فيروس الحياة
فيروس الحياة:
بقلم: سدى على ماءالعينين
لا يمكن الحكم على فيروس كورونا بأنه فيروس قاتل، أو وباء فتاك، لكنه بمعنى من المعاني فيروس حياة !!
ألفت البشرية إنتشار الأوبئة بدول فقيرة، أو تلك الغارقة في حروب أهلية، في تخوم الصحراء السوداء، كما ألفت الدول العظمى تحصين دولها من الأوبئة مكتفية بتقديم المساعدات و الصدقات للدول المنكوبة،
لكن هذا الفيروس عم وشمل، وساد وإنتشر،وسوى بين الكبير والصغير والفقير والامير…
فيروس لم يستهدف الحياة في ضرورياتها، لكن وجه سهامه إلى الكماليات، ومُتع الدنيا و مجالات الوقت الثالث، ليعيد الزمن ويتبثه في الوقت الأول والثاني، وقت البيت ووقت العمل،
كورونا هو فيروس حياة لانه أعاد الآباء إلى حضن أسرهم، و قرب ما تباعد بين الأزواج، ووضع حدا لفوضى التدبير و التسيير،
بإمكان الأسرة اليوم ان تقف عند حجم مصاريف زائدة تستنزف الأجرة الهزيلة، من جرعة في فنجان صغير لقهوة رديئة ب 12درهما، و تنقلات من هنا وهناك بلا معنى ولا ضرورة تستهلك الوقود او عداد التاكسي او دريهمات موقف السيارات،
نعم، تغيرت العادات، بين الأكل بمحلات الاكلة السريعة، و التبضع العشوائي بالمحلات الكبرى، و الزيارة اليومية لمحل التزيين والحلاقة…
كيف علمنا فيروس الحياة اننا قادرون ان نعطي لحياتنا معنا عميقا بعيدا عن كل هذه المتع الخارجية،؟
كيف علمنا فيروس الحياة أن نحضن أولادنا ونقترب منهم ونفهم تفكيرهم، ولندرك حجم نموهم و تطور مراحل تفكيرهم،؟
كورونا فيروس حياة عامة، مكننا من إكتشاف قيمة بعض المؤسسات، وتفاهة أخرى ، وقيمة بعض المهن، و ميوعة أخرى،
تعلمنا ان الصلاة دعاء ببيتك، والغناء سماع اغنية في مدياع او شريط ببيتك،
لا قيمة لزخرفة المساجد و الكنائس، و أئمة يتسابقون في التجويد، وآخرون يأخذون زينتهم عند كل مسجد،
لا قيمة لمنصات الغناء لفنانين بيتقاضون اجورهم بالعملة الصعبة، وشباب يرقصون بلا معنى في نشوة أقرب إلى نزوة،
ما الفرق بين فنجان قهوة ترشفه بصالون منزلك وسط أسرتك، مُعدٍ على نار هادئة ومعطر بأعشاب صحية، وبين قهوة بمقهى الحي او افخم الفنادق،معصرة من آلة حسب خبرة عاصرها،
هو فيروس حياة، لأنه يعلمنا ان ما حولناه إلى عادات يومية، هو في الأصل أمور تمارس احيانا وعند الضرورة،
فيصبح الجلوس بالمقهى لغرض لقاء ضروري، والأكل بخارج البيت لضرورة عمل أو فسحة مع الأسرة…
فيروس كورونا، فيروس حياة ، لأنه علمنا ان نحس بمن يحيط بنا من فئات هشة، وخارج زمن المجتمع ومؤسسات الدولة، نكتشف مهنا لا مثيل لها في العالم، هي بيننا ونعتمدها في حياتنا، لكننا لا نعترف بها في بنية الدولة، ولا نعترف بحقوق العاملين بها،
اليوم :النكافة ،الكسال، الطيابة،حراس المرابد،ماسح الاحذية،الكورتي، الطبخات، الدقايقية،خانز وبنين،مول الكروصة، الحمالة، كراي الديور، سمسار البقع والديور، الفراشة، الكرابة….
هؤلاء حارت الدولة كيف تصل إليهم، وكيف تعدهم، وكيف توصل الدعم إليهم،
وهنا مربط الفرص، وهنا مفتاح المستقبل، فلمن يعد مقبولا في مغرب الغد، ان تمارس مهن بلا وثائق مهنية، تحدد الحقوق والواجبات، مهن بتغطية صحية وتأمين، وضرائب لفائدة صندوق الدولة،
لم يعد ممكنا الحديث عن إقتصاد غير مهيكل يضمن لنا عيشا متفاوتا ولكن هش وبلا كرامة،
إنه فيروس حياة، لأنه فتح ورشا للنقاش حول إعادة النظر في رؤيتنا للتنمية، ورؤيتنا للإنسان، ومفهوم الكرامة،
فيروس الحياة، قتل التفاهة، وقتل التدين المصطنع، واسقط أقنعة إجتماعية كانت عائقا في تكريس قيم الإنسانية بيننا،
فيروس الحياة يعلمنا بقساوة ان نعيد ترتيب رؤيتنا لأنفسنا ولدولتنا ولمن حولنا، ونجدد رؤيتنا للخالق بعيدا عن وسائط فقهاء التلفزة و زرابي المساجد وزخرفها،
إن كل بيوت الأرض هي بيوت الله، وكل من ادخل إليها الفرحة بصدقة او مساعدة فكانه صلى بالصفوف الامامية بأكبر مساجد البلاد،
ومن جمع اهله في حفل عشاء ورقصوا و ضحكوا، خير بكثير من رقص في حفل هجين،خلف منصة يعتليها فنان تافه،
فيروس الحياة لقننا معنى الحياة، ويمد لنا اليد لنعانق المستقبل بأمل التغيير الذي يبدأ من الفرد ليشمل المجتمع،
فهل تعتبرون؟