لا لتغليف الإحسان بالسياسة !
صار مألوفا لدى المغاربة أن لا يسمعون ضجيج الأحزاب السياسية إلا إبان المزايدات السياسوية، تبادل الاتهامات والتهافت على المناصب والمكاسب، وبدرجة أكبر كلما قرب موسم الاستحقاقات الانتخابية، كما هو الحال في هذه الأيام من الشهر الفضيل رمضان ونحن على مرمى حجر من نهاية الولاية التشريعية.
حيث تعيش بلادنا على إيقاع التسخينات الانتخابية، عبر ما يجري من سجال سياسي وتراشق إعلامي بينها حول مجموعة من الملفات الشائكة، في اتجاه تحريك الآلة الدعائية وتلميع صورتها ورفع رصيدها الانتخابي.
وفي هذا الصدد وعلى إثر الضجة الإعلامية التي أحدثتها مجموعة من مقاطع فيديو، توثق لاحتجاجات أشخاص وجدوا أنفسهم منخرطين دون سابق إشعار في حزب “التجمع الوطني للأحرار”، الذي يعد من أبرز مكونات الائتلاف الحكومي، مقابل توصلهم بإعانات غذائية من قبل جمعية “جود” للتنمية التابعة له.
وبعد خروج ثلاثة أحزاب سياسية محسوبة على المعارضة: الاستقلال، الأصالة والعاصرة والتقدم والاشتراكية، ببيان تستنكر فيه التوظيف السياسوي للعمل الإحساني، وتندد بالاستغلال غير المشروع واللاأخلاقي للبيانات والمعطيات الشخصية للمواطنات والمواطنين المستفيدين، رافضة استمالة الناخبين بهكذا أسلوب يمس بجوهر العملية الانتخابية ويضرب مبدأ التنافس الشريف، وتطالب السلطات العمومية بالتدخل الفوري لوضع حد لمثل هذه التصرفات وردع أصحابها…
فإذا بالأمين العام لحزب العدالة والتنمية القائد للائتلاف الحكومي لولايتين متتاليتين ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وفي خطوة مثيرة للاستغراب، يدخل على الخط عبر كلمة ألقاها أمام الكتاب الجهويين والإقليميين لحزبه، متوعدا بالتصدي لاستعمال الإحسان في اتجاه التغرير بالمواطنين وجعله مطية لتحقيق أهداف انتخابوية.
مشيرا إلى أن حزبه سيترك خلفه ما حدث حول القاسم الانتخابي وإلغاء العتبة في الانتخابات الجماعية، وسيكون حازما في مقاومة الممارسات غير الديمقراطية، سواء تعلق الأمر باستعمال المال في الانتخابات، أو العمل الإحساني الرامي إلى إغواء المواطنين وإلحاقهم بأحزاب معينة دون رغبتهم، نظير استفادتهم من “القفة الرمضانية” وتسليمهم بطاقة العضوية، موجها رسالة إلى منافسيه بالتشمير عن سواعدهم وإبراز “شطارتهم” في إقناع الناخبين وفق الأساليب السياسية “المعقولة”. وهو كلام لا يسع المتلقي إلا أن يثمنه عاليا ويصفق له بحرارة، كما لم يصفق من قبل لبطل في مسرحية وطنية حماسية…
من هنا يبدو أن العثماني منسجم مع توجهات حزبه، لأنه كما لا يريد أن ينزع حزب آخر مقود قيادة الحكومة من حزبه، لا يريد أيضا لأي جمعية أخرى أن تنازع الجمعيات التابعة له ولذراعه الدعوي “حركة التوحيد والإصلاح” العمل الإحساني، باعتباره حكرا عليها وحدها دون غيرها في تقديم الخدمات الاجتماعية وتوزيع المساعدات والمواد الغذائية لأغراض دينية وانتخابوية.
وربما على هذا الأساس طالب الحزب “العتيد” وزارة الداخلية بتشديد الخناق على المخالفين للقانون والتصدي للهيئات السياسية التي تفرض الانخراط على المستفيدين من قفتها.
إذ سرعان ما تفجرت اتهامات خطيرة بين مكونات الائتلاف الحكومي على خلفية “الإحسان” المغلف بالسياسة، حيث شهدت جلسة الأسئلة الشفوية المنعقدة بمجلس النواب يوم الاثنين 26 أبريل 2021 حربا كلامية مسعورة، بعد أن انتقد رئيس فريق حزب “الحمامة” ما تتعرض له جمعية “جود” من هجوم، مشيرا إلى أنه ينبغي مساءلة المؤسسات التي تستنزف المال العام في حملات انتخابية مبكرة، وتوخي الحذر من المال القادم من دول أجنبية والذي يوظف في خدمة أجندات سياسية ودينية…
وبصرف النظر عن هذه المعارك السياسوية غير المجدية، فإن المغاربة يعرفون جيدا بأن البيجيدي يتوفر على آلاف الجمعيات الإحسانية التابعة له ولجناحه الدعوي في المدن والقرى، تم تأسيسها لأغراض دينية وانتخابوية، وتحظى بحصة الأسد من الدعم والتمويل مقارنة مع باقي جمعيات المجتمع المدني، سواء من طرف مجالس المدن أو المقاطعات الجماعية التي يهيمن على رئاستها قياديوه أو من جهات أخرى.
ويأتي ذلك في إطار تقوية نسيج الحزب الجمعوي تحضيرا للاستحقاقات الانتخابية، والسهر على استقطاب الناخبات والناخبين من الفئات الهشة، خاصة الأرامل والأيتام والأمهات العازبات والعاطلين.
وهي جمعيات تشمل كافة المجالات الرياضية والثقافية والخيرية، تنشط في الأحياء الشعبية وضواحي المدن، بعد أن استطاعت جمع البيانات وكونت قاعدة معطيات معلوماتية للأسر المستهدفة، وهكذا نجدها تكاد لا تتوقف عن توزيع المساعدات في المناسبات الدينية والأعياد من قبيل أضاحي العيد وكسوة العيد واللوازم المدرسية وإعطاء “الدروس” بالمجان في الدعم والتقوية ومحو الأمية. وترتفع حرارة أنشطتها كلما حان موسم الانتخابات على وجه الخصوص، دون أن ننسى أن منها من تنعم بتمويلات أجنبية تبلغ ملايير السنتيمات.
وبعيدا عن هذا التدافع السياسي الأهوج الذي يستفز مشاعر المغاربة، وفي انتظار أن يتحقق حلمهم الكبير في تعيم الحماية الاجتماعية، وهو المشروع المجتمعي الضخم الذي أطلقه ملك البلاد محمد السادس في 14 أبريل 2021، الهادف إلى النهوض بالعدالة الاجتماعية والمجالية، وتحسين ظروف عيش المواطنين وصيانة كرامتهم، وتحصين الفئات الهشة خاصة عند التقلبات الاقتصادية والمخاطر الصحية ومختلف الطوارئ والأزمات…
فإننا مع تكريس قيم المواطنة الخالصة والتكافل والتضامن الاجتماعي، لاسيما في مثل هذا الشهر الكريم رمضان وفي ظل الظروف الصعبة التي تمر منها بلادنا، على إثر تفشي جائحة “كوفيد -19” التي عرت على واقعنا المر وخلفت تداعيات اقتصادية واجتماعية قاسية، تستدعي انكباب النخب السياسية على إحياء ثقافة التضامن الأصيلة ومساندة المجهود الوطني بما يحقق وحدة المجتمع وتماسكه. ونرفض بقوة استغلال ضعف ومآسي المعوزين والفقراء وتحويل العمل الإحساني إلى ورقة انتخابية رابحة….
اسماعيل الحلوتي