الجزائر: الشعب يشهد على النظام
د .خالد فتحي
الجزائر: الشعب يشهد على النظام
عاد الحراك الثوري الى الجزائر هادرا اكثر مما مضى .
نفس الشعارات والمطالب التي صدحت بها الجماهير قبل سنتين تدوي مرة أخرى ولكن بجرس أقوى في سماء المدن الجزائرية معلنة للعالم الإفلاس البين لنظام العسكر ،ومشهرة بالتالي الطلاق البائن بين الشعب والجنرالات ..
شعارات صارت أكثر جذرية وأكثر تصميما وقوة وعزما بعد أن تحورت من منصة للغضب من السياسات الفاسدة للحاكمين ولإبداء الرغبة العارمة في التغيير، الى الدعوة في سابقة ذات دلالات لاستقلال الجزائر.
وهو ماشكل إشارة مؤلمة ولكنها بليغة من المحتجين في اتجاه من يهمهم الأمر الى أن كل مرحلة الاستقلال قد ذهبت بغبائهم وفسادهم وتنمرهم على الجيران هباء منثورا ،بل ومثلت ويا للمفارقة نكوصا وتراجعا حتى عن انجازات مرحلة الاستعمار على رغم الخلفية الإمبريالية لهذه الأخيرة .
ما أمر أن يكتشف شعب بعد مرور عقود من الاستقلال أن قد اغتيلت كل مشاريعه وأحلامه على يد من ظنهم نخبته ورواده…أن يطلع بكل خيبة أمل على مقدار الخديعة التي تعرض لها من الطبقة العسكرية التي حكمته، و التي كان قد عول عليها لبناء الهوية والوطن ، فإذا بها تسلك به مسالك الانهيار و الانحطاط والتخلف، الى أن دقت ساعة الحراك ،لتتبدى له على حقيقتها دونما مساحيق مجرد طغمة فاسدة ومتسلطة ضيعت الماضي والحاضر، وتأتمر وتكاد تجهز على آخر بصيص امل في المستقبل .
ما امض حقا أن يعي المرء أن الاستعمار اللعين كان أرحم من مثل هذا الاستقلال المغبون والملغوم.
لقد طفح الكيل، وبلغ السيل الجزائر . حيث النظام العسكري لا يرهن بجريرة خطاياه شعبه فقط، بل هو يرهن كل الشعب المغاربي مانعا اياه من الالتحام ثم الانصهار. وكيف يكون له ذلك ؟
و الجزائر واسطة عقد المغرب العربي قد ضيعت علينا جميعا فرصة الوحدة بعد أن ضاعت هي نفسها على أيدي هذا النظام المقامر.
أخطأ النظام الجزائري الطريق مباشرة بعد استقلاله عن فرنسا حين اصيب بعمى استراتيجي منذ الولادة مما جعله لايميز خصومه الحقيقيين و لا يفقه مصلحته. فعندما تنكر للمغرب الذي خاض مع الجزائر حرب تحريرها ، فانه كان في الحقيقة يتنكر لمستقبل الأجيال القادمة و يعصف بشكل اهوج بكل مااستشهد من أجله الفدائيون .
كان يضيع ببساطة كل أهداف النضال الذي خاضوه من أجل الاستقلال.
ويضع نصلا مسموما في خاصرة منطقتنا المغاربية منع اقطارنا دائما من التحول إلى نمور اقتصادية افريقية، وكان ذلك ممكنا لولا تبعات المشاكل الجزائرية ، ولقد حان الآن وقت دفع الحساب على مثل هكذا أدوار معادية للوطن وللأمة .
لذلك كانت مسألة وقت فقط أن ينتفض الجزائريون مرات ومرات للخلاص من نظامهم الذي سئموه .
من ينكر أن الجزائر كانت بكل زخم كفاحها ضد فرنسا. وبترولها، وغازها ،ومساحتها الشاسعة مهيئة لأن تكون دولة ناجحة ورائدة بكل المقاييس.
وأنها انما تحولت للفشل فقط بمناصبة نظامها العداء للمغرب ، وأن هذا الفشل قد صار بعد ذلك ملازما لها كظلها منذ أن تبنى هذا النظام لقيطته البوليزاريو وبدد في تدليلها مال الجزائر كله عوض أن يوظفه في سبيل رغد عيش الشعب الجزائري .
هكذا قد اهدرت كل امكانيات الجزائر في حشد الولاء الكاذب في افريقيا أيام انتعاش الشمولية بهذه القارة، وضاعت إيرادات نفطها في مغامرات دانكشوتية، مما كان يكفي لكي تصبح الجزائر في مرتبة من الغنى تفوق الدول الخليجية والاوروبية عوض أن تكون بهذه الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية المفهومين جدا في حالتها.
الان قد بلغت الأزمة منتهاها، لم يعد ممكنا تعليقها على مشجب المغرب الذي يمد يده دائما للشعب الجزائري ،ولا تبريرها للجزائريين بمساندة دويلة وهمية لا تستنزف في النهاية إلا جيوب الجزائريين.
وحتى الاحداث صارت تخاصم النظام الجزائري و تفاقم الأوضاع نحو الأسوأ بسرعة في عهد كورونا، حتى لم تعد المناورات تجدي نفعا ،ولا البرامج التلفزيونية المخدومة بغباء تذر الرماد على العيون.
وحتى تيقن الكل في الجزائر أن الذي أوصل البلاد الى مثل هذا الحراك لم يكن أحدا آخر غير البوليزاريو.
من المؤكد أن النظام الجزائري يرى نفسه الآن عاريا من كل سند وبدون شرعية داخلية بعد أن شهد عليه شعبه بانه الآفة التي لم يبتلى بها المغرب فقط، بل وابتليت بها الجزائر أيضا.
لن تسعف اليوم مهدئات ولامسكنات، بل لابد من من استئصال الداء من جذوره، والبداية تكون من التخلص من البوليساريو، فدون هذه الخطوة الأولى، لن تخرج الجزائر أبدا من نفقها المظلم ،ولن تعانق أبدا الآفاق الرحيبة للديموقراطية والتنمية، ولن تحقق أبدا رخاءها ومنعتها ضد الفقر والمرض وقتامة المصير.
ولذلك عوض أن يروج تبون كما فعل في خطابه الأخير للأطروحة المتاهفتة للبوليزاريو كونها قضية تصفية استعمار عليه أن لا يهمل مطالب الحراك ويصفي الاستعمار بالجزائر .
أن لا يعتبر هذا المطلب مجرد مجاز لغوي بل أن يستنبط منه العبر والخلاصات والحكم التي تخرج عادة من أفواه الشعوب ليتعرف على الطريق الصحيح لإنقاذ الجزائر الذي يعني مفارقة الحكم العسكري واعطاء الحكم للشعب
اما بالنسبة لنا في المغرب.
أعتقد أنه مادام الشعب الجزائري يرى نفسه غير “مستقل” ،فلننتظر أن يتحصل هذا “الاستقلال” أولا ، آنذاك ستحل كل المشاكل بسلاسة مع اشقائنا وأخواتنا الذين يقدرون قيمة الاواصر الكثيرة التي تجمعنا فنتجند جميعا لتشييد المغرب الكبير.