التشارك خيار دستوري وليس استهلاكيا
سعيد بعزيز: برلماني
في انتظار ما سيتمخض عن اجتماع المجلس الحكومي ليوم الخميس المقبل، بشأن التفاعل والتداول في الطلب المقدم من طرف وزير العدل إلى رئيس الحكومة وأعضاء اللجنة الوزارية بشأن تأجيل أشغال هذه اللجنة بخصوص مشروع قانون رقم 22.20 يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة إلى حين انتهاء فترة حالة الطوارئ الصحية، وفي إطار قراءة ما وراء التعابير المتضمنة في البيانات الرسمية للأحزاب السياسية، بشأن اعتماد المقاربة التشاركية حول ذات المشروع، جاء البيان الحزبي لرئيس الحكومة، ليطالب “نفسه بنفسه” من أجل اعتماد المقاربة التشاركية عبر إشراك المؤسسات الدستورية المعنية، أي المجلس الوطني لحقوق الإنسان في سياق القضايا المرتبطة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها وضمان ممارستها، مع إمكانية القول بالإحالة أيضا على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي باعتبار المشروع من القضايا التي لها طابع اقتصادي واجتماعي، في حين يتعذر ذلك بالنسبة للمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، لعدم تنصيبه بعد.
والحال إن القضايا المصيرية، والتي تواجه معارضة قوية من طرف المواطنات والمواطنين عند مجرد التفكير فيها أو التحضير لها، وبالأحرى سريان مسطرة التشريع، تحتاج إلى مقاربة تشاركية حقيقية لتجميع الملاحظات والآراء واستخلاص المقترحات الإيجابية والسلبية، ودراستها في أفق الوصول إلى صيغة متوافق عليها، وتجنيب البلاد ما لا تحمد عقباه.
نعم، تحتاج إلى مقاربة تشاركية، عبر تنزيل ديمقراطي للدستور، وذلك من خلال اعتماد حوار وطني، فالديمقراطية التشاركية أحد المحاور والمبادئ الأساسية المعتمدة في بلورة أدوات عمل الحكومة والمؤسسات العمومية والمنتخبة، المشرفة على التدبير من خلال التواصل المستمر والمباشر في إطار مؤسساتي مع المواطنات والمواطنين ومختلف الهيئات، باعتبارها آليات تمكن الأطراف المدنية التي لا تتوفر على صفة تمثيلية أو إدارية من المساهمة في اتخاد القرارات العمومية، عبر المبادرة في تقديم اقتراحات وتتبع تنفيذها وتقييمها، في سياق ثنائية المبادرة والرقابة الشعبيتين، لما في ذلك من إسهام كبير في تحقيق الحكامة في التدبير، وتفادي الوقوع في الاصطدام أو الاحتقان وبالتالي التأثير السلبي على الأمن المجتمعي.
وفي هذا السياق، أذكر بمبادرة من بين العديد القضايا التي اعتمدت فيها حكومة التناوب مبدأ التشارك، ويتعلق الأمر بتجربة الحوار الوطني المنظم حول إعداد التراب في 2000-2001 والذي خلص إلى اعتماد الميثاق الوطني لإعداد التراب في 2001 ثم اعتماد التصميم الوطني في 2004 والذي وضعت آفاقه إلى غاية 2025، كما تم توسيع الاستشارة آنذاك، عبر أشكال متعددة، منها اللجنة الاستشارية المحدثة حول مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية، واللجنة الاستشارية المكلفة بإصلاح مدونة الأحوال الشخصية، والحوار حول المجتمع المدني…إلخ.
بل حتى الوثيقة الدستورية التي نحتكم إليها اليوم، كانت نتاج تشارك، بعدما قامت اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، بتنظيم جلسات استماع، وتجميع آراء ومقترحات الأحزاب السياسية وباقي الهيئات النقابية والحقوقية والجمعوية، حيث كان الشباب أهم شريحة مجتمعية ساهمت في النقاش الدائر حوله آنذاك.
ونحن نناقش تنزيل مبدأ التشارك، نستحضر ما تقوم به اللجنة الاستشارية المكلفة بإعداد النموذج التنموي الجديد، من أجل مغرب يقوم على الكرامة والإنصاف والتضامن.
إنه استثمار حقيقي في الرأسمال اللامادي، عبر إشراك الطاقات والخبرات التي تزخر بها بلادنا في الحياة السياسية والمدنية بدل إهمالها، إذ يعتبر بديلا حقيقيا لتصحيح الواقع المعيش في العديد من المؤسسات، فاستغلال طاقات ومهارات وكفاءات وخبرات المواطنات والمواطنين يعود بالنفع على البلاد، وهذا الأمر هو الذي دفع بالمشرع إلى البحث عن سبل جديدة لسد الفراغ وتعزيز الثقة بين الدولة ومؤسساتها من جهة، والمواطنات والمواطنين من جهة أخرى.
واليوم، وبموجب الدستور، تعتبر الديمقراطية التشاركية من مقومات النظام الدستوري للمملكة، حيث تم الجمع بينها وبين الديمقراطية المواطنة، حيث أكد على مشاركة المواطنات والمواطنين في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وإعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعليها وتقييمها. وأوكل إلى الجهات المعنية تنظيم هذه المشاركة، وتأمين مشاركتهم على المستوى الجهوي والمحلي في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة، واتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق توسيع وتعميم مشاركة الشباب، وتقديم اقتراحات في مجال التشريع والعرائض.
ولهذا، فدستور بلادنا جعل الديمقراطية التشاركية خيارا، وليست مادة استهلاكية أو تسويقية ودعائية، فلا ينبغي أن تبقى مقاربتها تتقلب في أبعادها الثنائية بين الحكومة والمؤسسات الدستورية، بل يجب توسيعها لتشمل المواطنات والمواطنين والهيئات السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية، والأخذ بآرائهم في سياق الاعتراف بحقهم في ذلك واستجابة لتطلعاتهم ومطالبهم، دون إقصاء أو تهميش، وتجاوز الطرق النمطية والتقليدية.
فالديمقراطية التشاركية من بين أهم أسس ومقومات نجاح الحكومات في تنفيذ السياسات العمومية، حيث إن إشراك الجميع، يمهد الطريق إلى التنزيل السلس لمختلف البرامج والاستراتيجيات، والقرارات والقوانين وغيرهما، ويمحو كل نزاع محتمل، لما له من تجسيد حقيقي للمواطنة والتضامن والفعل الجماعي.
والتصرفات المماثلة للنقاش الدائر حول مشروع القانون السالف الذكر، والتطاول على حق المواطنات والمواطنين في المشاركة في صياغة القرارات وتدبير الشأن العام، ومواكبة إجراءات تنفيذها ومراقبة وتقييم السياسات العمومية، هي نتاج سياسة يمينية معادية للفعل الحقوقي، والتي ساهمت بشكل كبير في فقدان الثقة بالمؤسسات، والنفور من الأحزاب السياسية والنقابات المهنية، وما يتولد عن ذلك من عزوف سياسي.
فلنعمل على التنزيل الديمقراطي للدستور.