سعيد الحكل يكتب: أبعاد اكتساح البيجيدي للانتخابات
أبعاد اكتساح البيجيدي للانتخابات 2/1.
سعيد الكحل
يمكن تحليل وقراءة النتائج التي حققها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية والجهوية يوم 4 سبتمبر 2015 ، بكل هدوء حتى تتضح لكل الأطراف المعنية : (النظام ، الأحزاب ، المجتمع المدني ) أبعاد هذا الفوز على المدى المنظور . فالأمر يقتضي التعامل مع هذه الوقائع بروح المسئولية من كل الأطراف بما فيها حزب العدالة والتنمية .
1 ـ إن النتائج الانتخابية التي يحققها ويراكمها حزب العدالة والتنمية ، ليست اعتباطية ولا هي قائمة على الصدفة أو المتاجرة الفجة في الأصوات ، بقدر ما هي مبنية على إستراتيجية واضحة وخطط محددة وتكتيكات مدروسة . فالحزب نجح في التوفر على آلة انتخابية ضخمة تشتغل على مدار السنة وتستهدف كل المستويات الاجتماعية ومن مداخل شتى ( الجمعيات ، خطباء المساجد ، دور القرآن ، الحركة الدعوية الأم ، المجالس العلمية ، المواقع الاجتماعية ، المؤسسات التعليمية ، الأعمال الخيرية ..) . الحزب ، إذن ، في تعبئة متواصلة ويشتغل في هدوء ووفق أهداف مرحلية وأخرى متوسط وبعيدة المدى . لا تهم الحزب المقاعد الانتخابية في المقام الأول كما هو شأن باقي الأحزاب فتلجأ إلى كل الأساليب التي تحصل بها على الأصوات مهما كانت خسيسة . بينما حزب العدالة والتنمية أقام مؤسسته الحزبية على العقائد وليس على العلاقات القبلية أو العائلية أو الاثنية. ومن أبرز العقائد التي يؤسس الحزب عليها بنيانه:
أ ـ عقيدة الولاء والبراء التي تؤهل العضو نفسيا وفكريا ووجدانيا ليكون في خدمة الحزب ويضمر الولاء والحب لأعضائه . وبمقتضى هذه العقيدة يجعل العضو مصلحة الحزب فوق مصلحته الشخصية ، فينضبط لقرارات الحزب ويطيع قيادته ويكظم سخطه أو غضبه من أي قرار اتخذته ولا يخدم مصلحته ؛ وهذا واضح مثلا في انضباط الأعضاء لقرارات هيئاتهم التنظيمية ( وضع لائحة المرشحين للانتخابات المحلية ، الجهوية ، البرلمانية ..) أو النقابية ( تصويت أعضاء نقابات الحزب لفائدة لوائحها في الانتخابات المهنية رغم كون النقابات تساند مخطط إصلاح نظام التقاعد الذي جاء به رئيس الحكومة والذي يلحق أكبر الضرر بالموظفين والأجراء ، وهم جزء منهم ، تجميد عضوية قيادي ..) .
ب ـ أسلمة المجتمع والدولة : فالانتماء لحزب العدالة والتنمية ليس مجرد انتماء تنظيمي تحدده بطاقة العضوية ، بل هو انتماء عقدي ، ونصرة لمشروع مجتمعي . من هنا يكون العضو مقتنعا أن مسئوليته جزء لا يتجزأ من مسئولية الحزب ، ولا تنتهي عند حدود معينة ، بل تمتد إلى المجتمع وثقافته وعقائده وقيمه ومعاملاته . فالعضو ، إذن ، مقتنع بضرورة إحداث تغيير في الفرد وفي الأسرة وفي المجتمع وفي الدولة . وهذا هو مشروع أسلمة المجتمع . واستطاع منظرو الحزب أن يقنعوا أعضاءه بأنهم “أصحاب رسالة” ، حتى إن أدبيات الحزب /الحركة تسميهم “رساليون” . رسالتهم هي من جنس رسالة الأنبياء والرسل : هداية الناس بحيث لا تنتهي مهمتهم عند تدبير الشأن العام بل تشمل تدبير الشأن الأخروي.
ج ـ دين المسلم وطنه . فالوطن ليس الجغرافيا ، بل الدين ، وإقامة الدين أولى من إقامة الوطن ، ويمكن التضحية بالوطن من أجل الدين . من هنا تلعب هذه العقيدة دورا حاسما في تقوية الإحساس بالانتماء إلى الأمة والعمل على إقامة الدولة التي توحد هذه الأمة وتعيد إليها مجدها وتطبق ، بالنتيجة ، شرع الله . لهذا نجد التنظيمات الدينية تهدف جميعها إلى إقامة دولة الخلافة ، فتكون الدولة الديمقراطية مجرد محطة ومرحلة بالنسبة للتنظيمات التي قبلت بالديمقراطية أداة وبالعمل من داخل المؤسسات المنتخبة ، في انتظار أن تتهيأ الظروف للانتقال إلى مرحلة إقامة دولة الخلافة.
كل هذه العناصر والعقائد ستتفاعل مع النتائج التي يحققها حزب العدالة والتنمية ، فتدفع به إلى التغول . والتغول هو نتيجة حتمية تنتهي إليها كل التنظيمات المبنية على العقائد . وسيتغذى تغول حزب العدالة والتنمية على مصدرين رئيسيين :
المصدر الأول :الشرعية الدينية . باعتبار حزب العدالة والتنمية يجعل من مهامه الدفاع عن الدين ومن أهدافه أسلمة المجتمع ، فهو يقدم نفسه أنه الجهة المؤهلة لتتولى مهمة حماية الدين ضد “مخططات العلمانيين” . هكذا وجدناه يناهض بشراسة مطالب تعديل مدونة الأحوال الشخصية ثم مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية وغيرها من المطالب (رفع كل إشكال التمييز ضد المرأة ، تجريم زواج القاصرات ..) . وقد دفع “تغوله” هذا الذي شعر به غداة معركة الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية ، أحد أبرز منظريه وهو الدكتور الريسوني إلى منازعة الملك إمارة المؤمنين وإعلان عدم أهليته إليها بحكم تكوينه القانوني وليس الفقهي . لم يكن حادثا معزولا ولا زلة لسان ، بقدر ما هو ترجمة مباشرة لعقائد الحزب وأهدافه . فقوة النظام الملكي ترتكز على الشرعية الدينية والشرعية الشعبية معا . ومنذ تأسس الحزب وهو يبني شرعيته الدينية لينافس بها شرعية الملك ، ومن ثم ينازعه فيها . وقد استغل الحزب انتفاضات ما بات يعرف بالربيع العربي ليقوي مركزه الديني بالضغط على النظام من أجل التنصيص دستوريا على إسلامية الدولة وسمو التشريعات الإسلامية حتى يكون الدستور له سندا في كل المعارك المقبلة . وقد أظهر موضوع الإجهاض كيف استغل الحزب الإحالات الدستورية ليناهض مطالب رفع التجريم عن كل حالات الإجهاض رغم المآسي النفسية والاجتماعية التي يتسبب فيها الحمل الغير المرغوب فيه .
إذن ، كلما توسعت القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية ، كلما زاد غروره وعظم تغوله بفعل استناده إلى الدستور الذي ينص على سمو التشريع الإسلامي وأن المغرب دولة إسلامية ، وكذا استناده إلى المرجعية الدينية التي تأسس عليها وأقام عليها عقائده وروابطه التنظيمية . وسيمارس تغوله هذا عبر التدرج بدءا بالتصدي لمشاريع القوانين والإصلاحات التي لا تخدم إستراتيجية الأسلمة . وكثيرا ما لوح قادة الحزب بعصا التغول ( خلال تعديل الدستور ، الإعداد للانتخابات البرلمانية في 25 نونبر 2011 ، تشكيل الحكومة .. بحيث في كل مرة يهدد قادة الحزب بعودة “الربيع العربي”) . وبعد أن تحول الربيع إلى خريف ، رفع قادة الحزب عصا التهديد بـ”الاحتكام إلى الشعب” ، أي استفتاء الشعب في كل قضية موضوع الجدال والاختلاف . إن غرور الحزب هذا يجعله يتوهم أن الشعب سيناصره في كل القضايا التي يطرحها عليه للاستفتاء . فعبارة “بيننا الشعب” تهد كل أسس الدولة الديمقراطية ودولة الحق والقانون .