أي دور للأحزاب في محاربة الفساد؟ !
أي دور للأحزاب في محاربة الفساد؟ !
اسماعيل الحلوتي
من غريب الصدف أنه في الوقت الذي انطلقت فيه التسخينات مبكرا تحضيرا للانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في عام 2021، من قبل بعض الأحزاب السياسية وخاصة منها الحزب الأغلبي “العدالة والتنمية” وغريمه في الائتلاف الحكومي “التجمع الوطني للأحرار”، غير مكترثين بقضايا المواطنين وانشغالاتهم، وفي مقدمتها تواصل إضراب الأساتذة “المتعاقدين”، الذين يطالبون بإلغاء نظام التعاقد والإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية، وتخوفات الأسر من شبح “سنة بيضاء” الذي بات يتهدد مستقبل عدد كبير من أبنائها، إذا بخبر ينزل كالصاعقة على حزبين “معارضين”، ويتمثل في الحكم على قياديين بالحبس النافذ في قضية فساد.
ويتعلق الأمر هنا بحكم صادر عن محكمة جرائم الأموال بفاس يوم 20 مارس 2019، يقضي بإدانة القيادي في حزب الاستقلال وعمدة مدينة وجدة عمر حجيرة بسنتين حبسا نافذا، وسنة من السجن النافذ في حق عبد النبي بعيوي القيادي في حزب “الأصالة والمعاصرة” ورئيس مجلس جهة الشرق. ويأتي هذا الحكم الذي هز أركان الحزبين السالفي الذكر، بعد سلسلة من الجلسات استمرت حوالي أربع سنوات في قضية تبديد واختلاس أموال عامة حددها تقرير قضاة المجلس الأعلى للحسابات في أزيد من أربعة ملايير سنتيما، فضلا عن تهمة التزوير. وهو ما قد ينعكس سلبا ليس فقط على صورة المدانين اللذين يتحملان مسؤولية كبرى وحزبيهما الساعيين إلى تحقيق نتائح أفضل من سابقتها في الانتخابات القادمة، بل على جميع النخب السياسية في سائر الأحزاب المغربية.
وجدير بالذكر أننا لم نكن نرغب في التطرق إلى موضوع بهذه الحساسية لارتباطه بتهم فساد ثقيلة، مادامت هناك مرحلة الطعن في الحكم لدى محكمة النقض، وسبق للمحكمة أن كانت نطقت من قبل في 28 نونبر 2017 ببراءة المتهمين، لولا خروج اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ببلاغ لها يوم الثلاثاء 26 مارس 2019، للإعلان صراحة عن مؤازرة “المتهم” عمر حجيرة في ممارسة حق الطعن بالنقض طبقا للقانون المعمول به، والتأكيد على ثقتها في عدالة القضاء. وهو نفس ما ذهب إليه قبلها عبد اللطيف وهبي القيادي بحزب الأصالة والمعاصرة والعضو في هيئة الدفاع عن “المتهم” عبد النبي بعيوي، مضيفا أن الحكم جاء مخالفا للقانون بحكم عدم استناده إلى أي إثباتات تدين موكله.
وقد نتفهم ردة الفعل الغاضبة للأستاذ وهبي باعتباره أحد أعضاء هيئة الدفاع، كما نتفهم تفاعل عدد من قياديي الحزبين مع الحكم القضائي، الذين سارعوا إلى نشر تدوينات تضامنية على صفحاتهم الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” مع كل من حجيرة وبعيوي، كما يفعل عديد القياديين في باقي الأحزاب عند محاكمة أحدهم لسبب من الأسباب، ونتفهم أيضا تشديدهم على ضرورة توخي المواطنين الحذر في تعليقاتهم والإبداء بآرائهم، دون الاطلاع على التفاصيل الكاملة في ملف القضية… لكننا لا نعرف إن كان من الضروري لجوء حزب الاستقلال إلى إصدار بلاغ تضامني، دون حتى انتظار رأي محكمة النقض، كما لا نستطيع أن نتفهم كيف لأحدهم أن يتهم فئة من الناس بالانتقائية في التعامل مع بعض الأحكام، واعتبار ملف القضية دليل فساد السياسيين والمنتخبين، وكأن “المتهمين” من الذين لا يأتيهم الباطل من أمامهم ولا من خلفهم…
فمن حق المغاربة التفاعل مع الأخبار الوطنية وخاصة منها ذات الصلة المباشرة بجرائم الفساد في أوساط السياسيين والمنتخبين، التي تطالعهم بها الصحف من حين لآخر، ومن حقهم أن يرفضوا بشدة أن يتحول المؤتمنون على المال العام إلى لصوص ومجرمين. لأن الفساد آفة اجتماعية خطيرة، وتشير كل الدراسات والأبحاث إلى أن له تكلفة فظيعة، ويصبح أكثر خطورة على الديمقراطية والتنمية والاستثمار عندما يتفشى داخل القضاء والإعلام والأحزاب السياسة، ويحول دون الإصلاحات الكبرى والحد من معدلات الفقر والأمية والبطالة والفوارق الطبقية والمجالية. ومن حقهم كذلك أن يحلموا كغيرهم من شعوب البلدان الديمقراطية بأن تكون أحزابهم مشاتل لاستنبات نخب سياسية تشكل قدوة في الاستقامة ونكران الذات وفي مستوى تحمل المسؤولية، بدل أن تكون مراكز لتكوين المفسدين والانتهازيين…
ومن واجب الأحزاب السياسية على المجتمع الحرص على تحسيس أفراده بمخاطر معضلة الفساد، وإعادة الثقة لهم في العمل السياسي والإقبال الكثيف على الانتخابات، والتأسيس لتخليق الحياة العامة. الترافع من أجل تحسين ظروف عيش المواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية، تفعيل المبادئ الدستورية: ربط المسؤولية بالمحاسبة، عدم الإفلات من العقاب، ضمان الحق في الحصول على المعلومة، استقلال القضاء ومحاربة الفساد السياسي والانتخابي. ولا يستقيم ذلك إلا بالتطهير الداخلي و احترام الديمقراطية، القطع مع المحسوبية والحيلولة دون تحويل السياسة إلى مجال للاغتناء الفاحش، منح المبادرة للشباب وترشيح المناضلين الحقيقيين من ذوي الكفاءة وروح المواطنة والحس بالمسؤولية، القادرين على ترجمة الوعود الانتخابية إلى حقائق ملموسة، عوض تشجيع الترحال السياسي وجلب أصحاب المال والنفوذ لحصد المقاعد. فلا يعقل أن تستمر الأفعال مناقضة للأقوال، إذ قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”.
وبصرف النظر عما إذا كان “المتهمان” حجيرة وبعيوي مذنبين أم لا، فإن الأهم هو أن تكون هذه النازلة فرصة للأحزاب السياسية في النقد الذاتي، الوعي بأن الفساد هو أصل كل العلل والأعطاب، والقيام بدورها التأطيري في تكريس الحكامة والديمقراطية والشفافية، وتحصين أطرها من مختلف التجاوزات وعدم التطبيع مع الفساد، أو التساهل معهم في احتكار موارد الدولة والهيمنة على الاقتصاد الوطني والتهافت على المناصب والمكاسب، وتغليب المصلحة الذاتية على المصلحة العامة.
اسماعيل الحلوتي