دخالد فتحي
أوروبا: الاتحاد الذي أرهقته كورنا
أوروبا: الاتحاد الذي أرهقته كورنا
مثل القشة التي تقصم ظهر البعير في المثل العربي ،كانت الكورونا الفيروس الذي قصم ظهر الاتحاد في المثال الأوروبي فهذا على الأقل ما عايناه خلال الموجة الأولى للوباء حين تبخرت فجأة كل قيم الوحدة الاوربية التي طالما تباهت بها .
.والآن، و بعد أن احصى القادة الاوربيون وفياتهم ،وحصروا خسائرهم بسبب تعطيل الاقتصاد ،ودخولهم الحجر الصحي، وإغلاق الحدود ، هاهم قد التأموا من جديد في قمة واقعية للزعماء ببروكسيل، محدقين ومتطلعين هذه المرة في وجوه بعضهم البعض.
هي ولاشك، قد كانت قمة للعتاب حول الخذلان الذي كان بينهم ،وقمة لإعلان بقاء اتحادهم على قيد الحياة رغم الداء والأعداء ،ولكنها بالخصوص قمة لمكافئة المتضررين على صبرهم ،و الذين قد حجوا اليها حالمين بجود للأيدي عوض سخاء اللسان الذي لايخرج من الأزمات ،مما جعلها قمة الفرصة الأخيرة قبل التفرق شيعا. وقد كانت كذلك .
كانت مهمةصعبة تلك التي تولاها كل من ماكرون و ميركل قائدا العربة المهترئة لهذا الاتحاد الهجين ،اللذان يعولان عليه كثيرا لتصليب اوروبا أمام القوى العظمى الأخرى الصاعدة كالصين وروسيا و الأخرى الحليفة المتربصة كامريكا وبريطانيا.
فرغم كل مابذل من جهود لتلحق المستشارة بوجهة نظر الرئيس حول الحاجة لرد فعل قوي يكون في مستوى اختبار الجائحة ، ثم بعد ذلك من لقاءات مارتونية للاثنين لتليين المواقف المتصلبة لبلدان الشمال الثري وخصوصا موقف متزعم الممانعة مارك ريث الوزير الأول الهولندي ،فإن كورونا العنيد أبى إلا أن يفضح هشاشة البناء الأوربي ،ويعمق الخلافات التي تخترقه كاتحاد سقط في امتحان الوباء في ان يكون اتحادا للشعوب الاوربية .
كان لابد إذن من تمديد للقمة ، ومن سياسة عشاءات،وجلسات مغلقة في الكواليس’وسهر لليالي ‘ دون كبير جدوى، لكأن عدوى صراعات القمم العربية قد انتقلت فجأة الى اوروبا.
لقد عرت كورونا رغم التوافق الذي تحصل نهاية ، حقيقة الاتحاد الاوروبي، حيث يبدو الانقسام واضحا بين اتحادين او ثلاثة اتحادات داخل هذا الاتحاد الذي يظهر الآن فقط أنه قد بني على عجل .
فالشمال البخيل ظل مترددا جدا رغم هول المأساة الاقتصادية والصحية في مساعدة من يعتبره جنوبا مبذرا متراخيا في ضبط نفقاته وحوكمة اقتصاده..الجنوب الذي لايوفر الأورو الأبيض لليوم الأسود ،
كانت تلك المعضلة الشائكة التي واجهت ماكرون وميركل و شارل ميشال رئيس المجلس الاوروبي والتي كادت تفجر الاتحاد خلال القمة وستظل تتهدده في المستقبل ، مشكلة اختلاف الطباع بين الشمال المترف والجنوب الفقير.
الدول المقتصدة ارادت للدول المتضررة أن تشمر عن اقتصادها، وحبذت وسيلة القروض التي ينبغي أن تسدد لاحقا ،بينما طالبت دول الجنوب الأوربي في سلوك اتكالي بمنح أومساعدات حتى لا نقول صدقات أكثر من القروض، بل ورفضت بصرامة أي وصاية على مخططاتها الوطنية لإنعاش اقتصادياتها المنهارة هربا من السيناريو اليوناني الذي لازال طريا و عالقا بالأذهان. ثم كانت هناك الدول الاوربية درجة ثالثة التي ورثتها اوروبا عن الاتحاد السوفياتي، والتي تتنصل هي الأخرى من إخضاعها بمناسبة هذه المساعدات لشروط دولة القانون .
.والآن، و بعد أن احصى القادة الاوربيون وفياتهم ،وحصروا خسائرهم بسبب تعطيل الاقتصاد ،ودخولهم الحجر الصحي، وإغلاق الحدود ، هاهم قد التأموا من جديد في قمة واقعية للزعماء ببروكسيل، محدقين ومتطلعين هذه المرة في وجوه بعضهم البعض.
هي ولاشك، قد كانت قمة للعتاب حول الخذلان الذي كان بينهم ،وقمة لإعلان بقاء اتحادهم على قيد الحياة رغم الداء والأعداء ،ولكنها بالخصوص قمة لمكافئة المتضررين على صبرهم ،و الذين قد حجوا اليها حالمين بجود للأيدي عوض سخاء اللسان الذي لايخرج من الأزمات ،مما جعلها قمة الفرصة الأخيرة قبل التفرق شيعا. وقد كانت كذلك .
كانت مهمةصعبة تلك التي تولاها كل من ماكرون و ميركل قائدا العربة المهترئة لهذا الاتحاد الهجين ،اللذان يعولان عليه كثيرا لتصليب اوروبا أمام القوى العظمى الأخرى الصاعدة كالصين وروسيا و الأخرى الحليفة المتربصة كامريكا وبريطانيا.
فرغم كل مابذل من جهود لتلحق المستشارة بوجهة نظر الرئيس حول الحاجة لرد فعل قوي يكون في مستوى اختبار الجائحة ، ثم بعد ذلك من لقاءات مارتونية للاثنين لتليين المواقف المتصلبة لبلدان الشمال الثري وخصوصا موقف متزعم الممانعة مارك ريث الوزير الأول الهولندي ،فإن كورونا العنيد أبى إلا أن يفضح هشاشة البناء الأوربي ،ويعمق الخلافات التي تخترقه كاتحاد سقط في امتحان الوباء في ان يكون اتحادا للشعوب الاوربية .
كان لابد إذن من تمديد للقمة ، ومن سياسة عشاءات،وجلسات مغلقة في الكواليس’وسهر لليالي ‘ دون كبير جدوى، لكأن عدوى صراعات القمم العربية قد انتقلت فجأة الى اوروبا.
لقد عرت كورونا رغم التوافق الذي تحصل نهاية ، حقيقة الاتحاد الاوروبي، حيث يبدو الانقسام واضحا بين اتحادين او ثلاثة اتحادات داخل هذا الاتحاد الذي يظهر الآن فقط أنه قد بني على عجل .
فالشمال البخيل ظل مترددا جدا رغم هول المأساة الاقتصادية والصحية في مساعدة من يعتبره جنوبا مبذرا متراخيا في ضبط نفقاته وحوكمة اقتصاده..الجنوب الذي لايوفر الأورو الأبيض لليوم الأسود ،
كانت تلك المعضلة الشائكة التي واجهت ماكرون وميركل و شارل ميشال رئيس المجلس الاوروبي والتي كادت تفجر الاتحاد خلال القمة وستظل تتهدده في المستقبل ، مشكلة اختلاف الطباع بين الشمال المترف والجنوب الفقير.
الدول المقتصدة ارادت للدول المتضررة أن تشمر عن اقتصادها، وحبذت وسيلة القروض التي ينبغي أن تسدد لاحقا ،بينما طالبت دول الجنوب الأوربي في سلوك اتكالي بمنح أومساعدات حتى لا نقول صدقات أكثر من القروض، بل ورفضت بصرامة أي وصاية على مخططاتها الوطنية لإنعاش اقتصادياتها المنهارة هربا من السيناريو اليوناني الذي لازال طريا و عالقا بالأذهان. ثم كانت هناك الدول الاوربية درجة ثالثة التي ورثتها اوروبا عن الاتحاد السوفياتي، والتي تتنصل هي الأخرى من إخضاعها بمناسبة هذه المساعدات لشروط دولة القانون .
لانها تعتبرها مجحفة وابتزازا في مثل هذه الظروف،بل وتنظر لها كعقاب اقتصادي يسلط عليها من طرف أشقائها الجدد ، هكذا هم الاوربيون، حتى في أيام الجائحة، جعجعة كبيرة، وتمرير لاجندات، ومقايضات وبحث عن الربح بمنطق السوق و وحتى لو كانوا بصدد المواساة في النوائب، فلا شيء بالمجان عندهم، ولا دروس قد استخلصت من الجائحة .
القمة نفسها بمناكفاتها دليل آخر قدمه هؤلاء القادة على تفرق اوروبا، الكل ينافح عن مصالحه سواء كانت يده هي العليا ام كانت هي السفلى ، لا تضامن ولاتآزر بين الحكومات إلا بقدر المصلحة .وحدهما ألمانيا وفرنسا وقد كانتا ولازالتا دولتين عظميين، من يؤرقهما مصير الاتحاد، أما الدول الاخرى،فمنها من سيخرج أولا من القمة و سيتقوقع على نفسه ضاربا عرض الحائط بالاتحاد والعولمة وقيم التضامن المكلف، وقد يفكر في بريكسيت أخرى ،ومنها قد تمد يدها للصين التي تتصيد شركاء في قلب اوروبا المنهكة لمشروعها الحزام والطريق، او حتى لقيصر روسيا بوتين الحالم باستعادة أمجاد الإمبراطورية السوفياتية، فلا ألذ لبوتين بمن قضم الدول الاوربية الشرقية مرة أخرى في زمن الوباء والحاجة والافلاس وبحث الحكومات عن الخلاص لشعوبها بأي ثمن .
وحدة اوروبا التي كانت ناجحة أيام الرخاء تهتز الآن أيام الشدة ،إذ دائما ماتعود في الأيام العصيبة التقسيمات القديمة التي نسيناها،والتي تحددها العوامل الجغرافية والثقافية الراسخة أكثر من العوامل السياسية الظرفية المتحولة’ و التي سرعان ماتتلاشى ساعات الحسم المفصلية .
كورونا اعاد إحياء الانانيات و إحياء الصور النمطية بين اوروبا اللاتينية الفقيرة باستثناء فرنسا، …اوروبا الجنوبية ذات الطقس الجميل التي يعشق سكانها الفن و الحياة ولايدخرون للازمات الذين جلبوا الداء وفشلوا فيه ،وأوروبا الجرمانية الشمالية ذات الطقس البارد ..اوروبا الصقيع والضباب التي يتميز سكانها بالدقة والمهارة وحب العمل التي نجحت في محاربة الداء وستنجح ايضا في بعث الاقتصاد . .فيالحكمة التاريخ!!!، نفس التقسيم الذي كان على عهد الإمبراطورية الرومانية على حدود نهر الراين هو الذي ينهض اليوم من رفاته بين اوروبا تقبل أن تستجدي، وأوروبا شحيحة متمنعة ،حتي فرنسا التي تلعب دور الوسيط الآن هي وسط في طبيعتها بين اوروبا الجنوبية والشمالية ووسط في اقتصادها بين المعجزة الألمانية والتعثر الإيطالي،
كورونا، وهذه القمة التي تلتها، اثبثا بما لا يدع مجالا للشك أن الاتحاد الأوروبي اتحاد شكلي بمواطنين درجة ألف وباء وربما درجة جيم . وان الأمة الأوربية لم تتخلق بعد ،بل مجرد وهم و أضغاث أحلام .
مع كورونا كل شيء أصبح قابلا للانهيار.
وحتى الاتفاق الذي أفرج عنه في الوقت الميت كان فقط الممكن مما تبقى من شعور المكابرة لدى دول اوروبا تجاه بقية العالم ، اتفاق قد يهدمه مرة أخرى كورونا إذا ما قرر أن يضرب اوروبا بموجة ثانية.
* استاذ بكلية الطب بالرباط
Fathi. Khalid 001@gmail.com
القمة نفسها بمناكفاتها دليل آخر قدمه هؤلاء القادة على تفرق اوروبا، الكل ينافح عن مصالحه سواء كانت يده هي العليا ام كانت هي السفلى ، لا تضامن ولاتآزر بين الحكومات إلا بقدر المصلحة .وحدهما ألمانيا وفرنسا وقد كانتا ولازالتا دولتين عظميين، من يؤرقهما مصير الاتحاد، أما الدول الاخرى،فمنها من سيخرج أولا من القمة و سيتقوقع على نفسه ضاربا عرض الحائط بالاتحاد والعولمة وقيم التضامن المكلف، وقد يفكر في بريكسيت أخرى ،ومنها قد تمد يدها للصين التي تتصيد شركاء في قلب اوروبا المنهكة لمشروعها الحزام والطريق، او حتى لقيصر روسيا بوتين الحالم باستعادة أمجاد الإمبراطورية السوفياتية، فلا ألذ لبوتين بمن قضم الدول الاوربية الشرقية مرة أخرى في زمن الوباء والحاجة والافلاس وبحث الحكومات عن الخلاص لشعوبها بأي ثمن .
وحدة اوروبا التي كانت ناجحة أيام الرخاء تهتز الآن أيام الشدة ،إذ دائما ماتعود في الأيام العصيبة التقسيمات القديمة التي نسيناها،والتي تحددها العوامل الجغرافية والثقافية الراسخة أكثر من العوامل السياسية الظرفية المتحولة’ و التي سرعان ماتتلاشى ساعات الحسم المفصلية .
كورونا اعاد إحياء الانانيات و إحياء الصور النمطية بين اوروبا اللاتينية الفقيرة باستثناء فرنسا، …اوروبا الجنوبية ذات الطقس الجميل التي يعشق سكانها الفن و الحياة ولايدخرون للازمات الذين جلبوا الداء وفشلوا فيه ،وأوروبا الجرمانية الشمالية ذات الطقس البارد ..اوروبا الصقيع والضباب التي يتميز سكانها بالدقة والمهارة وحب العمل التي نجحت في محاربة الداء وستنجح ايضا في بعث الاقتصاد . .فيالحكمة التاريخ!!!، نفس التقسيم الذي كان على عهد الإمبراطورية الرومانية على حدود نهر الراين هو الذي ينهض اليوم من رفاته بين اوروبا تقبل أن تستجدي، وأوروبا شحيحة متمنعة ،حتي فرنسا التي تلعب دور الوسيط الآن هي وسط في طبيعتها بين اوروبا الجنوبية والشمالية ووسط في اقتصادها بين المعجزة الألمانية والتعثر الإيطالي،
كورونا، وهذه القمة التي تلتها، اثبثا بما لا يدع مجالا للشك أن الاتحاد الأوروبي اتحاد شكلي بمواطنين درجة ألف وباء وربما درجة جيم . وان الأمة الأوربية لم تتخلق بعد ،بل مجرد وهم و أضغاث أحلام .
مع كورونا كل شيء أصبح قابلا للانهيار.
وحتى الاتفاق الذي أفرج عنه في الوقت الميت كان فقط الممكن مما تبقى من شعور المكابرة لدى دول اوروبا تجاه بقية العالم ، اتفاق قد يهدمه مرة أخرى كورونا إذا ما قرر أن يضرب اوروبا بموجة ثانية.
* استاذ بكلية الطب بالرباط
Fathi. Khalid 001@gmail.com