عبد الله العروي بين الإيديولوجية ومجتمع المعرفة
يرتسم خطاب المرجعية في تحولاته، غاية مكاشفة موضوعه وحضوره واستنهاض أسئلته، تبعا لسنة التطور المعرفي والفكري والعلمي والديني، وتتفاعل أيضا الأسئلة مع الأنساق التي تحيل بمدلولاتها على المصوغات الذهنية المجردة، فتصير عبرها منظومة متناسقة مع الأسئلة، تناسقا تبدو معه المعرفة الاصطلاحية واللغوية وكأنها معرفة نقدية. إنها حركة “نظرية” تستحضر الغائب في شكل أسئلة: ما المرجية؟
وكيف تتأسس وهل يمكن أن نفكر خارج المنظومة المرجعية؟ وكيف تفكر فينا؟ وهل المرجعية تناص ينضاف إلى التناصات؟.
إن هذه الأسئلة المتناسلة تسمح لنا أن نستقرئ هذه التعريفات باستجلاء ما ترسمه من مسارب إجرائية، ومات تبدعه من تواترات، ومن علاقات مناصية على المحيط الذي تحوله على شكل عتبات(1).
ترتهن بعلاقة حوارية بين النص والمناصات، فالمرجعية في حد ذاتها مفهوما إشكاليا، سواء في مجال الفكر أو المعرفة أو اللغة أو الأدب، ويتراوح بين الثبوت والنفي الظرفي، ولابد من معرفة هذا المفهوم وحقيقته، وكذا درجات ممارسته على المستوى اللغوي وعلى المستوى الفني، لنعرف كيف يمكن أن يؤدي النص رسالته المرجعية؟ وكيف تندمج كمعطى استراتيجي يسمح للقارئ، بمساعدته على إبراز خصوصية النص وحقيقته.
مفهوم المرجعية كبعد ابستيمي
لا يصح الحديث عن المرجعية في غياب اللغة والمعرفة والفكر، فهي تلك العلامات التي لا يمكن أن ترجع نحو شيء ما، لكن المرجع يتشكل من مجموع الأعمال الإنسانية عبر تسلسلات في الأزمنة والأمكنة، سيما أن المرجع هو المدلول بالمفهوم السوسوري، لأن المدلول هو الجمع بين الشيء واسمه. ويقول “د. محمد خرماش” و”المرجع فهو حاصل الجمع بين الصورة السمعية أو البصرية (المقروءة) وبين المفهوم أو التصور الذهني، وهو ما تؤديه العلامة كلها ويسمى بالمرجعية”(2) وتعتبر هذه الإشكالية أهم إشكالية حملتها هذه الفلسفة التي أفضت من خلالها إلى منهج متميز، واكبت من خلاله العالم الجديد الذي تولد عبر مجموعة من الاكتشافات اللغوية والنقدية، وسمحت بإبراز تمايز بين (المعنى) و(المرجع) المرتبط بالمفاهيم الاصطلاحية والإدراكية الخاصة.
وعليه فإن الوظيفة المرجعية في اللغة لا تجعل العلامة في تلاقح مباشر مع الخارج، “لكن مع الملموس وداخل التشكيلات الفكرية والدرامية، فلا تكون الإحالة على الشيء كمعطى من الواقع، ولكن على شيء من الفكر”(3).فالصفة التي تعرفنا بماهية الجوهر هي التي تشكل الامتداد (الذات – اللغة – الوعي) الخاص للجوهر الجسدي، هذا الامتداد هو ما نسميه بالعالم، لأن الامتداد هو البنية المرجعية للذات التي تضفي على الإبداع كل الخصائص الجمالية والفنية.
من هنا فالمرجعية كائنة مؤثرة Affectant في وجود الشيء، كي تكون قابلة للمعاينة في وجودها الرمزي، ينبغي أن تدرك من خلال الحضور كتغير خالص للمكان وللزمان. فالعلامة كشيء تساهم في تحديد وجود هذه الذات المتكلمة، لأن التميز الممتد إلى اللغة يفضي إلى كونها لا تحتاج في وجودها إلى غيرها. فوجود اللغة مرتبط بوجود ذات،
ويقول د. خرماش: “فعنصر الذاتية ليس غائبا تماما في ذلك النقل أو التمثيل، لأن وظيفة الفكر لا تقتصر على العكس الهادئ المسالم للأشياء، وإنما هو طاقة ديناميكية عاملة في التحصيل والاستيعاب، وهذا يعني أن تمثل الواقع الموضوعي أو الحقيقة الخارجية، أي إقامة مرجعية ذهنية بجميع تمفصلاتها لا يتوقف فقط على ما يكون عليه هذا الواقع، لكن أيضا ما يكون عليه الإنسان المدرك أو العارف”(4). فاللغة هي نسق تجمع بين المفهوم والصورة الصوتية، وتشتد أشد الارتباط بالذات بمعناها الحقيقي تمكن الوجود والإنسان معا، لأن فعل التفكير لا يعني شيئا آخر غير الالتزام الذي يقدمه الإنسان اتجاه الوجود، ومن أجل الوجود هكذا يقول هيدجر “الفكر هو التزام الوجود”(5).
فالمرجع هو في نفس الوقت فكر المرجعية من حيث ينتمي إلى الوجود، إنه الإنصات إلى هذا الواقع لأن ما نهدف إليه هو تحرير المرجعية من الشبهات الميتافيزيقية، وتحريرها من التأويل التقني الذي تعود جذوره إلى أرسطو وأفلاطون. إن المرجعية قد أسقطت كل ديكتاتورية لغوية بغية اكتشاف علاقة الذات بالواقع واللغة أي حسب التعبير الهيدجري أن يتعلم كيف يوجد في شيء لا اسم له، أي بعبارة أخرى أن يجعل الإنسان نفسه مؤسسا على ماهيته.
إن عبارة المرجعية حاضرة لا تحدد الجواب حول السؤال الذي هو هدف معرفة واقعية الإنسان أو غيابها.
بل تمثل الجواب حول السؤال الذي يطرح حول ماهية الإنسان في نظري لا يتحدد إلا من خلال الماهية الوجود ولا يتحدد أيضا إلا من خلال الطابع الثابت في الوعي الذاتي من حيث هو حاضر كمكون فاعل في عملية التوظيف والممارسة والبناء، فإن الإنسان يضطلع بهذه الصفة، حيث يبلور مقوماتها في سجن الحضور، حيث أن الوجود المعرفي لا يعني شيئا آخر غير المثول، مثول الإنسان في حضوره، ومثول الذات في معرفتها، أي إن المرجعية ترتبط بوجود الإنسان فهي في حقيقة الأمر طريقه التي يسهر بها على حقيقة وجوده من حيث هو موجود، كما أنه مطروح بالكيفية التي يكون فيها وبها منفتحا على الوجود، هو الساهر على أمن النص، بهذا المعنى نفهم قولة هيدجر: “إن الإنسان هو راعي الوجود وهذا هو المشروع الذي يحمله كتاب الوجود والزمن كعبء يفكر فيه …”(6).
لكن إذا تساءلنا حول إمكانية أي تحديد لها؟ ما هي المرجعية؟ إنها تكون أكثر قربا من الإنسان على المستوى المعرفي، وأقل قربا على المستوى الوجودي، ذلك أن المعرفة تقدم لنا الكائن، ليس بالمفهوم الكوجيطي (أنا أفكر – أنا موجود)، بل انطلاقا مما تحمله من قضايا إنسانية، وإبستيمية، ومن حيث ما تحمله الذات المبدع، ووجوده ويقول هيدجر: فعبارة أصيل وغير أصيل … يعنيان هذه العلاقة الديناميكية الخارجة عن ماهية الإنسان بالنسبة لحقيقة الوجود التي تبقى جديرة للتفكير قبل أي شيء آخر، لأنها لحد الآن ظلت محتجبة”(7).
إن هذه العلاقة التي توحد المرجعية بالإنسان، كفكر وكممارسة، ليست تلك التي توجد على أساس “الاصطلاح” بل إنها ماهية الإنسان بصفتها حقيقة الوجود، لأن الإنسان يوجد في اللغة التي هي بمثابة منزل للوجود، حيث بجواره يسكن الإنسان وفيها يبلور ماهيته، وفكره، ومعرفته، وفهمه.
فوجودها موجود من حيث هو وجود تاريخي، وابستيمي، ويقول هيدجر: “ليس هناك وجود إلا من حيث أن هناك الموجود هنا”(8).
وانطلاقا من هذه المنظومة الفكرية إن المرجعية لا تحضر في الإنسان إلا من خلال استحضاره للغة، لأن الوجود يضيء وينير الإنسان في المشروع الخارج عن الثبات والذات معا، لكن هذا المشروع لا يخلق ولا ينتج الوجود المعرفي، بل هو عبارة عن مشروع مستخلص يتم من طرف الذات التي تعكس الوجود، لكي يظهر كضوء الموجود الذي يمنح الجوار إلى الوجود الممكن، حيث في ضوء المرجعية تسكن الأنا المبدعة من حيث هي موجودة بصفها حسب تعبير “هولدرين. فالمرجعية هنا ليست مفهوما بالمعنى التيولوجي ولكنها تتخذ في بعدها المعرفي والأنطولوجي، تأخذ مستويات متعددة سواء في ظل الفكر المغاير أو السائد، فهي الوطن الذي يؤصل فيه الإنسان ويمتلك فيه ذاته، أي ليست مكانا وحيدا ولكنها زمانا ووجودا وتاريخا وحضارة، والميدان الذي يقف فيه الإنسان وجها لوجه أمام معانقة حقيقته، إنها الوجود، هذا الوجود الذي تم نسيانه حسب مفهوم “هيدجر”.
فغياب التحديد الاصطلاحي واللغوي الذي هو الأصل وأجدر للتفكير، يمكن أساسا في التخلي عن الوجود الخاص للكائن، إنه علامة نسيان المعرفي والثقافي في هذا الوجود العربي.
من هنا أن حقيقة المرجعية تظل نسبية هي الأخرى في الكتابات الغربية والعربية، وغير محددة في شكل عبارات، تريد أن تقول شيئا آخر غير الطريقة التي يوجد بها الإنسان في ماهيته الخاصة، كما تعمل على إقصاء التصورات التي ترى بأن وجودها هو هيمنتها، نخلص من هذا كله أن العرب لا يفكرون داخل اللغة جعلوا العملية نحت اللغة إذ هي ليست عملية مجردة ومنسلخة عن العالم والإنسان والمرجع والواقع والفكر، بل إنها تنحدر من الاحتكاك والتوليد، لذا نقر بأن إذا ما أردنا أن نموقع عملنا داخل عالم “المرجعية”ن فإنه ينبغي أن ننطلق من ذواتنا عبر إحساسات وعواطف ولغة، متجاوزين عبرها كل معنى قصد الوصول إلى سياق يرتبط بالمعجم والدلالة والنفسي والثقافي والاجتماعي(9). لأن المرجعية مؤسسة حول الموضوع والوظيفة وعلى النقل، وتشكل التبرير الجوهري لعملية التواصل، ذلك أننا نتكلم بهدف الإشارة إلى محتوى معين نرغب في إيصاله إلى الآخرين(10). فالوظيفة المرجعية تتقاطع مع وظائف متعددة (التعبيرية والانفصالية واللغوية وإلى كل القضايا المرتبطة بالمرسل، ويرى “ديكرو” أن المرجعية مرتبطة بالعالم الخارجي وبأسماء الإشارة Les démonstratifs وبالمعرفات Les determinants وبأسماء الأعلام Les noms propres(11)، ويقدم “كريج” فرقا بين المرجع والمعنى، جاعلا من المرجع واحدا ووحيدا، ولكن الوصول إليه يختلف من تيار إلى تيار، ومن مدرسة إلى مدرسة، فهو يشار إليه بالعبارة، أما المعنى فتتنوع حسب طروحات المفكرين والباحثين واللغويين، فهي تشكل نظرية أفعال الكلام “لأوستين” وتطورت على يد “راسل” و”كرناب”. أما في مجال الرواية فقد تم النظر إلى المرجعية والمرجع من زوايا عديدة (المؤلف، النص، القارئ).
وأمام هذه الوضعية نتساءل هل يمكن دراسة الثقافة في غياب المرجعية؟ وكيف يمكن تحديدها خارج اللساني Extra linguistique وما هي علاقتها بالتأويل والتفسير؟ أسئلة تطاردني وأنا أبحث في هذه الثقافة التي تحاكم الواقع المعري والغربي، وتجعل الأسرة السياسية والمبدئية تتغير تبعا لسنة المصلحة، لأن الأمر لا يتعلق باللغة التي تنتج النص الغير المحدد، بل تتوزع عبر فضاءات النص لتتجسد بالكتابة المعرفية، وتتماثل مع زمن التخييل، لأن الإبداع يولد كلحظة متزامية الأطراف لتظهر في كل أجزاء النص بشكل منظم، ويخضع هذا التناغم الإيقاعي لجمالية تساهم في تشكيل شعرية جديدة، وتختزل الوجود الثقافي العربي لتعيد ترتيبه في مخيلة القارئ، وهو يتمم عملية القراءة، كما يبدو البعد الإيحائي ككتلة نصية متكاملة تنتشر في النص كله ليجمعها القارئ من جديد.
هكذا يرتسم مفهوم المرجعية خطا أفقيا يحدد لنا فترة الحضور والغياب، والتشتت، والتوتر التي يحياها المبدع، ويرتبط بها شعوره وإحساسه (المرهف)، لأن الحضور المرجعي يرتبط بالزمان والمكان، زمن يعمق رؤية المبدع ويشكل إيقاعه الوجودي، حيث يحتاج “المبدع”، و”القارئ” و”الناقد” إلى استحضار الذاكرة لإعادة تأويل وتفسير الواقع تفسيرا جديدا على ضوء الحاضر، أو لإبرازه كما هو، وكمقام يجسد معالم الذات كوظائف لغوية وغير لغوية.
لقد ميز سوسير F. de Saussure بين نوعين من الوظائف اللغوية:
1- وظيفة عرضية.
كالحجاج والاستدلال.
2- وظيفة جوهرية (التواصل)(12).
وهذا التواصل اللغوي حسب سوسير هو حدث اجتماعي يتم بواسطة “الكلام” ويتحقق ذلك انطلاقا من المرسل والمرسل إليه.
فالمرسل إليه لا ينشغل إلا بما يشغله وما يسمعه لأن المرجعية الثقافية والسياسية تتجسد في ذاكرته وعقله، ويبحث عن أصوله وكيفية تفكيكه ونشأته. لذا عمل جاكبسون على توسيع هذه الدائرة بمراجعة مفاهيم لغوية وقضايا لإعادة النظر في الشعرية، ولعل هذا ما يفسر الأهمية التي يتخذها هذا البعد الثقافي وما يرتبط من مفاهيم ووظائف كالهوية، والخصوصية، وقد أدى هذا إلى توظيف مفاهيم إجرائية أخرى لتأويل ذلك التراث الثقافي الجديد، كمفهوم القراءة، والمعرفة والفكر والإيديولوجيا، وما يرتبط بهما من مفاهيم إبستمولوجية كالموضوعية والقطيعة، لأن ضرورة الانفتاح على المعرفة الغربية تجعلنا نحس بأن عنصر الوظيفة يكاد يكون هو الفاعل كما ذكرنا حيث نجد عدة وظائف
– كالوظيفة التعبيرية أو الانفعالية (F. emdive)
– الوظيفة الطلبية (F. condive) (انتباه المرسل …..)
– الوظيفة المرجعية (F. referentille) وهي الوظيفة المهيمنة في التواصل الحياتي والمألوف.
– الوظيفة الشعرية (Poetique)
– الوظيفة اللغوية (Fnetor ling)
– الوظيفة التنبيهية (F. photrque)
هذا النموذج التواصلي أصبح البطل هو الأساس في كل تواصل حيث ينمو خارج المألوف وعلى هامشه، يتخذ العنوان تناصا ويدعونا إلى أن نقترب من الانتقادات التي وجهها المثقف لمرحلة الناصرية، وما تلاتها من تعرية فالباحثون من جاكبوسن إلى فرنيسي جاك، وجورج مونان ويول Youlle جعلوا النقد يقربنا إلى رحم التواصل انطلاقا من السياق التعبيري الجملي قصد الوصول إلى بناء الخطاب بمفهوم فوكو (نظام الخطاب) وحسب مفهوم هايمز وليفنش 1972، فالخطاب الثقافي والسياسي هو ممارسة لها أشكالها الخاصة في التسلسل والتتالي، لأن تاريخ الخطاب لا يتأسس إلا إذا نظرنا إلى الخطاب كحيز تتخلله مجموعة من الفجوات، والثقوب، تربطها مجموعة من العلاقات والانتظامات، لأن الغاية من اللغة الإبداعية هي استخلاص صحة الفجوات من أجل إصابة قواعد التكون، لأن المفاهيم تملك إحداثيات جوهرية وتتحول وتتطور حسب سنة التوظيف، كما تتوزع في شكل أنوية كواسطة بين المعرفة والإدراكات لكونها أيضا قادرة على توليد تلك المعارف لمتلقية.
لأن كل إبداع لابد له من متلقي إنتاج العمل نفسه، فالأسئلة هي أسئلة الواقع تتجدد عبر تجدد التلقي الثقافي والمعرفي بواسطة تأويل للأجوبة المستخلصة من العمل وبواسطة تشكيل أفق انتظار الذي يعمل النص الجديد على تدعيمه أو تغييره أو خرقه. يسعى العمل الثقافي إلى إدماج المتلقي في بناء النص، فهو الطرف الملازم، والمشارك يتبادل معه علاقة التأثر والتأثير أثناء القراءة لتتواشج العلاقة، مما يتولد عليه الوقع الجمالي Leffets esthétique، حيث لا يمكنه أن يتحقق خارج الفصل القرائي، فالنص المدروس لا يمكن تأويله إلا من طرف القارئ النموذجي الذي يفكك النص نفسه، أما النص المفتوح وإن اقترح قارئه فإنه يبقى قابلا للقراءات المتعددة والمؤولة Actualisation. فالنص إذن يتوقع قارئه ما دام غير مكتمل، لأن الأمر لا يتعلق بالجانب اللساني الذي يسعى دوما إلى تحديد ماهية النص الأدبي، بل هو إرسالية لغوية وغير لغوية، فالعمل الثقافي هو عمل ونسيج من فضاءات بيضاء ينبغي ملؤها، إنه عبارة عن آلة كسولة، يحيا بواسطة القارئ الذي يحركها، باعتباره نسقا يبدأ والقارئ ينبهه، حسب مفهوم إيكو(13). بقدر ما نقول إن أي ممارسة كيفما كان خطابها إلا وتحمل بين طياتها خلفيات إيديولوجية ومرجعية معرفية، فهي التي تمدنا بكل ما لا يدرك وما لا يفهم حسب تعبير “عبد الكبير الخطيبي” في كتابه النقد المزدوج(14).
I) المرجعية بين التاريخ وتحديات الواقع
1- إشكاليات التاريخ
لا يمكن الهروب من حكم التاريخ، كذلك لا يمكن الخروج من التأثيرات التاريخية في حركة الصراع. لأن موقف العقيدة الإسلامية من التاريخ يتجاوز عقد التاريخانية إلى مفهوم تفاعل العناصر المؤثرة في حركة التاريخ والصانعة له، ولما كان الفكر الإسلامي يفسر علاقة الإنسان بحركة التاريخ من منطلقات تتجدر عند فلسفة نشأة التاريخ باعتبار أن الإنسان أحد أهم عناصر صناعة التاريخ، يصب من التجني أن يتم الجمود عند نقطة الحدث التاريخي دون التفكير في الغايات، باعتبار أن الفكر الإسلامي ينحو باتجاه تحقيق غايات ومثل عليا حتى وإن أهملها التاريخ في مرحلة زمنية معينة، أو لم تظهر نتائجها في ذلك الوقت.
فالإنسان في كل مراحل حركة التاريخ يعتبر عنصرا دافعا باتجاه المستقبل، مستلهما في ذلك عقيدة الإنسان الخليفية التي ستتكرس في عصر الظهور الشريف. هكذا فإن الرؤية المعرفية لا تحدث قطيعة بين القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وخلفيتها الفلسفية والشرعية.
من هنا يحدث ذلك التفاعل بين القيادة والقواعد الشعبية، في عصر الإمامة الحاضرة كذلك كنا نشهد ذلك التفاعل العميق بين الإمام وقواعده الشعبية على الرغم من الملاحقة والمتابعة المستمرة كتحركات الإمام من قبل الأنظمة الحاكمة في عصره، وقد سعت الإمامة إلى تطوير وإنضاج العقل الجمعي ليتحمل المسؤولية في عصر الغيبة، ولما كانت الإمامة تمثل استيعاب كليا لحركة التاريخ، فإنها لم تدعو إلى الجمود عند الموقف التاريخي، بل دعت إلى مراجعة التصورات السائدة في كل مرحلة، حتى يمكن استنهاض العقل من حالة الركود ودفعه للتأمل في الماضي واستخلاص الحكمة منه، والتطلع للمستقبل. باعتبار أن الفكر الإسلامي يشكل فكرا حضاريا ينحو نحو غايات مستقبلية تفسر العلاقة بين الإنسان والمثل العليا هكذا أصبح لزاما على المرجعية بعد الغيبة الكبرى (329 للهجرة) أنما هي الأخرى استيعاب كليا لحركة التاريخ باعتبارها تقود الصراع الحضاري في المرحلة الحالية.
إن غياب الموقف النقدي سيشكل عائقا أمام تقدم الوعي الجمعي للأمة، حيث أن المجتمعات الإنسانية لا تتقدم بالاستقراءات السطحية للإشكاليات التاريخية، والانغماس في الحدث التاريخي إلى حد الجمود يوقف تفاعلات العقل في تطلعه نحو المطلق، من هنا يجب أن يصبح الحدث التاريخي عنصرا دافعا في التحرك باتجاه المستقبل.
II) مفهوم الإيديولوجية ومجالات استعمالها:
1- مفهوم الإيديولوجية
يرى عبد الله إن كلمة الإيديولوجية – كما ورد في كتاب “مفهوم الإيديولوجيا” لعبد الله العروي – كلمة دخيلة على جميع اللغة الحية. تعني لغويا في أصلها الفرنسي علم الأفكار لكنها لم تحتفظ بالمعنى اللغوي إذ استعارها الألمان وضمنوها معنى آخر. وبعد رجوعها إلى الفرنسية أصبحت دخيلة حتى في لغتها الأصلية(15).
لذا ليس من الغريب أن نجد أن أغلب الترجمات التي تقابلها في العربية هي ترجمات غير مرضية وهذا راجع إلى عجز الكتاب العرب عن ترجمتها بشكل مدقق بحيث نجد أن العبارات التي تقابلها هي: “منظومة فكرية – عقيدة ذهنية إلخ.
وهذا ما دفع الكاتب (عبد الله العروي) إلى محاولة تعريفها بشكل أكثر دقة، فحاول إدخالها في قالب من قوالب الصرف العربي فيقول: “أدلوجة ج أداليج أو أدلوجات، وأدلج إدلاجا ودلج تدليجا وأدلوجي ج أدلوجيون”(16).
وهناك من يعتبر الأدلوجة هي الوعي الزائف ككارل مانهايم: إن مفهوم الأدلوجة، نشأ في ظروف معينة كلما استعملناه اليوم عن قصد أحينا بالمحاجبة تلك الظروف لذا لابد من الفصل حسب الكاتب بين عصر ما قبل الأدلوجة وعصر الأدلوجة(17).
2- مجالات استعمالها:
أ- استعمال ق 18: حيث تعي الأدلوجة الأفكار الموروثة عن عصور الجهل والاستعباد، ويتقابل في هذا الاستعمال التقليد الجاهل مع العقل الكاشف عن الحقيقية البديهية وهو عقل يختلف في الفرد وفي الإنسانية جمعاء فينظر إلى الأدلوجة انطلاقا من العقل الفردي.
ب- استعمال الفلاسفة الألمان هيغل والرومانسيين بوجع خاص حيث تعني الأدلوجة عندهم منظومة فكرية تعبر عن الروح التي تحفز حقبة تاريخية إلى هدف مرسوم في خطة التاريخ العام، فينظر إلى الأدلوجة انطلاقا من التاريخ كخطة واعية بذاتها.
ج- الاستعمال الماركسي: حيث الأدلوجة منظومة فكرية تعكس بنية النظام الاجتماعي.
د- استعمال نيتشه: حيث الأدلوجة مجموع الأوهام والتعليلات والجيل التي يعاكس بها الإنسان الضحية قانون الحياة.
هـ- استعمال فرويد: حيث الأدلوجة محموع الفكرات الناتجة عن التعاقل الذي يبرر السلوك المعاكس لقانون اللذة والضروري لبناء الحضارة فينتظر إلى الأدلوجة انطلاقا من اللذة.
المحور الثاني: العرب والأصالة
1- ثلاث كيفيات رئيسية لفهم المجتمع العربي
يرى عبد الله العروي في كتابه “الإيديولوجية العربية المعاصرة” أنه بإمكاننا أن نميز في الإيديولوجية العربية المعاصرة ثلاث كيفيات رئيسية لفهم القضية الأساسية للمجتمع العربي أولها تتجلى في الإيمان الديني والثانية في التنظيم السياسي وأخيرا في النشاط العلمي والتقني(18).
أ- الشيخ: أو الإيمان الديني وفد ركز في هذا الجانب على التعارض القائم بين المسيحية الممثلة للغرب والإسلام الممثل للشرق. هذا الصراع القديم الذي يبلغ عمره 12 قرنا في شرقي وغربي حوض المتوسط(19). فالشيخ كثيرا ما سمع على كون أن ضعف الإسلام ناتج عن التعصب والخرافات، ولكن حين عودته لنصوصه يجد أن هذا الدين هو دين تسامح وإيمان مدكوم بالعقل كما سمع من يقول إن قوة الغرب مؤسسة على العقل والحرية، وهذا ما يدفعه إلى محاولة تكوين فكرة عن هذا التاريخ فيطلع على كتاب معادن للإكليروس(20) ليكشف مدى زيف هذه الأفكار التي كونها عن الغرب أو المسيحية يمكننا القول أن العروي يحاول في هذا الصدد إبراز ذلك التعارض والتنافس الكبير الذي كان بين الشرق والغرب من الناحية الدينية.
ب- رجل السياسة (التنظيم السياسي):
وهنا يتحدث الكاتب على كون الغرب أصبح في هذه المرحلة يعرف بصورة أفضل وينتهي الأمر إلى الاقتناع بكون العقل كان غائبا عن المسيحية ولم يكن غائبا عن أوربا(21). وقد شكل عصر الأنوار بالنسبة للعرب وجهان متناقضان. الوجه الأول أنه جلب عدة إيجابيات للشيخ المتمثلة في تقديم الشطر الأعظم من الحجج ضد هذه الكنيسة وقبائحها ويتيح تعزيز بعض الخرافات. ولكن الوجه الثاني تميز بالسلبية لأن هذا العصر أصبح يمارس نوع من الهيمنة والسيطرة على العقل العربي(22).
غير أنه لا يمكن أن نتحدث عن عصر الأنوار كعصر استخدم فلسفته ضد الكنية وحدها، بل وأيضا تبيان مدى السلطة والعنف والعبودية والخوف التي مارسها الأتراك الملقبين قديما بالمدمرين(23).
ج- داعية التقنية:
هذا الأخير – كما قال عبد الله العروي – سيسفر من الأفكار التي كونها عن الغرب كلا من الشيخ والسياسي، وسوف يحدد الغرب لا من خلال دين خال من الأوهام ولا بدولة برئية من الاستبداد وإنما سيحددها بقوة مادية اكتسبت العمل بالعلم التطبيقي(24). وهكذا يقول سلامة موسى الأب الروحي للصحافة المصرية “أن الفرق بيننا وبين الأروبيين المتمدنين هو الصناعة وليس شيئا غير الصناعة”.
غير أن داعية التقنية هذا الذي ادعى أنه تجاوز الشيخ ورجل السياسة وسعى وراء الحقيقة التي كان يرددها دائما اكتشفت أنه لم يكن تقنيا في كثير من الأحيان.
مما سبق يتبين لنا أن عبد الله العروي حاول تجسيد ثلاثة أنماط من الوعي العربي في الشيخ والتقنية ورحيل السياسية. الوعي العربي الذي يحاول منذ نهاية القرن الماضي أن يفهم ذاته وأن يفهم الغرب.
2- وعي الغرب ووعي الذات:
في إطار حديثه عن الوعي توصل المؤلف إلى 3 أشكال من الوعي العربي هي الوعي الديني – الوعي السياسي والوعي المعنوي ويمثل هذه الأشكال من الوعي كل من محمد عبده ولطفي السيد وسلامة موسى لأنهم يقدمون أسطح تجسيد لها، كما تطرق أيضا للأفكار المهمة التي تميز بها جمال الدين الأفغاني الموجود في منشأ كل فكر عربي حديث، وهذا الأخير كان صوت واجب الوجود وليس صوت الواقع ونداءه الملتهب واعتقد أنه لن يجد الشرف خلاصه إلى بتصالحه مع العقل والعلم(25).
إن أي شكل من أشكال الوعي السالفة الذكر لا يتلاشى كليا مع تلاشي الدولة التي سيطر عليها، بحيث إن الوعي المشيخي لا يتلاشى في الدولة المستقلة الليبرالية بل إنه فقط يفقد وصفه المهيمن(26).
وبالتالي فإن التعايش بين مختلف أنواع الوعي في الدولة نفسها هو شيء لا جدال فيه، ولكن التعاقب التاريخي هو الذي يعطي كل وعي منها وزنه النوعي.
إن الشيخ والليبرالي وداعية التقنية يجيبون ثلاثتهم بصورة مختلفة عن نفس السؤال ما الذي يحدد موضوعيا الغرب ويحددنا نحن بالتالي سلبيا؟
فيجيب أحدهم عن الجواب في المعتقد الديني والثاني في التنظيم السياسي والثالث في التقنية أي في علاقة الإنسان بالطبيعة(27).
نخلص أن هناك علاقة غير مباشرة بين الشيخ والسياسي وداعي التقنية كما نخلص إلى أن العرب بعيدا جدا عن البحث عن الذات لأنه قبل أن نعرف من نحن علينا الإجابة أولا عن السؤال الذي يشغل بال العرب هو “ما هو الغرب؟
3- الدولة القومية:
عرف العروي الدولة القومية بكونها دولة الدعوة للتقنية والتصنيع وهي أيضا دولة البورجوازية الصغيرة الظافرة وهذه الدولة مدعومة بتجربة غنية لكنها مكونة من إخفاقات ليكون بذلك صوتها بلا صدى وأكمالها بلا تأثير(28).
نظرية الثقافة القومية: تتجلى في فرض قيد العقل وينتقدها العروي لكون الطبقة المسيطرة عليها هي بورجوازية محدودة الذكاء والأفق غير مثقفة ووصفها بمجموعة فئات غير متلاحمة(29).
هذه الانتقادات للدولة القومية لا تصل حسب العروي إلى حد تمني زوالها وكلاهما أي الدولة القومية والانتقادات ينزعان القناع عن غرب رابض في العقول والقلوب وكلاهما يطرحان أصالة مع إبقاء التقنية خارج الانتقاد(30).
وهكذا يصبح البحث عن الأصالة المفقودة أمرا ضروريا من طرف المثقفين المعارضين ومن ثم توليد إيديولوجية جديدة هي الاشتراكية القومية.
4- الاشتراكية القومية:
بعد الدولة القوية انبثقت لدينا دولة أخرى هي الاشتراكية القومية هاته الأخيرة التي اعترفت بضرورة الجمع بين والتقنية والأصالة بحيث أن الدولة القومية كما قال العروي كي تتصالح مع كل مجتمعاتها “ترفع راية الاشتراكية القومية وهي عملية تركيب بين القوة والأمانة للسلف”(31) هذا وقد رفعت القومية الاشتراكية كشعار لها: العدالة والمساواة وقائمة على التضامن والوئام وبعد الصراعات والحوارات الفاشلة والمجهضة مع الغرب ستظهر لنا في الدولة القومية لغة جديدة مشتركة بين الغرب والعرب وهي لغة التقنية.
ويختم العروي الفصل الأول من كتابه بالإشارة إلى أنه ما من شكل من أشكال الوعي الثلاثة حقيقي وأصيل لا عند الشيخ ولا عند داعية التقنية الأول يعكس صورة مختلفة للاتصال بالغرب لكن محور تفكيره ليس ملكا ذاتيا له خاصا به(32).
المحور الثالث: العرب والاستمرار التاريخي:
صنف العروي في كتابه هذا ثلاثة أصناف من التاريخ العربي وهي:
1- التاريخ الاعتباري:
هو تاريخ انتقدته النزعة الوضعية بشدة في الغرب والشرق والذي لا يخفي اهتماماته الإيديولوجية “التاريخ هو خادم والرؤية الأولى لهذا التاريخ هي رؤية كعصر ذهبي، ذي توازن تام بين عناصر الطبيعة البشرية. كما تطرق الكاتب في هذا الصدد للدين الإسلامي والمؤمرات التي أحبكت له من طرف اليهود، بالإضافة إلى كون فكرة عهد مثالي أصبحت تبعد عنا بصورة حتمية لا مرد لها كالزمن الذي يمر(33).
2- التاريخ المقدس:
وقد شبه العروي الانتقال من التاريخ الاعتباري إلى التاريخ المقدس بانتقال المرء من الثقة بالذات إلى اليأس. فأصبح التاريخ يتجسد لنا في صورة العقيدة الدينية والثقافة واللغة(34).
* الماضي المتجسد في العقيدة الدينية: الشيخ الذي أصبح يشعر بأن شأنه قد تقلص في الدولة الليبيرالية يحاول جاهدا أن يعيد الماضي العربي إلى فترة تبلور العقيدة الإسلامية ليعتبر نفسه الوارث الحقيقي الوحيد ما دام أنه هو حارس العقيدة، وبالتالي هناك دائما استمرارية التاريخ الديني(35).
* الروح التي تحميها الثقافة: بعد سقوط الشيخ الذي أزيح منذ مدة وسقوط الليبرالي في عهد قريب بدأ الرحلات يعكفان على ميدان الدراسات الأدبية وخلق ثقافة الأدب المتمثلة في الشعر والنثر وغيرهما. وتتميز هذه الثقافة بكونها خارجية عن المجتمع الذي يتبناها، ثقافة غريبة بالرغم من أن العرب غير مدركين لذلك ويعتبرونها جزءا منهم(36).
* الأنا المتقمص في لغة: وللاختصار فقط أشار العروي بخصوص هذه النقطة إلى تمسك العربي بلغته العربية وحبه لها ويقول العروي واصفا اللغة العربية: “إن اللغة العربية هي الملك الوحيد الذي نملكه نحن بصورة كاملة وبلا منازع في عالم نحن فيه مجرد مدعويين”(37).
3- التاريخ الوضعي:
هذا التاريخ هو أسلوب مصاغ في القرن 19 والذي يمكن أن نسميه حسب المؤلف بالانتقادي أو الوضعي إن لم نقل موضوعي.
III) العرب والتعبير عن الذات:
في هذا الصدد تطرق العروي لمختلف الأشكال والصيغ التعبيرية والأدبية التي يعبر بها العرب عن ذاوتهم، فهؤلاء يحاولون منذ قرن تشييد أدب في الأشكال الجديدة من مسرح ورواية كما تطرق للمشاكل الجمة التي تواجه المبدع والكاتب العربي الذي يعاني من عدم القدرة على إيصال صبته للغرب عن طريق ترجمة أعماله من أجل تصحيح ما كتب عن تاريخه من زيف وأخطاء. ولكن هذه الإشكالية أصبحت فيما عن تاريخه من زيف وأخطاء. ولكن هذه الإشكالية أصبحت فيما بعد متجاوزة نوعا ما. لأن الدراسات والترجمات الانتقادية قد نشرت في أوربا(38). ونذكر على سبيل المثال ترجمة “أنا أحيا” لنجيب محفوظ وترجمة مجموعات مختارات من الأدب العربي المعاصر وغيرها.
ومن بين الأساليب المستخدمة للتعبير عن الذات ذكر العروي الفولكلور وهذا الأخير ليس محتوى شعبيا مرتبط بالطبقات الشعبية الدونية لأن هذه الفكرة ربما كانت صائية في زمن ولمى وانقضى. أما في عصرنا الحاضر فالفلكلور ليس هو الذي يقدم مشهدا عن نفسه لنفسه بل إن البورجوازية المدنية الكبيرة والصغيرة هي التي تأتي مثل السياح المتبذلين للتصنيف للاحتفالات الفولكلورية كما قال العروي(39).
الأدب والتعبير: في هذا الجانب يستعرض لنا الكاتب تتبع الإنتاج الأدبي العربي للتطور العام للمجتمع والثقافة واعتبر أن هذا الأدب مر بثلاث مراحل هي: المرحلة الكلاسيكية والمرحلة العاطفية والحالمة وإلى تنشر بكاملها تحت شعار الليبرالية لتبرز لدينا الرواية كأهم وسيلة تعبيرية(40) ثم المرحلة الواقعية: حيث يتوحد شكل الإنتاج عبر الروايات والقصص والمسرحيات وهي مرحلة تهيمن عليها بلا جدال وجه نجيب محفوظ ويعتبر المؤلف أن هذا التحقيب المرحلي الأدبي قابل لأن يعمم على التراب العربي ككل كما هو الشأن في تعاقب أشكال الوعي.
* إشكالية الصيغ التعبيرية: وفي هذا الصدد يستعرض العروي ثلاث أشكال من الأدب العربي المتجلية في المسرح والرواية والقصة.
* المسرح: وتعتبر تجربة شوقي وتجربة توفيق الحكيم أهم تجربتين مسرحيتين في العالم العربي، والمسرح حسب العروي يتوقف في النهاية على كيفية رؤية التاريخ ونجاح المسرح رهين بشروط أهمها(41): أنه يتطلب وعيا منقسما منفتحا وأن تكون الشروط الاجتماعية ملائمة لكي يتمكن المؤلف من أن يفرض على المتفرجين طرحا للمناقشة لمعنى التاريخ. فالمسرح هو وسيلة عمل ونشاط حسب قول المؤلف قادرة على إعادة الاعتبار للماضي أو شق طريق للمستقبل لأنه يضع الحاضر قيد المحاكمة. والشكل المأساوي في المسرح سواء أكان يدين الحاضر أو يعيد الاعتبار للماضي هو تعارض بين نظامين أخلاقيين والمسرح يتطلب وعيا جماعيا ولكن يؤكد العروي في نفس الوقت على أنه ينبغي الاعتراف بأن المجتمع العربي يم يتمكن من أن يقدم للشكل المسرحي محتوى يلائمه لأنه ظل يقلد موضوعات خارجية مستورة ومواضيع بالية فات أوانها(42).
* الرواية: وما قيل عن المثيل يقال عن المماثل فإذا كان المسرح لم يستطع أن يخلق مواضيع تعكس الواقع الاجتماعي العربي فإن الرواية أخفقت بدورها في هذه المهمة بحيث لا توجد هناك رواية كلية شاملة موضوعية أو ذاتية تستعير معمارها من بنية المجتمع(43) وأن الوسط البورجوازي كان دائما الوسيط المرافق للرواية.
* الأقصوصة: مما سبق يبدو أن هذه الأخيرة أي الأقصوصة يمكن اعتبارها هي التكتل الأدبي المطابق لمجتمعنا المشتت والذي هو دون وعي جماعي فليس مصادفة إذن، إذا كانت الأقصوصة تفرض نفسها كشكل تعبيري على الآداب الناشئة بعد أن أخذت الرواية تأخذ منحى تنازليا. والأقصوصة ليست رواية قصيرة بل إنها تختصر نهاية رواية لم تكتب والأقصوصة تتناول أو تتطرق في مواضيعها للاهتزازات الأخيرة من حركة الجمع الاجتماعي وهي تخمن الواقع الاجتماعي(44).
ينهي الكاتب مؤلفه هذا بالتطرق إلى فكرة هامة مؤداها أن محاولته هذه ترفض أن تعتبر الإيديولوجية العربية بمثابة كلام طائش بل إنها تحاول أن تظهر أن الإيديولوجية العربية هي كلام ذو بنية ومتلاحم وأنه يلعب دورا بصفته مرشدا للنشاط العملي وأن مؤلفه هذا (الإيديولوجية العربية المعاصرة) يظهر أن العالم اليوم تهيمن عليه أربع قواعد أساسية هي “العقل والمصلحة وتوازن القوى) لذا على الدول العربية أن تتخلص من تفكيرها المركزي والإقليمي وأن تتكلم كلام باقي الدول وتبني سياساتها على القواعد الأربعة التي أسلفنا الذكر. وربما حان الوقت يقول العروي لنكف عن الدعوة للانكماش والانعزال تحت شعار الأصالة والخصوصية(45).
والسبيل الوحيد – في نظر الكاتب دائما – للانفتاح على تاريخ جدي هو فتح باب الاجتهاد ثم أيضا إغلاق باب التقليد كليا ونهائيا.
هي محاولة إذن للفيلسوف المغربي حاول من خلالها تحليل القضايا التاريخية والسياسية والفكرية المتعلقة بتاريخ الدول العربية وكل ما يهم ماضيها وحاضرها ومستقبلها لذا يمكن أن نقول أن محاولة العروي هذه هي صيحة الأعماق الصادرة عن رجل أثار غيظه تواطؤ الجهل والعجز عن التفكير العقلي المنتظم كما قال في حقه رودنسون، فالعروي دوما يدعونا إلى معرفة الرقمنة دون الانغماس في التراث.
مفهوم شامل لمجتمع المعرفة:
يعتبر مصطلح “مجتمع المعرفة” من المصطلحات الجديدة، التي ظهرت في غضون التحولات العلمية والفكرية والتكنولوجية والسياسية، التي بدأ يشهدها راهن الإنسانية انطلاقا من العشرية الأخيرة من القرن المنصرم، كمصطلحات العولمة والسوق الحرة والنظام العالمي الجديد والثورة الرقمية وحوار أو صدام الثقافات وغيرها، وعلى مستوى المفهوم يتخذ هذا المصطلح اتجاهين: أولهما عادي، يطلق على جماعة من الناس تجمع بينهم اهتمامات فكرية أو أدبية أو علمية أو سياسية موحدة، فيتكون في مجتمعات معرفية مصغرة، يجمعون فيها ما توصلوا إليه من معارف ومعلومات وإنجازات وغير ذلك.
أما ثانيهما: فهو أوسع وأعمق، حيث يشكل محورا أساسيا لدى العديد من الأطروحات السياسية والدراسات المستقبلية المتخصصة.
ومن جهة أخرى، يشهد العالم مرحلة إعادة اعتبار للثقافة من زاوية استراتيجيات المستقبل، خاصة وأن التطورات الجارية تبشر بمستقبل جديد على مستوى الإنجاز المادي والتقدم التكنولوجي، ومراكز البث الإلكتروني، وبرامج التنفيذ في مجالات الإدارة والعمل الوظيفي.
فلقد أصبح مصطلح ثورة المعلومات “ومجتمع المعرفة” ومجتمع الحاسوب ومجتمع ما بعد الصناعة ومجتمع ما بعد الحداثة، ومجتمع اقتصاد المعرفة والمجتمع الرقمي وغيرها من المصطلحات، المميز الرئيسي لحقبة تاريخية هامة من تاريخ البشرية.
إن “مجتمع المعرفة” هو ذلك المجتمع الذي يحسن استعمال المعرفة في تسيير أموره وفي اتخاذ القرارات السليمة والرشيدة، وكذلك هو ذلك المجتمع الذي ينتج المعلومة لمعرفة خلفيات وأبعاد الأمور بمختلف أنواعها.
وقد أفضت الثورة المعرفية إلى مجتمع المعرفة الذي أصبح يعتمد – أساسا – على المعارف كثورة أساسية، أي على خبرة الموارد البشرية وكفاءتها ومعارفها ومهاراتها كأساس للتنمية الإنسانية الشاملة.
إن “مجتمع المعرفة”، بوقعه المعرفة في قلب المعادلات على اختلاف أنواعها “يشكل فرصة تاريخية نادرة ونقلة نوعية فريدة تجعل من المعرفة أساس …………… والكسب والجاه”، كما أن مجتمع المعرفة “يضع الإنسان كفاعل أساسي، إذ هو معين الإبداع الفكري والمعرفي والمادي، كما أنه الغاية المرجوة من التنمية البشرية كعضو فاعل يؤثر ويتأثر ويبدع لنفسه ولغيره” من خلال شبكات التبادل والتخاطب والتفاعل.
وهكذا يتبين أن المعادلة الاقتصادية الجديدة “لا تعتمد أساسا على وفرة الموارد الطبيعية ولا على وفرة الموارد المالية، بل على المعرفة والكفاءات والمهارات، أي على العلم والابتكار والتجديد”.
خصائص مجتمع المعرفة
يعيش العالم انفجارا معرفيا غير مسبوق، بحيث يندر أن يمر يوم دون أن تحمل لنا المجلات المتخصصة، بناء عن اختراعات واكتشافات جديدة.
ففي مجال الإلكترونيات، على سبيل المثال، تتوالى المكتشفات، بحيث أصبح التراكم المعرفي يتزايد بمتوالية هندسية ويتضاعف كل 18 شهرا وتشير المعطيات إلى أن البشرية قد تراكمت، في العقدين الأخيرين، من المعارف مقدار ما راكمته طوال آلاف السنين السابقة التي شكلت التاريخ الحضاري للإنسانية.
وغالبا ما تكون التكنولوجيا الأحداث أحسن أداء وأرخص سعرا وأصغر حجما وأخف وزنا وأكثر تقدما وتعقيدا من سابقتها، كما أن المعرفة والمعلومات اللازمة لإنتاجها أكثر كثافة وتتطلب ارتفاعا متزايدا للقدرات البشرية من علماء ومطورين وتقنيين. كما أصبح التنافس في الوقت والعمل في الزمن الحقيقي في كل مواقع العمل والخدمات، التي تعمل بلا توقف لتلبية احتياجات المستهلكين في جميع أنحاء العالم، هو السمة الأبرز للإنتاج.
وعلى صعيد آخر، تغيرت طبيعة الوظيفة والعمل عما كان عليه الحال في عصر الصناعة. فالجامعة الافتراضية والعيادة التي تقدم الاستشارات والعلاج عن بعد. والتجارة الإلكترونية والعمل في المنزل، غيرت المفهوم التقليدي للعمل والوظيفة.
أبعاد مجتمع المعرفة:
أصبح لمجتمع المعرفة أبعاد مختلفة ومتشابكة يجب استغلالها كما ينبغي حتى لا نبقى نعيش على هامش المجتمع الدولي، ومن أهم هذه الأبعاد:
1- البعد الاقتصادي:
إذ تعتبر المعلومة في مجتمع المعرفة هي السلعة أو الخدمة الرئيسية والمصدر الأساسي للقيمة المضافة وخلق فرص العمل وترشيد الاقتصاد، وهذا يعني أن المجتمع الذي ينتج المعلومة ويستعملها في مختلف شرايين اقتصاده ونشاطاته المختلفة هو المجتمع الذي يستطيع أن ينافس ويفرض نفسه.
2- البعد التكنولوجي:
إذ أن مجتمع المعرفة يعني انتشار وسيادة تكنولوجيا المعلومات وتضييقها في مختلف مجالات الحياة، في المصنع أو المزرعة والمكتب والمدرسة والبيت … إلخ، وهذا يعني ضرورة الاهتمام بالوسائط الإعلامية والمعلوماتية وتكييفها وتطويعها حسب الظروف الموضوعية لكل مجتمع، سواء فيما يتعلق بالعتاد أو البرمجيات، كما يعني البعد التكنولوجي لثورة المعلومات توفير البنية اللازمة من وسائل اتصال وتكنولوجيا الاتصالات وجعلها في متناول الجميع.
3- الاجتماعي:
إذ يعني مجتمع المعرفة سيادة درجة معينة من الثقافة المعلوماتية في المجتمع، وزيادة مستوى الوعي بتكنولوجيا المعلومات، وأهمية المعلومة ودورها في الحياة اليومية للإنسان..
والمجتمع هنا مطالب بتوفير الوسائط والمعلومات الضرورية من حيث الكم والكيف ومعدل التجدد وسرعة التطوير للفرد.
إن التغيير سيطال أسس العمل نفسها، ذلك أن العمل في أي حقل كان يستوقف على إدارة المعلومات والتصرف بها عبر الأدمغة الاصطناعية ووسائل الإعلامية. ولذا شهدنا ولادة فاعل بشري جديد هو الإنسان الرقمي الذي ينتمي إلى عمال المعرفة (ذوي الياقات البيضاء).
الذي يردمون الهوة بين العمل الذهني والعمل اليدوي، إذ لا فاعلية في العمل من غير معرفة قوامها الاختصاص والقدرة على قراءة رموز الشاشات، مما طرح إطار مفهوميا جديدا هو “العمالة المعرفية”.
4- البعد الثقافي:
إذ يعني مجتمع المعرفة إعطاء أهمية معتبرة للمعلومة والمعرفة، والاهتمام بالقدرات الإبداعية للأشخاص، وتوفير إمكانية حرية التفكير والإبداع، والعدالة في توزيع العلم والمعرفة والخدمات بين الطبقات المختلفة في المجتمع كما يعني نشر الوعي والثقافة في الحياة اليومية للفرد والمؤسسة والمجتمع ككل.
إن مجتمع المعرفة لا يقتصر على إنتاج المعلومة وتداولها، وإنما يحتاج إلى ثقافة تقيم تحترم من ينتج هذه المعلومة ويستغلها في المجال الصحيح، مما يتطلب إيجاد محيط ثقافي واجتماعي وسياسي يؤمن بالمعرفة ودورها في الحياة اليومية للمجتمع.
إن أشد ما يقلق البعض في القضايا التي يثيرها مجتمع المعرفة هو مالها من آثار على الهوية والخصوصيات الثقافية، وهو قلق له ما يبرره في ظل ما نراه من محاولات قوى الهيمنة الاقتصادية تنميط سلوكيات البشر وثقافتهم في المجتمعات كافة وإخضاعها لنظام قيم وأنماط سلوك سائدة في مجتمعات استهلاكية، إذ يحمل فيض الأفكار والمعلومات والصور والقيم القادمة إلى كثير من المجتمعات إمكانية تفجر أزمة الهوية، التي أصبحت من المسائل الرئيسية التي تواجه التفكير الإنساني على المستوى العالمي، وفي سياق هذه الأزمة تنبعث العصبيات القبلية والطائفية والمذهبية والقومية الضيقة الرغبة في البحث عن الجذور وحماية الخصوصية.
ويبدو أن هاجس الخصوصية الثقافية هو نفسه هاجس الأصالة والمعاصرة معا، إذ يخطأ من يعتقد أن حماية الذات الثقافية تمكن من عزلها عن العالم الخارجي وحمايتها من مؤثرات الثقافية الكونية، فغني عن التوكيد أن الذات الثقافية المطلوب حمايتها من الاغتراب هي ثقافة الإبداع وليس الاستهلاك، ثقافة التغيير الشامل وليس ثقافة الجمود والاحتماء بالسلف الصلح، ثقافة الوحدة القومية بأفقها الإنساني الحضاري لا ثقافة الأجزاء المفككة التي يعتبر كل منها أنه بديل للأمة.
على أن بعض الدراسات تحاول التركيز على تاريخية ونسبية الهوية وعدم الإقرار بثباتها، مما يجعلها مرنة قد تتعايش أو تقتبس من ثقافات أخرى، بل قد تساعدها عوامل التقارب وسقوط الحواجز على تفاعل إيجابي وخلاقا مع مجتمع المعرفة. لذلك، قد يكون السؤال ليس كيف نقاوم ثقافة مجتمع المعرفة ونحمي أنفسنا منها، ولكن كيف نعيش عالمنا الراهن بواقعية ودون تناقصات وتأزم وبلا إحساس بعقدة نقص أو خوف كما أن بعض المقاربات ترى أن هذه الثقافة لا تهدد الهوية بالفناء أو التذويب، بل تعيد تشكيلها أو حتى تطويرها لتتكيف مع الحاضر، فالإنسان يتجه نحو إمكانية أن يعيش بهويات متعددة دون أن يفقد أصالته القومية.
ولا يفارق الوعي بالحقائق الموصوفة أعلاه، منطق المساءلة الذي يضع لوازم ثقافة مجتمع المعرفة موضع البحث، كاشفا عن إمكاناتها واحتمالاتها المتعارضة، لا من المنظور الذي يرى بعدا واحدا من الظاهرة، وإنما من المنظور الذي يلمح التناقض داخل الظاهرة نفسها.
ومن ثم يكشف عن إمكانات أن تتقلب بعض الوسائل على غاياتها الأولية، فتؤدي وظائف مغايرة ومناقضة في حالات دالة. فلاشك في أن ثورة المعلومات وتقدم تقنيات الاتصال، الملازمة لمجتمع المعرفة، يمكن أن تؤدي إلى نقيض الهيمنة لو تم توظيفها بعيدا عن الاشتغال، ومن ثم إدراكها وإخضاعها لشروط مغايرة من علاقات الاعتماد المتبادل للنوع البشري الخلاق.
5- البعد السياسي:
إذ يعني مجتمع المعرفة إشراك الجماهير في اتخاذ القرارات بطريقة رشيدة وعقلانية، أي مبنية على استعمال المعلومة، وهذا بطبيعة الحال لا يحدث إلا بتوفير حرية تداول المعلومات، وتوفير مناخ سياسي مبني على الديمقراطية والعدالة والمساواة، وإقحام الجماهير في عملية اتخاذ القرار والمشاركة السياسية الفعالة.
خصائص مجتمع المعرفة ومقوماته
إذن من خلال ملاحظة العنوان يتبين لنا أنه سيتناول موضوع مجتمع المعرفة وخصائصه والتي تميزه بالإضافة إلى مقوماته.
سنبدأ أولا بتعريف مختصر لمجتمع المعرفة:
مجتمع المعرفة: هو مجموعة من الناس ذوي الاهتمامات المتقاربة الذين يحاولون الاستفادة من تجميع معرفتهم سويا بشأن المجالات التي يهتمون بها، وخلال هذه العملية يصنفون المزيد إلى هذه المعرفة، وهكذا فإن المعرفة هي الناتج العقلي والمجدي لعمليات الإدراك والتعلم والتفكير.
سننتقل إلى الحديث عن خصائص مجتمع المعرفة:
تتجلى خصائص مجتمع المعرفة فيما يلي:
– المعرفة تشكل أهم المكونات التي يتضمنها أي عمل أو نشاط وخاصة فيما يتصل بالاقتصاد والمجتمع والثقافة، وكافة الأنشطة الأخرى التي أصبحت معتمدة على توافر كم كبير من المعرفة والمعلومات.
– تتسم مجتمع المعرفة أو اقتصاد المعرفة بكون المعرفة لديه من أهم المنتجات أو المواد الخام.
– المعرفة تعد جزءا من رأس مال هذه المجتمعات، لأن مجتمعات المعرفة ليست أمرا حديثا، فإنه على سبيل المثال كان الصيادون يتقاسمون المعرفة منذ زمن بعيد بشأن التنبؤ بالطقس وذلك في إطار المجتمعات المحلية التي يعيشون بها.
لأمر الذي ……….. حديث هو أنه:
بفضل التكنولوجيات الحديثة، لم يعد ضروريا التقيد بالتواجد في نفس المكان الجغرافي.
تسمح التكنولوجيا المتاحة حاليا المزيد من الإمكانيات لتقاسم المعرفة وحفظها واستعادتها.
أصبحت المعرفة من أهم مكونات رأس المال في العصر الحالي، وأصبح تقدم أي مجتمع مرتبطا أساسا بالقدرة على استخدامها.
وفي الأخير سوف نختم لكم هذا العرض بالحديث عن المقومات التي يقوم عليها مجتمع المعرفة.
إنشاء نموذج معرفي عام بحيث يكون منفتحا ومستنيرا وأصيلا.
الاهتمام ببناء المقدرة الذاتية على البحث والتطوير التكنولوجي في الأنشطة المجتمعية جميعها وتوطين العلم.
الاهتمام بحريات التعبير والرأي وضمانها، حيث إن من شأنها أن تؤدي إلى إنتاج المعرفة، ما يغني الإبداع والتطوير والابتكار التكنولوجي وما إلى ذلك من أمور.
الاهتمام بنشر التعليم الراقي بشكل كامل مع الحرص على التعليم المستمر مدى الحياة وإعطاء الأولوية للتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة وتحسين جودة التعليم في المراحل جميعها، بالإضافة إلى الاهتمام بتطوير التعليم العالي، كما لابد من تعميم التعليم الأساسي بحيث يكون متاحا للجميع مع زيادة الفترة الخاصة به إلى عشرة صفوف كحد أدنى.
الثقافة السياسية:
يعرف البعض الثقافة السياسية بأنها “مجموعة من الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التي تعطى نظاما ومعنى للعملية السياسية وتقدم قواعد مستقرة تحكم تصرفات أعضاء التنظيم السياسي” ويعرفها البعض الآخر بأنها “القيم والمعتقدات والاتجاهات العاطفية للأفراد حيال ما هو كائن في العالم السياسي” وهذا يمكن القول أن الثقافة السياسية هي مجموعة الأفكار والمشاعر والاتجاهات التي يؤمن بها الفرد وتحرك سلوكه اتجاه النظام السياسي.
والثقافة السياسية بهذا المعنى هي جزء من الثقافة العامة للمجتمع وهي بذلك تؤثر في الثقافة العامة وتتأثر بها فالثقافة السياسية تجد مصادرها في الميراث التاريخي للمجتمع وفي الأوضاع السياسية والاقتصادية والإيديولوجية السائدة في المجتمع كذلك فإن الثقافة السياسية تؤثر في الثقافة العامة للمجتمع عن طريق قيامها بمساندة استمرار أوضاع أو السعي لتغيرها كذلك لا تعرف الثقافة السياسية لأي مجتمع ثباتا ومطلقا، ولكنها تتعرض للتغير ويحدث هذا التغير استجابة للتحولات التي تطرأ على المجتمع سواء سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا وسعى الثقافة السياسية للتكيف مع تلك الأوضاع الجديدة وبالإضافة إلى وجود قاسم مشترك من الثقافة السياسية بين أفراد المجتمع ككل إلا أن ذلك بمتع من وجود عدد من الثقافات السياسية التي قد ترتبط بمكان الإقامة مثل ثقافة أصل المدن وثقافة أصل الريف ارفعلن. الاختلافات الجيلية مثل ثقافة الكبار وثقافة الشباب أو الاختلافات بين ثقافة الجماهير وثقافة الصفوة سبيل المثال تتسم صفوة بأنها حديث وعقلانية في حين تتصف ثقافة الجماهير بالتقليدية والقدرية، كذلك تتسم ثقافة الكبار بالسعي إلى المحافظة على التغير الأوضاع القائمة.
ما هو مضمون الثقافة السياسية
الحرية: تحتوي الثقافة السياسية لأي مجتمع على عدد من القيم السياسية يتراوح مضمونها في الآتي.
الإكراه: حيث أن الثقافة السياسية قد تؤكد على قيمة الحرية وهنا فإن طاعة الفرد للسلطة الحاكمة يكون على أساس الاقتناع وليس الخوف ويكون لدى الفرد إحساس بالقدرة على التأثير في مجريات الحياة السياسية والمشاركة الإيجابية أو قد تؤكد على قيمة الإكراه وفي هذه الحالة فعادة ما ينصاع الفرد للحكومة بدافع الخوف لا اقتناع ويفتقد الإحساس بالقدرة على التأثير السياسي.
الشك والثقة: حيث يعتبر عنصر الشك أو الثقة في السلطة الحاكمة عنصرا أساسيا من عناصر الثقة السياسية مع ويتوقف مدى ثقة الفرد أو شكله في الحكومة على طبيعة سلوك الحكومة تجاه الأفراد ومدى استجابتها لمطالبهم لذلك فإن انخفاض الثقة بين الأفراد وبغضهم البعض يقلل مع ثقة الأفراد في حكومتهم بينهم وتزداد درجة المشاركة السياسية في المجتمع كلما زاد الإحساس بالمساواة بين أفراد.
الولاء المحلي والولاء القومي: ففي المجتمعات التي تعلن من قيمة الثقافة القومية يتجه الفرد بولائه نحو الدولة ككل بما يتضمنه ذلك من شعور بالمسؤولية العامة وإعلاء المصلحة على الاهتمام بالقضايا القومية. أما في المجتمعات التي على من قيمة الثقافة المحلية يتجه المصلحة الخاصة الفرد بولائه إلى أسرته أو قبلية أو جماعته الدينية أو العرقية أو اللغوية على حساب الدولة ويصاحب ذلك غياب الشعور بالمسؤولية العامة والانغلاق على القضايا المحلية والذاتية.
ويتم نقل الثقافة السياسية أو خلقتها أو تغييرها عن طريق عملية التنشئة السياسية أو نقل ثقافة المجتمع من إلى آخر ويقوم بهذا الدور عدد من الأدوات أهمها الأسرة والمدرسة وجماعة الرفاق والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام المختلفة.
أثر الثقافة السياسية على النظام السياسي
يحتاج أي نظام سياسي إلى وجود ثقافة سياسية تغذية وتحافظ عليه، فالحكم الفردي توائمه ثقافة سياسية تتمحور عناصرها في الخوف من السلطة والإذعان لها وضعف الميل إلى المشاركة وفتور الإيمان بكرامة وذاتية الإنسان، وعدم إتاحة الفرص لظهور المعارضة، أما الحكم الديمقراطي فيتطلب ثقافة تؤمن بحقوق الإنسان وتقنع بضرورة حماية الإنسان وكرامته في مواجهة أي اعتداء على هذه الحريات حتى لو كان من قبل السلطة نفسها، كما يشترط لاستمرار النظام والحفاظ على بقائه توافر شعور متبادل بالثقة بالآخرين في ظل مناخ اجتماعي وثقافي يعد الإنسان لتنقل فكرة وجود الرأي والرأي الآخر، ويسمح بوجود قدر من المعارضة في إطار قواعد وأطر سياسية موضوعة بدقة لكي تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع السياسي.
وتساهم الثقافة السائدة في المجتمع إلى حد كبير في بلدان كثيرة فقد تكون القيادة السياسية حكرا على عائلة معينة أو على مجموعة صغيرة ذات وضعية خاصة دينية أو مذهبية أو عرقية أو تعليمية، وحيث يقدر المجتمع لكبار السن ويعلي الذكور على الإناث.
وتؤثر الثقافة السياسية كذلك على علاقة الفرد بالعائلة السياسية فبعض المجتمعات تتميز بقوة الشعور بالولاء الوطني والمواطنة المسؤولة وهنا يوقع أن يشارك الفرد في الحياة العامة وأن يسهم طوعية في النهوض بالمجتمع الذي ينتمي إليه وفي دول أخرى يتسم الأفراد باللامبالاة والاغتراب وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه أي شخص خارج محيط الأسرة. وفي بعض الأحيان ينظر المواطن إلى النظام السياسي على أنه أبوي يتعهده من المهد إلى اللحد ويتولى لكل شيء نيابة عنه ويعمل على ضمان رفاهية الجماعة، وفي المقابل قد يتشكك الفرد في السلطة السياسية ويعترها مجرد أداة لتحقيق مصالح القائمين عليها ليس إلا.
لذلك يمكن القول أن الاستقرار السياسي يعتمد على الثقافة السياسية، فالتجانس الثقافي والتوافق بين ثقافة النخبة والجماهير يساعدان على الاستقرار أما التجربة الثقافية والاختلاف بين ثقافة النخبة وثقافة الجماهير فإنه يشكل مصدر تهديد لاستقرار النظام السياسي.
مفهوم الثقافة السياسية
لكل مجتمع خصوصيته تعكسها ثقافته السائدة بين أبنائه تلك الثقافة التي تطورها مجموعة القيم والمفاهيم والمعارف التي اكتسبها عبر ميراثه التاريخي والحضاري وواقعه الجغرافي والتركيب الاجتماعي وطبيعة النظام السياسي والاقتصادي، فضلا عن المؤثرات الخارجية التي شكلت خبراته وانتماءاته المختلفة. والثقافة السياسية هي جزء من الثقافة العامة للمجتمع .. وهي تختلف من بلد لآخر حتى لو كان شعباه ينتهجان نفس الأساليب الحياتية، وينتميان إلى نفس الحضارة، وينقسمان الاهتمامات والولاءات.
تعريف الثقافة السياسية
يقصد بالثقافة السياسية مجموعة المعارف والآراء والاتجاهات السائدة نحو شؤون السياسة والحكم، الدولة والسلطة والولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة، وتعني أيضا منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور، والعلاقة المناسبة بين الحاكم والمحكوم ومعنى ذلك أن الثقافة السياسية تتمحور حول قيم واتجاهات وقناعات طويلة الأمد بخصوص الظواهر السياسية، وينقل كل مجتمع مجموعة رموزه وقيمه وأعرافه الأساسية إلى أفراد شعبه، ويشكل الأفراد مجموعة من القناعات بخصوص أدوار النظام السياسي بشتى مؤسساته الرسمية وغير الرسمية وحقوقهم وواجباتهم نحو ذلك النظام السياسي، ولما كانت الثقافة السياسية للمجتمع جزءا من ثقافته العامة فهي تتكون بدورها من عدة ثقافات فرعية، وتشمل تلك الثقافات الفرعية: ثقافة الشباب، والنخبة الحاكمة والعمال والفلاحين والمرأة … إلخ. وبذلك تكون الثقافة السياسية هي مجموع الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التي تعطي نظاما ومعنى للعملية السياسية، وتقدم القواعد المستقرة التي تحكم تصرفات الأفراد داخل النظام السياسي، وبذلك فهي تنصب على المثل والمعايير السياسية التي يلتزم بها أعضاء المجتمع السياسي، والتي تحدد الإطار الذي يحدث التصرف السياسي في نطاقه أي أن الثقافة السياسية تدور حول ما يسود المجتمع من قيم ومعتقدات تؤثر في السلوك السياسي لأعضائه حكاما ومحكومين.
وعلى ذلك يمكن تحديد عناصر مفهوم الثقافة السياسية على النحو التالي: تمثل الثقافة السياسية مجموعة القيم والاتجاهات والسلوكيات والمعارف السياسية لأفراد المجتمع.
الثقافة السياسية ثقافة فرعية، فهي جزء من الثقافة العامة للمجتمع تؤثر فيه وتتأثر به، ولكنها لا تستطيع أن تشد عن ذلك الإطار العام لثقافة المجتمع. تتميز الثقافة السياسية بأنها متغيرة. فهي لا تعرف الثبات المطلق، ويتوقف حجم ومدى التغير على عدة عوامل من بينها:
مدى ومعدل التغير في الأبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودرجة اهتمام النخبة الحاكمة بقضية التغير الثقافي، وحجم الاهتمام الذي توليه وتخصصه الدولة لإحداث هذا التغيير في ثقافة المجتمع، ومدى رسوخ هذه القيم في نفوس الأفراد. تختلف الثقافة السياسية بين مجتمع وآخر كما تختلف من فرد لآخر داخل المجتمع.
هذا الاختلاف تفرضه عوامل معينة عوامل معينة كالأصل ومحل الإقامة والمهنة والمستوى الاقتصادي والحالة التعليمية.
في ماهية الثقافة السياسية ووظائفها
يمكن النظر إلى الثقافة السياسية على أنها تمثل الجانب السياسي من الثقافة العامة وهي بهذا المعنى جزء لا يتجزأ من تلك الثقافة التي تحمل الخصائص ذاتها تؤثر فيها وتتأثر بها إنه الجزء المتعلق بالحياة السياسية في علاقتها بالحاكم والمحكوم ومن ثم يمكن تحديد أهم عناصرها ممثلا في القيم والمعايير والمواقف والاتجاهات.
عناصر الثقافة السياسية
أ- القيم:
وهي تلك التصورات الإدراكية المميزة للفرد أو الشخصية أو نجاعتها وبواسطتها يتم الاختيار بين البدائل إن القيم تمثل إطارا مرجعيا للضبط الاجتماعي في المجتمع وتحدد سلوك الأفراد وردود أفعالهم كما أنها تحدد التأثير الملائم للمواقف المشتركة لأفراد المجتمع ثم إن القيم الموجودة لدى الإنسان هي نتاج للثقافة والنظم المجتمعية بمختلف تفاعلاتها مع شخصية الفرد.
أما الأبعاد التي يمكن تحديدها للقيم فهي على التالي:
– إنها مفهوم يحتوي على عنصر معرفي.
– بحكم أنها مرغوب فيها تحتوي على عنصر انفعالي.
– ومن حيث تأثيرها في الانتقاء فهي تحتوي على العنصر النزوعي.
ب- المعايير:
وهي عبارة عن قواعد للسلوك العادي وعناصر أساسية لتحديد الأدوار الاجتماعية من حيث كونها تضع التوقعات والمجال الذي يمارس فيه دوره وهي التي تعكس قيم المجتمع الأساسية.
ت- المواقف:
وهي اتجاهات الشخص نحو المؤسسات أو الأشياء أو تقييم ذلك الشخص إنها حياة ذهنية تستنج من المملوك.
ث- الاتجاهات:
يشير الاتجاه إلى تنظيم عدد من المعتقدات المعلقة بموضوع معين وهي غالبا ما ترتبط بموقف محدد أو موضوع بالذات ولهذا تجد عددها كبير مقارنة بالقيم التي يقل عددها.
ملخص:
إن الثقافة بحاجة إلى السياسية للاتصال بالواقع والتفاعل معه والسياسة بحاجة إلى الثقافة الاتصال بالمعرفة والارتباط بها.
والثقافة مقولة معرفية، والسياسية مقولة تقوم على أساس القوة، والمعرفة بحاجة إلى القوة لحمايتها وتطبيقها. والقوة بحاجة إلى المعرفة لتهذيبها وضبطها وتوجيهها، ولتحويلها إلى طاقة تساعد في حماية النظام العام، وتطبيق القانون واحترام الحقوق، ومن أجل العمران والتقدم.
والحقيقة أن الثقافة لا يمكن أن تكون بديلا عن السياسة، وأن السياسة سوف تظل في حاجة إلى ثقافة ومن الصحيح أيضا أن السياسة بمردها لا تستطيع معالجة مشكلات الأمم ولابد من معاضدة الثقافة.
لابد أن تتحول الثقافة إلى نقد مستمر للسياسة، وأن تتحول السياسة من جهة أخرى إلى نقد مستمر للثقافة. وبذلك يحفظ كل منهما مساحته من تدخل الآخر.
تساؤلات:
– العلاقة بين الثقافة والوعي
– الفرق بين الثقافة السياسية والثقافة العامة في المجتمع
– العلاقة بين الثقافة السياسية والمرجعية
– ما هو تأثير الثقافة السياسية في المجتمع
– ما هو تأثير الثقافة السياسية في عصرنا الحالي
– شرح مكونات الثقافة السياسية
– دور الشباب في الثقافة السياسية
– ما هي دور الديمقراطية
– ما موقف الشباب في الثقافة السياسية
– ما علاقة الثقافة السياسية بالديمقراطقية
خلاصة
ومهما يكن فإن العرب لازالو لم يعفروا موقع الثقافة في المجتمع، لأن هدفهم هو السلطة، والتسلية، والاستهلاك من هنا أطرح السؤال ما موقع العرب ثقافيا في عالمنا المعاصر؟
إنجاز: د. الغزيوي بوعلي / فاس
دة. بن المداني ليلة
الهامش:
(1)- Gérard Genette ; Seuils – ed seuil, Paris 1987, P : 7.
(2)- F. De Saussure, C. L. S, P : 160 نقلا عن محمد خرماش، مفهوم المرجعية وإشكالية التأويل في تحليل الخطاب الأدبي،مجلة الموقف الثقافي، ع: 4، السنة الثانية 1997، ص: 35.
(3)- J. Michel Adam, L’linguistique discours littéraires – L Paris 1976, P : 263.-
(4) – د. محمد خرماش، مفهوم المرجعية وإشكالية التأويل في تحليل الخطاب الأدبي، ص: 36.
(5) – هيدجر، رسالة حول النزعة الإنسانية، الترجمة الفرنسية، 1996، غاليمار، ص: 68.
(6) – هيدجر، رسالة حول النزعة الإنسانية، ص: 88.
(7) – هيدجر، رسالة حول النزعة الإنسانية، ص: 90.
(8) – هيجدر: رسالة حول النزعة الإنسانية، ص: 85.
(9)- Jean Dubois, Dictionnaire de linguistique, Librairie, Larousse, 1073, P : 120 – 121.
(10)- R. Jakobson, Essai de linguistique général, ed, Menuit, P : 20.
(11)- Ducrot Todorov, Dictimmaire encyclopédique des sciences de langage, ed : Seuil, 1972, P : 321 – 324.
(12)- D. Ducrot Todorov, ………………. du langage, P : 29 – 30.
(13)- Umbertoco, lecten in fabula, le role de letem, ed Grass et Paris 1985, P : 46.
(14) – عبد الكبير الخطيبي، النقد المزدوج، ص: 34.
(15)- عبد الله العروي، مفهوم الإيديولوجيا، بيروت، المركز الثقافي العربي 1988، ط: 4، ص: 19.
(16)- نفس المصدر، ص: 9.
(17) – نفس المصدر، ص: 9.
(18)- عبد الله العروي، الإيديولوجيا العربية المعاصرة، دار الحقيقة للطباعة والنشر في بيروت، ص: 31.
(19) – نفس المصدر، ص: 31.
(20)- نفس المصدر، ص: 32.
(21) – عبد الله العروي، الإيديولوجية العربية المعاصرة، دار الحقيقة للطباعة والنشر في بيروت، ص: 33.
(22)- نفس المصدر، ص: 34.
(23)- نفس المصدر، ص: 35.
(24)- نفس المصدر، ص: 38
(25)- نفس المصر، ص: 41.
(26)- نفس المصدر، ص: 42.
(27)- نفس المصدر، ص: 42.
(28) نفس المصدر، ص: 57.
(29)- عبد الله العروي، الإيديولوجية العربية المعاصرة، دار الحقيقة للطباعة والنشر في بيروت، ص: 60.
(30)- نفس المصدر، ص: 61.
(31)- نفس المصدر، ص: 62.
(32)- نفس المصدر، ص: 72.
(33)- نفس المصدر، ص: 79.
(34)- نفس المصدر، ص: 80.
(35)- نفس المصدر، ص: 81.
(36)- نفس المصدر، ص: 84.
(37)- نفس المصدر، ص: 89 – 90.
(38)- نفس المصدر، ص: 151.
(39)- نفس المصدر، ص: 155.
(40)- نفس المصر، ص: 158.
(41)- نفس المصدر، ص: 170.
(42)- نفس المصدر، ص: 176.
(43)- نفس المصدر، ص: 174.
(44) نفس المصدر، ص: 174.
(45) – نفس المصدر، ص: 188.