بنعتيق: تمظهرات الحرب الخفية و المعلنة بين الولايات المتحدة الأمريكية و الصين، تنبأ بأن العالم سيعيش تداعيات حرب باردة لن تقف عند حدود ما هو تجاري لتشمل ملفات أخرى ساخنة
قال الخبير في العلاقات الدولية عبد الكريم بنعتيق، ان ” الصراعات الخفية و العلنية بين القوتين أمريكا و الصين أصبحت تؤثر و بشكل ملحوظ على بعض المنظمات الأممية المكلفة بتدبير التعاون المتعدد الأطراف و الساهرة على تفعيل الإتفاقيات الدولية، الإدراة الأمريكية و منذ وصول ” ترامب” إلى الحكم فاجئت المنتظم الدولي بقرارات دشنت لمرحلة جديدة في التعاطي مع القضايا الكونية الكبرى، فبعد الإنسحاب من إتفاق باريس حول المناخ، غادرت الولايات الأمريكية منظمة اليونيسكو، بعدها إنسحب “ترامب” من الإتفاق المبرم مع إيران حول برنامجها النووي..”
واضاف الوزير المغربي السابق بنعتيق، في حوار مع يومية المساء”… لم يتوقف ساكن البيت الأبيض عند هذا الحد بل غادر المفاوضات حول الأسلحة النووية ذات المدى المتوسط كما أعلن عدم مشاركة أمريكا في المؤتمر الدولي حول الهجرة المنعقد بمراكش في دجنبر 2018، و الذي كان يهدف إلى صياغة ميثاق أممي من أجل هجرة منظمة، منتظمة و دائمة، وفي عز أزمة كوفيد19 أوقف “ترامب” المساهمة المالية لواشنطن في منظمة الصحة العالمية و التي تصل إلى 440 مليون دولار سنويا، متهما المنظمة بخدمة أجندة صينية، و في 21 ماي الأخير، أمريكا تنسحب من إتفاقية الأجواء المفتوحة، إذ عبر وزير الخارجية ” مايكل بومبيو” أن هذا الإنسحاب سيكون فعليا بعد 6 أشهر أي مباشرة بعد الإنتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في 3 نونبر المقبل مما دفع بعض المختصين إلى طرح مستقبل كل الإتفاقيات الموقعة المتعلقة بإنتشار الأسلحة. و معلوم أن هذا الإتفاق أي الأجواء المفتوحة لم يدخل حيز التنفيذ إلا في سنة 2002 ، و هو موقع من طرف 34 دولة، فالمتشددون من الحزب الجمهوري كانوا يرون في هذا الإتفاق فتح إمكانية تجسس الروس على المصالح الكبرى و الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، بدليل الموفق المدعم للقرار من طرف المستشار السابق للرئيس “ترامب” في القضايا الأمنية “جون بولتون”، في مقابل ذلك المسؤول السابق على رأس الجهاز المركزي للمخابرات الأمريكية ” مكاييل هايدن” في عهد الرئيس “بوش”، يرى في هذا الخطوة ضربة لحلفاء واشنطن الذين لا يتوفرون على أقمار إصطناعية مجهزة بتكنولوجية قادرة على تتبع المعطيات العسكرية داخل روسيا، هذا الإنسحاب يطرح سؤالا آخر جوهريا يتعلق الأمر بمصير الإتفاقيات الأخرى الموقعة بين روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية الخاصة بالأسلحة النووية الإستراتيجية و التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2011 و ستنتهي مباشرة بعد تأدية اليمين من طرف الرئيس الأمريكي المقبل، لذلك هناك من يتنبأ بمسار صعب لهذه المفاوضات إذا إستمر “ترامب” على رأس السلطة في أمريكا إذ سبق و أن طالب بضرورة بإدماج الصين في المفاوضات المتعلقة بهذا النوع من الأسلحة…”
وقال بنعتيق في الحوار الذي خص به يومية المساء، …”أن الصين أصبحت تشكل نوعا من التحدي يؤرق صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية منذ مدة طويلة، هناك نوع من الوعي بصعوبة ما هو قادم، البعض أصبح يتحدث علانية عن هيمنة صينية إذا إستمرت الأوضاع على ما هي عليه اليوم ، بل هناك إتجاه بدأ يوظف الصدمة التاريخية التي أحدتها الإتحاد السوفياتي سابقا، عندما فاجئ واشنطن سنة 1957 بإرسال أول مركبة نحو الفضاء مدشنا ريادة تكنولوجية في مجال حيوي آنذاك بالنسبة لتنافس القوتين و نقصد به غزو الفضاء، مع الإشارة أن السياق هنا يختلف إختلافا جدريا عن مرحلة الستينات و ما طبعها من توثرات و حروب كانت تحكمها المرجعيات الإيديولوجية، اليوم نحن أمام واقع مغاير ذلك أن القناعة التي كانت تأطر التوجهات الإستراتيجية الكبرى لأمريكا، و المنطلقة من مرحلة ” نيكسون” و “كيسنجر” التي ساهمت بشكل كبير في تطويق مد ” برجنيف” و عزل الصين عن الإتحاد السوفياتي بفتح المجال لبكين بتبني ثقافة السوق، مع إدماجها في المنظومة الغربية للإنتاج و ترك الخلافات الإيديولوجية على الهامش و الإنكباب على تحويلها تدريجيا أي الصين إلى ما أصطلح عليه في الأدبيات الإستراتيجية الأمريكية بالشريك الخصم، هذا الأخير سيتغير مع مرور الزمن عندما ستكتسح قيم و نمط عيش الغرب شرائح المجتمع الصيني، تقوت هذه القناعة كثيرا عندما سقط جدار برلين سنة1989 و تنبأ الجميع بهيمنة المعسكر الغربي و على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية بل أن مؤرخين من أمثال ” فرانسيس فوكوهما” تحدث و بلغة جازمة عن نهاية التاريخ، بعد ذلك سيظهر نظام إقتصادي مهد لعولمة أساسها و عمقها مالي محض، فإكتشف الرأس المال الغربي السوق الصيني و بدأت الإستثمارات الكبرى تتوسع لدرجة إعتبر البعض أن الصين قد تحولت إلى “معمل العالم “..”
واكد بنعتيق ” عند دخول الصين إلى منظمة التجارة الدولية كان هناك إحساس سائد بأن مسلسل إندماج هذه الأخيرة في هذه المنظمة و بالرغم من وجود خلافات إيديولوجية، فإن هذه العملية ستسير في الطريق الصحيح، مما يؤكد هذا الكلام هو التفاؤل الكبير الذي عبر عنه آنذاك الرئيس ” بيل كلنتون” سنة 2001، مع وصول “بوش الإبن” إلى السلطة بدأت تطفو على السطح مخاوف بأبعاد إستراتيجية معقدة، مما يؤكد هذه المقاربة هو موقف رجل وازن خبر ملف العلاقة مع الصين من موقع مسؤوليات متعددة، إنه ” روبير زوليك” الذي لعب أدوارا أساسية في منظمة التجارة الدولية، كما كان رئيسا للبنك الدولي بالإضافة إلى أنه إشتغل مستشارا للرئيس بوش مكلفا بالملف التجاري، كما قاد المفاوضات مع بكين لدخولها إلى منظمة التجارة الدولية، يؤكد ” زوليك” أن الصينيون يحترمون كل الشكليات أثناء تواجدهم في المنظمات الدولية لكنهم لا يلتزمون بالمعايير…”
واضاف بنعتيق، الخبير الاستراتيجي”، ان الرئيس ” ترامب” و خلال خطاب التنصيب في يناير 2017 ، إختار خندق المستضعفين من الشعب الأمريكي الدين إعتبرهم ضحايا عولمة إقتصادية وعد بالتصدي لها، في نفس السنة في منتدى دافوس “ترامب” يتهم الغرب بقبوله الدخول ثم الوقوع في فخ هندسة إقتصادية كونية فتحت الحدود للهجرة و ضيعت مناصب شغل و أهدت جزء كبير منها للصينين، في خضم هذا الصراع و هذه الحرب المعلنة ظهر وباء طارئ و غير متوقع، جائحة كرونا، إكتشفت الولايات المتحدة الأمريكية مدى إرتباطها بالمنتوجات الصينية الطبية إذ أغلبها يصنع هناك، أكثر من هذا برز تيار يتهم المسؤولين الأمريكيين بإستقالة جماعية في قطاع حيوي إستراتيجي بالنسبة للمواطنين مدام أن جل المستلزمات الصحية بشقيها الآلي أو الدوائي يحتاج و بنسبة كبيرة إلى المعامل الصينية، هذا الواقع المر دفع بأصوات إلى المناداة بسياسة صارمة اتجاه الصين أمثال ” مكاييل بيل مان” مدير مركز الدراسات حول الصين المدعم من طرف “ترامب” و الذي توجه مباشرة للحزب الشيوعي بإعتباره حسب قوله العقل المدبر للهيمنة الإقتصادية الصينية، هذه الأصوات و إن كان لها في بعض الأحيان تأثير على أوساط الرأي العام إلا أنها لا تصل إلى مستوى النقاشات الجدية التي عبر عنها ” ربير زوليك” و الرافضة لأية مواجهة مع بكين بل بالعكس التعاون المسؤول القادر على ضبط هذه العلاقة و الدفع بها في إتجاه تطويق بكين من أجل خلق توافقات في الملفات الكبرى مخافة الرجوع إلى مرحلة ما قبل الأربعينات مدام أن المنافسة هي تكنولوجية بالأساس تستهدف التفوق الأمريكي في مجالات متعددة، هناك من يرى الأشياء بشكل موضوعي ذلك أن الأزمة الصحية الحالية أظهرت عجزا في أنماط الإنتاج الغربية و عدم قدرتها على مسايرة سرعة التحولات الحاصلة في ميادين متعددة لها علاقة بالحياة اليومية للإنسان بالمقارنة مع الصين حيث أن هناك خصاص كبير في مجال تكوين المهندسين مع عدم القدرة على إيجاد العدد الكافي من الباحثين في مجال البحث العلمي المرتبط بقطاع الصحة، مما حذى بالبعض إلى المطالبة بتدخل “البنتاغون” كما حصل إبان التنافس الفضائي مع الإتحاد السوفياتي سابقا وذلك قصد توفير الدعم في مجالات التكوين و البحث العلمي، بل هناك من طالب بضرورة أن يهتم “الناتو” بالمجالات المرتبطة بالتطور التكنولوجي حفاظا على السبق الغربي لاسيما في القطاعات الحساسة …”
وقال بنعتيق، انه و” بالفعل هذه الحرب بدأت داخل أروقة منظمة الصحة العالمية، فالجميع كان ينتظر مجرى الإتهامات الأمريكية للصين و مدى مسؤولياتها في إنتشار وباء كرونا، في 8 ماي الأخير بكين وافقت على مبدأ التقييم و ليس التقصي ( Evaluation non enquête) تحت إشراف منظمة الصحة العالمية مع تأكيدها على أن عملية التقييم يجب أن تكون شفافة و أن تبدأ بعد نهاية الأزمة الصحية و أن تشمل كل الدول، إدارة ” ترامب” عندما وجهت إتهامها للصين كانت واعية بمحدودية مثل هذه المبادرات التي ستبقى سجينة التوافقات الكبرى ضمن كواليس منظمة الصحة العالمية، زد على هذا الفراغ التشريعي الموجود على مستوى القانون الدولي فيما يخص الجرائم المتعلقة بالصحة مدام أن منظمة الصحة العالمية لا تتوفر على إطار قانوني له إختصاص البث في التهم الموجهة لأعضائه، كما هو الحال بالنسبة لمنظمة التجارة الدولية، بعض مكاتب محاماة أمريكية كبرى حاولت الإجتهاد إبان هذه الأزمة الوبائية معتبرة المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي ( CPI) مؤهلة للبث في مثل هذه القضايا، مع العلم أن هذه المحكمة التي بدأت النظر في الملفات المعروضة عليها إبتداءا من سنة 2002 ، لها إختصاصات واضحة هو متابعة و محاكمة المتهمين بجرائم الإبادة و جرائم الحرب، ثم أن الصين غير موقعة على إتفاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، فريق آخر من مكاتب محاماة دولية إقترح اللجوء إلى محكمة العدل الدولية بلاهاي التابعة للأمم المتحدة و المتخصصة في البث في النزاعات بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، مع تدقيق قانوني مهم هنا هو أن الصين رغم أنها عضوا في الأمم المتحدة لها الحق أن تطعن في صلاحية محكمة العدل الدولية في هذه النازلة بالذات في حالة ما تم الضغط في هذا الإتجاه، و هي فرضية مستبعدة مدام أن كل الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية لن تدفع بالمواجهة إلى مستوى قادر على إحداث خلخلة كبيرة في بنية نظام دولي يعيش مرحلة صعبة حتى قبل الأزمة الصحية الحالية، فريق ثالث من مكاتب بعض المحاماة بأوربا يحاول الإنطلاق من تفعيل بعض القوانين الصحية المتضمنة في منظومة التشريعات المعتمدة داخل منظمة الصحة العالمية مثل ( le règlement sanitaire international ) و الذي تبنته هذه المنظمة سنة 2005 لاسيما البنود 6 و 7 من هذا القانون. كل هذه التحركات في نظر الكثيرين ليس لها أي تأثير على مجرى الأحداث فيما يخص التعاطي مع هذا الملف، بإستثناء صدى إعلامي له دور نفسي على الرأي العام الأمريكي و الأوربي مع وجود إمكانية فرض عقوبات بعد إنتهاء مدة التقييم شبيهة بعقوبات سنة 2014 بعد أزمة القرم عندما إلتجأت إدارة “أوباما” و معها الإتحاد الأوربي إلى وضع لوائح تضم أفراد و شركات روسية تم إنتقاؤها لعلاقتها بملف ضم موسكو لهذه المنطقة .
واعتبر بنعتيق ” أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت سباقة إلى إتهام بكين بمسؤولياتها في إنتشار الوباء مع إخفاء الحقيقة حول أصوله، إنضافت إليها دول أخرى من بينها أستراليا، لكن وثيقة الإتحاد الأوربي التي تحولت إلى وثيقة أكثر من دولة داخل منظمة الصحة العالمية فضلت تأجيل إلى ما بعد الأزمة الصحية كل نقاش حول مسؤولية القيادة الحالية للمنظمة، هل كانت في مستوى التعاطي مع الوباء أم أنها كانت عاجزة و غير قادرة على خلق تنسيق فعال بين كل الدول. الغريب هنا حسب المتتبعين للسياسة الخارجية الأمريكية هو أن الرئيس ” ترامب” الغير المؤمن بجدوى الإشتغال ضمن المنظمات الأممية المكلفة بتفعيل التعاون المتعدد الأطراف هو من يلح على مطلب فتح تحقيق حول طبيعة الوباء بواسطة لجنة مستقلة، جواب بكين كان غير مباشر بواسطة إفتتاحية في جريدة ” كلوبال تايمز” التي ثمنت دور الإتحاد الأوربي متجاهلة ردود فعل “ترامب” و غير مهتمة بالتشدد الأسترالي و مذكرة بشروطها التي أسلفنا في ذكرها سابقا مع فتح جبهة الإنتقام الإقتصادي ضد الدول التي دعمت البيت الأبيض في هذا المجال مثل أستراليا التي تزود الصين ب 35% من اللحوم الحمراء، بكين أوقفت بعض وارداتها من هذا البلد في 12 ماي الأخير. يجب الإعتراف هنا بأن الصين قرأت في مبادرة الإتحاد الأوربي رغبة بروكسيل في عدم إضعاف منظمة الصحة العالمية مما دفع بالرئيس الصيني ” زيان جبينغ” إلى إستغلال الفراغ الذي تركه غياب الولايات المتحدة الأمريكية و التموقع كحامي للصحة في كافة أنحاء المعمور، تجلى هذا في خطابه يوم الإثنين 18 ماي الأخير في الجلسة الإفتتاحية للجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية مذكرا بثوابت بلده المبنية على الإنفتاح و التعاون معبرا على أن دعم هذه المنظمة معناه تقوية التعاون الدولي في مجال الصحة من أجل إنقاذ حياة الملايين من البشر مبشرا أن اللقاح المقبل ضد فيروس كرونا إذا كان من إكتشاف الصين فهو ملك لكل العالم و بدون إستثناء معلنا عن تخصيص 2 مليار دولار لدعم الدول الأكثر تضررا من الجائحة، مؤكدا في نفس الخطاب على أن الصين قررت و بتنسيق مع الأمم المتحدة تخصيص خزان كبير بالقرب من المحطات الجوية التي تتوفر على بنيات لوجستيكية قادرة على تزويد الدول بالمعدات و الأدوية لمحاربة الأوبئة مع تسهيل كل الإجراءات الإدارية المتعلقة بذلك، معنى هذا أن الصين و من داخل الأمم المتحدة تستغل الجائحة لتكون على رأس الزعامة الكونية فيما يخص السياسة الصحية، بعد خطاب الرئيس الصيني بعض زعماء الدول تناولوا الكلمة مثل سويسرا و فرنسا و كوريا الجنوبية و ألمانيا و أفريقيا الجنوبية لا أحد من المتدخلين وجه إنتقاذا إلى بكين…”
وأورد بنعتيق في حواره بالقول” في عز أزمة كوفيد19 برز إلى السطح موضوع جد حساس له طابع خلافي بين الصين و مجموعة من الدول على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، هو ملف لا علاقة له بالأزمة الصحة العالمية، يتعلق الأمر بإشكالية “تايوان” و رغبتها في إسترجاع موقعها كعضو ملاحظ داخل منظمة الصحة العالمية، بالنسبة لبكين هذه الجزيرة التي يصل عدد سكانها إلى 23 مليون نسمة و التي لا تتوفر فيها الدول الغربية على سفارات لكن فقط على تمثيليات، عندما كانت هذه الجزيرة ما بين 2008 و 2016 يحكمها حزب مدافع عن تقارب حقيقي مع الصين، هذه الأخيرة وافقت سنة 2009 على أن تحصل ” تايوان” على صفة ملاحظ في منظمة الصحة العالمية، منذ 2016 و بعد صعود الحزب الديمقراطي التقدمي الداعي إلى أخد مسافة مع بكين تغيرت الأوضاع، و أصبحت الصين رافضة لهذا الحضور، تعامل “تايوان” مع الوباء أدى إلى تسييس هذه القضية، دول متعددة أشادت بالإستباقية و الإحترافية العالية في تعاطي ” تايوان” مع جائحة كرونا بحيث لم يتعدى عدد الوفيات 7 أشخاص بالإضافة إلى منافستها للصين في مجال أصبح يسمى “بدبلوماسية الكمامة” ، كل هذا تم بصمت و بعيدا عن أعين الإعلام الدولي، 29 دولة منها الولايات المتحدة الأمريكية و أستراليا و كندا و اليابان و نيوزلاندا طالبو بضرورة إسترجاع “تايوان” لموقعها السابق بالمنظمة، 100 برلماني أوربي وقعوا على رسالة مدعمين لمطالب الدول المذكورة سابقا، جواب الصين كان عن طريق جريدة ” لوكوتيديان دي بوبل” التي إعتبرت أن المطالبة بإسترجاع الجزيرة لموقعها كعضو ملاحظ هو محاولة لتسييس النقاش و إخراجه عن طابعه الصحي. يجب الإشارة هنا إلى أن الإتحاد الأوربي ظل بعيدا عن هذا التوتر داخل منظمة الصحة العالمية، “فجوزيف بوريل” المسؤول السامي المكلف بالسياسة الخارجية و الأمن للإتحاد الأوربي لم يتطرق لموضوع ” تايوان”مفضلا الوقوف عند طبيعة العلاقة بين الصين و بروكسيل التي حسب المسؤول الأوربي يجب أن تكون مبنية على الثقة و الشفافية و التعامل بالمثل.
وختم بنعتيق حواره بالقول: ان موضوع “تايوان” مرشح أن يساهم في تأزيم العلاقة بين واشنطن و بكين، فالحكومة الصينية بصدد تحضير قوانين جديدة ذات مضمون تطبيقي فيما يخص أمن الدولة في الجهات الإدارية لاسيما في “هونكونغ” و “ماكاو”، مع تحميل حكومة هذه الجهات المسؤولية الدستورية في هذا المجال، و هو ما عبر عنه يوم الجمعة 22 ماي الأخير الوزير الأول الصيني خلال إفتتاح الجمعية الوطنية الشعبية للصين، و معلوم أن هذه الإجراءات القانونية هدفها هو تطويق إتفاق سنة 1997 المبني على مبدأ “دولة واحدة نسقين إثنين” ، و هو الإتفاق الساري إلى حدود سنة 2047، ردود فعل الرئيس “ترامب” على مشاريع القوانين الجديدة التي تسعى من خلالها بكين إضعاف الإحتجاجات داخل الجزيرة هو تهديد الصين بإعادة النظر في الوضع الإستثنائي الذي تتميز به “تايوان” على المستوى الإقتصادي.
هذه جزء من تمظهرات الحرب الخفية و المعلنة بين الولايات المتحدة الأمريكية و الصين و التي تنبأ بأن العالم سيعيش تداعيات حرب باردة لن تقف عند حدود ما هو تجاري لتشمل ملفات أخرى ساخنة .يقول بنعتيق في حوار نشرته يومية المساء .