الإدارة العمومية المغربية..المشاكل ومطلب الإصلاح
*يونس مليح
الكل يعلم بأن الإدارة العمومية، تعد أحد الوسائل والأجهزة الرئيسية التي تسهر على السير الجيد والأمثل لدواليب الدولة، والإدارة كمفهوم خاص هي علم و فن، فهي تتضمن دراسة منهجية لمجموعة من المعارف و القواعد وكذلك فهي تشمل إدارة منظمة للعمليات الموجهة في أي نشاط، مع تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد والإمكانات المتاحة، وتحقيق تنسيق وتكامل بين العاملين لتحقيق أهداف محددة. ومن يمارس العمل الإداري العام، يتوافر لديه رصيد معرفي متميز، من خلال الدراسة والعلم يثمنه رصيد إضافي من الخبرة والحنكة المهنية، مع قدر من المهارة في توظيف كليهما المعرفة والخبرة لتحقيق الأهداف والقيام بتحديد المسؤوليات بصورة تمنع التداخل وتحقق التناغم العملي.
والإدارة العمومية بمفهومها العام، هي توجيه جهود مجموعة من العاملين في الأجهزة الحكومية تحديداً لتحقيق أهداف محددة مرتبطة بخدمة المواطنين وتحقيق سياسات الدولة العامة، وينطوي تحقيق تلك الأهداف الاستغلال الأمثل للموارد المادية والبشرية ومحاولة توفير مناخ مناسب للعمل والإنتاج. وتقديم الخدمات المطلوبة للجمهور بأفضل صورة ممكنة.
وتعتبر الإدارة العمومية المغربية مؤسسة ذات صبغة عمومية تابعة لوزارة من الوزارات الموزعة في الترتيب الوزاري المغربي، هدفها تقديم خدمات للمواطن المغربي في جميع المجالات، والتي تعتبر حق لكل مواطن دون اللجوء إلى الوسائل غير القانونية والظواهر غير المرغوب فيها داخل المجتمع كالرشوة والمحسوبية والزبونية وغيرها من أشكال الفساد الإداري، وتتكون الإدارة العمومية من عدة مراكز ووحدات موزعة على جميع التراب الوطني، مشكلة بذلك شبكة خدمات واسعة النطاق تناط بها مهام تسهيل ولوج المواطنين إليها وكذلك تقديم الخدمة اللازمة لهم.
وللإحاطةبمختلفالمهامالمنوطةبالإدارةالعموميةالمغربية،تخصصلهامواردماليةوبشريةحتىتقومبمهامهاعلىالنحووالشكلالمطلوب. لكن الإدارة العمومية المغربية رغم ما يعرفه العالم اليوم من تحولات على المستوى التكنولوجي والمعلومياتي ودخوله عصر العولمة والسرعة، لازالت إدارتنا تعاني من ضعف مستوى خدمات مؤسساتها بشكل يثير غضب المواطنين، زيادة على ما تعرفه هذه الوحدات الإدارية من أشكال الفساد الإداري المختلفة، التي تسيطر عليها وتجعلها غير قادرة على لعب دورها الرئيسي في التنمية. فما هي مختلف المشاكل والإكراهات التي تعرفها المنظومة الإدارية العمومية المغربية ؟ وكيف السبيل إلى إصلاح إداراتنا العمومية حتى نرقى بها إلى مصاف إدارات الدول المتقدمة ؟
لقد أصبح من المسلمات أن الإدارة الحديثة عنصر من عناصر التنمية ذات التأثير الحيوي المباشر في تحقيق غايات المجتمع، والارتقاء بأفراده إلى مصاف متقدمة من العيش الكريم والحياة الآمنة، وإشباع حاجاته العامة وتلبية متطلباته الحالية والمستقبلية، ومن هنا انبعثت الحاجة إلى جهود متعاقبة ومستمرة في طريق الإصلاح الإداري والتنمية الإدارية التي تقوم على أساس أن ” الغد هو حاضر اليوم الذي أضحى ماضي الأمس“، وهو الأمر الذي يطلق عليه اصطلاح “إدارة المستقبل“.
لكن الإدارة المغربية كما يعرف الجميع، تعاني من عدة أمراض إن جاز التعبير، تعطل السير العادي والجيد لهذه الوحدات الإدارية، والتي تكمن في ظواهر الفساد الإداري المفضي إلى انعدام المسؤولية، والذي عرف بأنه “الحالة التي يدفع فيها الموظف نتيجة لمحفزات مادية أو غير مادية غير قانونية، للقيام بعمل ما لصالح مقدم الحوافز وبالتالي إلحاق الضرر بالمصالح العامة“، وأيضا وجود بعض ظواهر البيروقراطية، كطغيان وتسلط بعض رؤساء المصالح بالتصرف في كل الأمور، والتقيد الشديد والمتخلف بحرفية التعليمات التي لا تغضب الرؤساء والمديرين، وسيادة الأفكار التقليدية في السلوكات والتعليمات، وعدم إدراج الوسائل المعلوماتية بشكل واسع في تقديم الخدمة للمواطنين.
وقد جاء في خلاصات تقرير البنك الدولي، بشأن الإدارة العمومية بالمغرب الصادر سنة 1955:” إن مسلسل الإصلاح الذي هم مجال الإدارة العمومية المغربية، لم يستطع أن يحولها من إدارة تقليدية ومغلقة ومعقدة وبطيئة ومتخلفة عن عصرها، إلى إدارة حديثة وعقلانية وكفئة وفعالة ومندمجة في محيطها“، فهاجس إصلاح الإدارة العمومية من خلال هذا التقرير لم يرقى للمستوى المطلوب، وذلك نابع من عدة معيقات والتي أسهبت عدة تقارير في نسج خيوطها، والتي نجملها فيما يلي: غياب رؤية مشتركة وموحدة لبرنامج الإصلاح الإداري؛ التمركز المفرط للمصالح والسلطات والوسائل؛ وضعية الإدارة في العالم القروي؛ إشكالية الفساد الإداري؛ إشكالية السلوكات المهنية؛ إشكالية التعقيد الإداري؛ عدم انسجام بعض مقتضيات النظام الأساسي للوظيفة العمومية مع التطورات التي عرفتها الإدارة؛ عدم عدالة منظومة الأجور؛ غياب منظومة وطنية للتكوين المستمر؛ ضعف محدودية توظيف التكنولوجيا الحديثة في التدبير الإداري؛ انعدام منظور شمولي لتحسين علاقة الإدارة بالمتعاملين معها؛ غياب مقاربة تشاركية لتدبير الشأن العام، وغياب شبه تام للحق في الولوج إلى المعلومات، جل هذه المعيقات تدفع إلى توصيف النظام الإداري المغربي “بالنظام المنغلق وغير المنفتح على محيطه“.
فمطلب إصلاح الإدارة العمومية المغربية أصبح ملحا في ظل الظروف الحالية التي يعيشها العالم من تطور ملحوظ، وفي ظل المبادئ الجديدة المنصوص عليها في دستور فاتح يوليوز 2011، الناظم لتدبير الشأن الإداري، والتي من أهمها مبدأ الحكامة الجيدة، بحيث تصبح الإدارة في ظل هذه المقاربة الجديدة، إدارة استراتيجية ومبادرة وفعالة، وإدارة مشاركة وفاعلة في رسم السياسات وتصميم البرامج، وإدارة مرنة ومتعاونة بين كل من القطاع العام والخاص.
فالإدارة المغربية تبقى كالمرأة المغربية، الكل يشيد بأهميتها ويؤكد على دورها، إلا أن القليل من أعطاها حقها، لذلك يجب العمل على إصلاح الإدارة العمومية المغربية وفق مبادئ ومعايير الدستور، والعمل على تأهيل العنصر البشري بالتكوين المستمر، وتكوينه على تكنولوجيا المعلوميات لاستخدامها في علاقته بالمواطنين، والعمل على تجويد التدبير العمومي، والعمل على تطبيق البوابات السبع التي لم تطبق لحد الآن، وهي منبثقة عن المناظرة الوطنية الأولى حول الإصلاح الإداري، التي انعقدت بتاريخ 7-8 ماي 2002، والتي رفعت شعار “الإدارة المغربية وتحديات 2010″، ويمكن إجمالها فيما يلي: دعم اللاتركيز الإداري وإعادة تحديد مهام الإدارة؛ ودعم الأخلاقيات بالمرفق العام؛ وتأهيل الموارد البشرية وتطوير أساليب تدبيرها؛ وإصلاح منظومة الأجور في الوظيفة العمومية؛ وتحسين علاقة الإدارة بالمتعاملين معها؛ وتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية؛ وأخيرا تنمية استعمال تكنولوجيا المعلوميات والاتصال.
يمكن التأكيد في الأخير، على أن إصلاح الإدارة العمومية المغربية، يجب أن يبدأ بالعنصر البشري، لأنه أساس الإصلاح، فالتكوين الجيد للعنصر البشري لاشك وأنه يساهم وبشكل فعال في تطوير الخدمة داخل الإدارة المغربية، ويقوم بإرساء مفاهيم من قبيل “المنظور الجديد للخدمة العامة“، فالإدارة الخدومة هي إدارة خدومة للشأن العمومي، مما يؤدي إلى أنسنتها كخدومة للإداري والمرتفق على حد السواء، فالخدمة العمومية مقياس لنجاعة الفعل الإداري الذي يستلزم مواكبة التحولات التي يفرضها واقع العولمة، ولا ننسى أيضا بأن التفعيل الجيد والأمثل للمبادئ المنصوص عليها في الدستور على أرض الواقع، لاشك وأنه سيأثر وبشكل كبير في عمل إداراتنا المغربية، فواقع الحال لا يشير إلى تفعيل هذه المبادئ رغم مرور ما يزيد عن أربع سنوات على المصادقة عليه، وهو ما يدفعنا إلى المطالبة، وبإلحاح، بتفعيل نصوص دستور 2011، حتى نرقى بإداراتنا المغربية لمصاف الدول المتقدمة، وحتى نعمل على التفعيل الأمثل والجدي لإدارة القرب، والإدارة المستقبلة، والمتواصلة، والشفافة، والمنتجة، والمسؤولة.
*كاتب وباحث جامعي في العلوم والتقنيات الضريبية