أطلق في زمن الأزمة صرخة ، قادر على التصدي لقوى التشتيت …هكذا نفهم اندماج الحزب العمالي باطره وكفاءاته ومنتخبيه في حزب انهكه النزيف …لحسن حظنا لم يعد هناك ذو عقل بعد كل هذا ، ان يعلو كرسي الاستاذية ليفتي الفتاوى ويوزع النقط والميداليات ويقرر في لائحة الفائزين والراسبين في مسار بناء الديموقراطية ..وبالنسبة لبنعتيق ، فرغم ” الكبوة ” التي مست الاتحاد الاشتراكي ، فإن من الخطأ الاعتقاد بأن اضعافه يخدم الديموقراطية والتحديث ، وهذه إحدى الخلاصات التي لن تبرح فصائل اليسار المشتت ان تقر بها على اعتبار أن خيارات التحديث والديموقراطية لن تتحقق بدون حزب من وزنه …
ان حصيلة تطور الحقل السياسي المغربي تفضي إلى تأكيد حقيقة مفادها أن الاتحاد الاشتراكي ملك لكل الديموقراطيين وليس ملك نفسه ، وهو بذلك معني ، من وجهة نظر التاريخ ، ليس بمصيره الخاص فقط ، بل بمصير العائلة الديموقراطية كلها والعائلة التحديثية ، بشكل عام ، وعلى هذا الأساس ينظر إليه كرقم اساسي في أجندة البلاد…
عبد الكريم بنعتيق مناضل اتحادي ومواطن وطني…
انه اتحادي ينتمي مطاوعة لكنه لا يرضخ …اختيارا لا قسرا …ينسجم بيد أنه لا يذوب …هو ذات فرادى واختلاف …يحوم سماوات العالم الرحاب ولا يهيم ، ويعود مثقلا بالتجارب والمعارف ليبشر بغد جميل لمغرب جميل …
لا يمكن أن يحشر في زمرة السياسيين الكسالى ، فهو ليس منهم ، لأنه محصن ، ولكنه يعرف ان الطريق ألغام وكوابيس …وقائع وانفجارات ..دسائس واشاعات …لهذا يمضي بحكمة وثبات …يفضح الكوابيس وينبه الى صخبها …ينبه إلى الاغراءات ويحذر من مخاطرها …ليدافع إلى مقام المسؤولية الملتزمة ….وليس منهم لانه رضع الاناقة والانافة في معبد الشجعان …فاسمحوا لي ان أعلنه صاحب قضية….
اذا كان رجال السياسة رجال فعل لا رجال فكر ، فإن الإنصاف للحقيقة يقتضي التأكيد على أن بنعتيق يشكل احد الاستثناءات في هذا المجال …انه فكر يمارس وممارسة تفكر…من هنا كان اختياره رئيسا للجنة المكلفة بإعداد الورقة السياسية تحضيرا للمؤتمر الوطني العاشر …فبعد عدة لقاءات وندوات فكرية ، كانت خلوة بوزنيقة لحظة للتفكير والتنظير …لحظة إنصات لاطر وكفاءات الحزب…
وكان بنعتيق المنسق والخيط الناظم….وكانت الورقة السياسية في مستوى الأدبيات السياسية الرفيعة التي انتجها الاتحاد الاشتراكي في محطات تاريخية مفصلية…ورقة دقيقة باسئلة المرحلة وأجوبة ترسم الافاق …وكان التصويت بالاجماع في المؤتمر وعلى الجميع السلام …وأنطلق القطار بقوة الاجتهاد الابداعي وبالحدس السياسي المؤسس على العقلنة….
يتبع