ازدواجية المعايير لدى العثماني وإخوانه !
في الاجتماع الشهري للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، قائد الائتلاف الحكومي لولايتين متتاليتين، المنعقد في 6 مارس 2021. اعتبر أمينه العام ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني أثناء كلمته الافتتاحية أن ما حدث عصر يوم 5 مارس 2021 في الجلسة العامة بمجلس النواب يعد انقلابا مرفوضا، من خلال مصادقة الفرق النيابية ضد فريق حزبه على مجموعة من القوانين الانتخابية، شملت تراجعات خطيرة تمس في العمق مقومات الاختيار الديموقراطي، لاسيما ما يتعلق بالقاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في الدائرة الانتخابية عوض عدد الأصوات الصحيحة، الذي سيحول العملية الانتخابية إلى محطة لتوزيع المقاعد على الأحزاب بالتساوي خارج أي منافسة حقيقية. مؤكدا على قوة الحزب في رفع التحدي ومواصلة المشوار بإصرار، والتحضير الجيد للاستحقاقات الانتخابية القادمة…
ولا غرو في أن يتحدث رئيس الحكومة وإخوانه سواء في اجتماعات الأمانة العامة أو خارجها أمام وسائل الإعلام وفي اللقاءات الحزبية بكل ذلك التأثر والحنق، واعتماد سياسة الكيل بمكيالين وخطاب المظلومية إزاء ما يرونه تآمرا على حزبهم، فذلك ديدنهم كلما شعروا بأن مصالح الحزب ومصالحهم الخاصة أضحت مهددة. وليس غريبا أيضا التهديد باللجوء إلى المحكمة الدستورية من أجل إسقاط القاسم الانتخابي بناء على عدد المسجلين، ولا المطالبة بتفعيل الفصل 103 من الدستور، لمواجهة ما أسماه رئيس الفريق النيابي مصطفى الإبراهيمي ب”المستجد الخطير” بعد فقدان الحكومة دعم أغلبيتها.
فالبيجيديون لم يستاؤوا من اعتماد احتساب القاسم الانتخابي، لما قد يخلقه من أزمة انتقال سياسي وإخلال بمفهوم المنافسة بين القوى السياسية، أو إضرار بالعملية الديموقراطية وتراجع خطير عن المكتسبات الدستورية كما يدعون، وإنما لأنه يشكل مكبحا لمطامحهم في العودة إلى رئاسة الحكومة والسيطرة على المجالس الجماعية وعمودية المدن الكبرى، أمام ضعف باقي الأحزاب السياسية المنافسة وارتفاع نسبة العزوف الانتخابي في صفوف المواطنين وخاصة الشباب…
ولعل الأخطر من ذلك هو اعتمادهم ازدواجية المعايير في استصدار الأحكام والتعاطي مع عديد القضايا.
إذ كيف لمن يثير الفوضى داخل المؤسسة التشريعية، أن يقول بأن تعديل القاسم الانتخابي يشكل إساءة لصورة المؤسسات المنتخبة؟ فقد كان من الممكن أن يبدو رئيس الحكومة منسجما مع ذاته وقناعاته لو أنه استهل كلمته بمؤاخذة أعضاء الفريق النيابي للحزب على خرقهم القوانين التنظيمية للمجلس وتعريض الصحة العامة للخطر، إبان جلسة التصويت على القوانين الانتخابية.
حيث لا يعقل التزام برلمانييه بالإجراءات الاحترازية واحترام التمثيلية النسبية على طول السنة والتصويت على قرابة 80 مشروع قانون، ثم فجأة ينقلبون على القانون ويقومون بإنزال كل أعضاء الفريق قصد التصدي للتعديل غير المتناسب مع مصالحهم الضيقة؟
فكيف للحزب الإسلامي التحسر على ما يراه تراجعا عن المكتسبات في مجال المنظومة الانتخابية، وضربا لمصداقية العملية الانتخابية وطابعها الديموقراطي، إذا كان هو نفسه لم يتوقف عن الإجهاز على عديد المكتسبات الاجتماعية التي ناضل من أجلها شرفاء الوطن، فضلا عن تقويض القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، والتطبيع مع الفساد؟ وماذا قدم للارتقاء بالمؤسسات المنتخبة وتخليق الحياة العامة خلال عقد من الزمن؟ وهل تطوير الحياة السياسية والنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية رهينان فقط بحماية القاسم الانتخابي، أم أن المسألة برمتها ليست سوى صراعا سياسويا مكشوفا حول المناصب والمكاسب؟ ثم هل وحده تعديل القاسم الانتخابي الذي يمكنه الإسهام في عدم الاستقرار وضياع مصالح المواطنين وفسح المجال أمام استشراء الفساد وتعطيل عجلة التنمية، أم سوء التدبير وسياسات عمومية عقيمة بدون أفق؟ ألم يكن حريا بمن يهدف إلى تكريس الديموقراطية، البحث عن السبل الكفيلة بإعادة الثقة للمغاربة في العمل السياسي والمؤسسات المنتخبة، والرفع من نسبة المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، عوض التمادي في أساليب الاستفزاز والتنفير منها؟
فالبيجيدي يتوفر على كتلة ناخبة ثابتة، يحرص جيدا على حسن رعايتها مقابل الاستفادة من أصواتها، لضمان الاستمرار في قيادة الحكومة والاستيلاء على أهم المناصب السامية، مهما كان تدبيره سيئا وخياراته خائبة، في ظل تراجع قوة باقي الأحزاب ونسبة المشاركة في الانتخابات. لذلك لم يكن مفاجئا أن يحدث تلك “المندبة” الكبرى، دفاعا عن القاسم الانتخابي الذي يكفل له فوزا كسيحا ومريحا، وليس لحماية المكتسبات الدستورية كما يدعي قادته.
إذ من سيصدق اليوم حديثه عن النكوص وعرقلة الانتقال الديموقراطي، وهو الذي أتى على الأخضر واليابس في جميع المجالات، من خلال تخبطه والإجهاز على المكتسبات في الحكومتين السابقة والحالية؟
ويكفي التذكير هنا ببعض القرارات الجائرة التي تمس بالقدرة الشرائية، والمتمثلة أساسا في فرض ضرائب جديدة، إلغاء صندوق المقاصة وتحرير أسعار المحروقات دون مواكبتها بإجراءات عملية ترفع العبء عن الطبقات المتضررة، تغيير نظام التقاعد والاقتطاع من أجور المضربين عن العمل، حذف التوظيف والترقي بالشهادات وتجميد ترقيات الموظفين، التشغيل بالعقدة وحرمان المتعاقدين من الاستقرار الاجتماعي والنفسي والمهني، وما إلى ذلك من الضربات الموجعة…
إن النقاش الحقيقي الذي ينتظر المغاربة إثارته، ليس حول قوانين ومعارك سياسوية لن تطعم جياعهم وتكسو عراتهم وتشفي مرضاهم وتشغل عاطليهم، ولا إقراع طبول الحرب حول القاسم الانتخابي وتقنين زراعة نبتة القنب الهندي للاستعمال الطبي والصناعي، بل يريدون نقاشا يرقى إلى مستوى الاستجابة لانتظاراتهم، بما يكفل لهم حياة كريمة وعدالة اجتماعية، إصلاح منظومتي التعليم والصحة، تقليص معدلات الفقر والأمية والبطالة والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية…
اسماعيل الحلوتي